رسائل
في أوسع ائتلاف حكومي تشهده تل أبيب
التحول والانتهازية وفقدان الثقة تحكم الموقف في إسرائيل
تاريخ النشر : السبت ٢٦ مايو ٢٠١٢
يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يؤمن بالحكمة التي تقول إن لم تستطع منازلة الوحش فخذه في أحضانك، تلك الحكمة القديمة التي بات يجيد تطبيقها، فبدلا من الدخول في مغامرة التبكير بإجراء الانتخابات البرلمانية ومنازلة أحزاب المعارضة احتضن نتنياهو حزب كاديما (أكبر أحزاب المعارضة) وأشركه معه في ائتلافه الحاكم وبأغلبية ساحقة (ستة وتسعين من إجمالي مائة وعشرين) حصلت حكومة الوحدة الوطنية التي شكلها نتنياهو مؤخراً على ثقة الكنيست.
هي ليست فقط أوسع حكومة وأكبر ائتلاف يحكم الدولة العبرية منذ قيامها، لكنها حكومة تتمتع بسمات أخرى لها مدلولها، فهذه أول حكومة تضم ثلاثة رؤساء أركان سابقين، منهم وزير دفاع سابق وآخر حالي، حكومة لها رائحة عسكرية، ومن يدقق في تصريحات نتنياهو يدرك أنه يقوم بتهيئة الرأي العام المحلي لضربة منفردة ضد إيران من دون الحاجة للحصول على الضوء الأخضر من واشنطن أو حتى إبلاغها.
وأنه يبث الاقتناع بمبدأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما ((نعم.. نحن نستطيع)) ويكملها بأسلوبه الخاص ((من دون واشنطن)) حتى ما لا يستطيع الجهر به في أحاديثه، يقوم الكتاب والمحللون المقربون إليه بالترويج له في مقالاتهم، عاموس ريجيف رئيس تحرير جريدة يسرائيل هايوم المقربة إلى نتنياهو - على سبيل المثال - كتب في افتتاحية جريدته: لا يمكننا الاعتماد على أوباما بل على أنفسنا فحسب، الأمر صعب، مخيف، لكنه ممكن، لسنا مضطرين إلى القلق من رد الفعل الإيراني، فصواريخ أرو قادرة على إسقاط الصاروخ شهاب وسوف يتردد حزب الله وحماس في دخول الحرب، قد لا تكون النتائج لطيفة مثلما حدث في ضرب المفاعل العراقي لكنها لن تكون سيئة.
هي حكومة ظهرت أول آثارها في الخطاب الذي أرسله نتنياهو ردا على الرسالة الخاصة التي بعث بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قبل شهر كامل يدعوه فيها إلى وقف المستوطنات والدخول فورا في مفاوضات السلام فكان الرد الإسرائيلي سلبيا خاليا من أي أساس يمكن البناء عليه ويقنع الفلسطينيين بالعودة إلى مائدة الحوار، فنتنياهو مازال يصر على عدم الدخول في مفاوضات مشروطة.
عواصف في الداخل
كسابقاتها.. جمعت حكومة الوحدة الوطنية الحالية بين أضداد، وكسابقاتها تشكلت في أوقات الملمات والمخاطر لكنها في الوقت ذاته وعلى عكس السوابق الأخرى بدأت تثير العواصف والشكوك في الداخل منذ يومها الأول، فبينما انهالت المدائح على سياسة رئيس الوزراء ورئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو وعقليته الجبارة التي نجح بفضلها في تشكيل أوسع حكومة وحدة وطنية، عصفت موجة من التمرد الداخلي بحزب ((كاديما)) تهدده الآن بالانقسام بسبب التحول الخطر والمفاجئ الذي طرأ عليه تحت رئاسة شاؤول موفاز وقد كان من أكبر معارضي نتنياهو في العديد من القضايا أبرزها الموقف من الضربة الإسرائيلية التي يعد لها ائتلاف نتنياهو لإيران، وكذلك الموقف من المستوطنات وكان من أثر هذا التحول المهم غياب المعارضة تقريبا من البرلمان بصيرورة ((كاديما)) شريكا في الحكومة، وحصول موفاز على منصبي نائب رئيس الوزراء ووزير بلا حقيبة في الحكومة.
وقد اجتمع خمسة من متمردي الحزب للترتيب لمغادرة كاديما منتظرين الكلمة الفاصلة من تسيبي ليفني الرئيسة السابقة بتشكيل حزب جديد، وإذا استطاعوا إقناع عضوين آخرين فسيتوفر لهم نصاب السبعة الكافي لإعلانهم فصيلا مستقلا عن كاديما في البرلمان، أما لو ارتفع العدد إلى تسعة فسيمكنهم قيادة المعارضة في البرلمان.
المتحولون وزواج المصلحة
المتمردون ومعهم بعض المراقبين يرون أن شاؤول موفاز اقتنص اللحظة وحصل على منفعة شخصية مقابل إقحام الحزب برمته إلى داخل حظيرة نتنياهو وباراك، هو فقط استقل قطار نتنياهو السريع المضمون والتحق بباراك مكونا معه فريق المشتاقين للمناصب بصرف النظر عن الانتماءات الحزبية والولاءات الأيديولوجية، فهذه الحكومة الموسعة يضمن نتنياهو الاستمرار في فترة ولايته الحالية حتى 2013 ((الموعد الطبيعي للانتخابات)) وربما يضمن فترة ولاية ثالثة لو أتاحت التعديلات المنتظرة في نظام الحكومة ذلك،أو على أقل تقدير قد يصبح رئيسا للبلاد.
ويرى هذا الفريق أن موفاز لن يستطيع الآن فصاعدا أن يمثل مبادئ كاديما أو يدافع عنها في المناقشات الجوهرية، وقد ظهرت بوادر ذلك في تصريحاته الأخيرة التي خفتت فيها حدة انتقاداته لفكرة ضرب إيران التي كان يصفها قبل أسابيع قليلة بالساذجة والكارثية مما يشي بأن تحييد لهجة موفاز التي كانت صاخبة وعنيفة هو أول أعراض تحوله الحاد.. فريق آخر لا يأمل في استمرار شهر العسل طويلا بين أطراف هذا الائتلاف الموسع الذي سرعان ما ستنفصم عراه بعد تحقيق توافق شعبي كبير حول القضايا المطلوب إقرارها في البرلمان مثل التعديلات المقترحة عل نظام الحكومة والانتخابات فيما يعرف بقانون تال وحول المستوطنات، والأهم تمرير ميزانية الدولة بالبرلمان بمعنى أن نتنياهو يستغل كاديما حتى يقضي وطره منه.
على الجانب الآخر بدأت المخاوف تساور غلاة اليمينيين من أعضاء الليكود خشية أن يحاول نتنياهو ضم أي من شاؤول موفاز أو إيهود باراك وزير الدفاع أو كليهما إلى حزب الليكود بما يدفع بالحزب نحو اليسار، الأمر الذي قد يضيف عناصر مثيرة للقلق إلى الحزب ولاسيما فيما يخص موضوع إضفاء الشرعية علي البؤر الاستيطانية غير القانونية بما يسمح بضمها إلى مستوطنات الضفة الغربية التي يعتبرها هؤلاء قضية اللحظة الراهنة.