الثقافي
لآلئ متناثرة..
من آلام البحرين
تاريخ النشر : السبت ٢٦ مايو ٢٠١٢
في ظرفٍ كبير الحجم وداكن، جمعتُ أيامها فيه الكثير من ذكريات فبراير الأسوَد، لأذكر أبدا تلك الحقبة من الزمن، تلك الليالي الطوال، الصدمة، الكارثة، المهم أنني خصصت هذا الظرف باسم »من آلام البحرين« علني أرجع إليه بعد زمانٍ يلي لأتصفح فيه ما خطته الأيام بدمٍ قانٍ وقد أصبح ماضياً.
كلما أردت أن أرفعه عالياً على رف الدولاب في جهةٍ ما جعلتها أرشيفا خاصا،وكلما أردت رفعه إلى أعلى، استثقلته وتركته مرميا على الأرض كجثة هامدة تقطع طريقي حتى دولاب الملابس كل يوم، ربما تركته لثقله أو لأنني لا أريد أن أنسى، لا أريده أن يصبح ماضياً تفصله اللحظة عن آنيته وحداثته، ألمه وترويعه.
(شقّد بيتم إهنيّ؟) يسألونني، حتى ينتهي هذا كله، لكنهم أطفال، أطفالٌ بعد كل ما عاشوه خلال تلك الأيام، أطفال على أن أخبرهم بأن كل ذلك لايزال قائماً، بأنه لم يحن الأوان لأسميه أمس، لم تحن اللحظة التي نتخلى فيها عن طعم المرارة، ونُنسي أنفسنا مُرغمين كل ما مررنا به، فنحن مازلنا نعايش ومازلنا نُقاسي.
كأنني أرى البحرين اليوم أول مرة وأشعر بحرارة المياه والرمال ليس كذي قبل، كأنني أعرفها توي، وأصافح شواطئها إذا مشيت تماماً على الخط الذي يرتبط فيه بحرها بالرمال، على هذا البرزخ كنت في صغري أشعر بأن ما يكونه اختلاط الماء بالرمال وسخاً يصعب تنظيفه، واليوم صارت هذه البقعة بالذات هي التي تجعلني أبتسم، هنا تنطلق الضحكات من القلب، ويلتقي البحر البحرين، هنا يتعانق الحب.
في الظرف لن أتمكن من وضع هذا الحب كله، والألم كله، في ذلك الظرف لن يسع المكان الدموع والدم والأمواج والرمل، قصة البحرين أَبدع من أن تروى، وقصة ما عايشناه آلم من أن يحكى.
لم أستشعر قبلاً رائحة التراب، ربما انتبهتُ لها بعد سقوط المطر فقط، وصرت اليوم أعرف رائحته المميزة العطرة، رائحة تراب البحرين التي عُجنت بملح البحر ونفحَ تفتُح الريحان وشيء من العذب الذي جرى تحتنا واختلط بجذور النخيل في الأرض.
قاسية هي المشاعر حين ندرك أن الأرض تحتنا تتألم كلما حفروا فيها حفرة ولغموها بالمتفجرات لينسفوا تاريخها كله، قاسية هي اللحظات المُدوية بصوت انفجارٍ هنا وهناك في قلب الأرض الباكية تحتنا، قاسية هي اللحظة التي أضع عليها يدا حانية وليس باستطاعتي إلا أن أقول »اسم الله عليج«.
يتنقلون بين المطارات والقاعات، يشوهون تاريخ البحرين، يرسمون لها صوراً أبشع، يزوّرون، يُتلِفون، يتباكون، والمحبون هنا مُتحلِقون حولها يضمونها، يمسحون بأياديهم دموعها، ويسمعون الأنين والصدى، مع النشيج، صدى بكائها أصبح مسموعاً أكثر الآن.. »يعَل اللي وداكم ما يردكم، ويعلّه ف سابع أرضٍ هابع ابكم« هكذا قالت البحرين.