شرق و غرب
حرب يونيو ..1967 عدوان إسرائيلي
تاريخ النشر : السبت ٢٦ مايو ٢٠١٢
في الشهر القادم ستحل الذكرى الخامسة والأربعون على حرب الأيام الستة في يونيو 1967 التي انتهت بهزيمة العرب واحتلال إسرائيل للمزيد من أراضيهم. مع اقتراب هذه الذكرى الخامسة والأربعين بدأ الصحفيون وكتاب الأعمدة الموالون لإسرائيل ؟ من أمثال شارلز كراوثهامر ؟ يروجون مجددا للرواية الإسرائيلية المتعلقة بالقرار الذي اتخذته الدولة العبرية آنذاك بمهاجمة الدول العربية المجاورة لها.
يبدو أن شارلز كراوثهامر وأمثاله ؟ وهم كثيرون ؟ يسعون إلى شن حرب وقائية واستباقية ضد حقائق التاريخ، أي حقيقة أهداف الهجوم الذي شنه الجيش الإسرائيلي على الجيوش العربية واحتلاله مساحات واسعة من الأراضي العربية، وهي بالذات الأراضي التي يعتبرها الصهاينة المتشددون «جزءا لا يتجزأ من إسرائيل الكبرى».
يوم 5 يونيو 1967 شنت إسرائيل هجوما مباغتا على الجيوش العربية وألحقت بها هزيمة مريرة لاتزال تداعياتها حاضرة حتى اليوم. لقد استطاعت إسرائيل أن تحتل كامل قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية، كما احتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية ؟ اللتين كانتا تحت الإدارة الأردنية ؟ واستولت على مرتفعات الجولان السورية.
أعيدت شبه جزيرة سيناء إلى مصر سنة 1979 في إطار معاهدة كامب ديفيد للسلام، تجسيدا لمبدأ الأرض مقابل السلام الذي طالب به الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر رغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آنذاك مناحيم بيجن كان يكن كراهية دفينا لمبدأ الأرض مقابل السلام.
لقد كثفت مختلف الحكومات المتعاقبة على السلطة منذ حرب يونيو 1967 من البناء الاستيطاني في الأراضي العربية المحتلة، وخاصة منها الضفة الغربية التي يسميها حزب الليكود الحاكم الآن «يهودا والسامرة» وهي رموز توراتية تظهر مدى اتساع المشروع الصهيوني وتوكئه على الدين من أجل تسويق أهدافه الاستعمارية الاستيطانية.
ينص الميثاق التأسيسي لحزب الليكود على أن «الجماعات اليهودية في يهودا والسامرة تكرس القيم الصهيونية. إن استيطان الأرض يمثل تعبيرا واضحا عن حق اليهود الذي لا يرتقي اليه أي شك في أرض اسرائيل. سيظل حزب الليكود يعتمد على دعم وتقوية هذه المستوطنات اليهودية والتصدي لأي محاولة لاجتثاثهم».
إذًا لقد شنت إسرائيل حرب الأيام الستة الغادرة في يونيو 1967 من أجل احتلال الأراضي التي يعتبرها الصهاينة جزءا لا يتجزأ من أرض إسرائيل التوراتية. لقد ظهر حزب الليكود بعد مرور عدة أعوام على حرب يونيو 1967 وقد أبدى قادته ؟ وفي مقدمتهم مناحيم بيجن ؟ تصميمهم على تكثيف السياسات الاستيطانية في الأراضي العربية المحتلة بهدف «تغيير الحقائق على أرض الواقع».
رغم أن الدولة العبرية تواصل مشاريعها الاستعمارية الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ؟ وخاصة في الضفة الغربية والقدس الشرقية ؟ فإن تلك الأصوات المؤيدة لها تبدو اليوم في موقف الدفاع لسبب وجيه، فهذه الأطراف تعتبر أنه بات من الضروري القيام بحملة علاقات عامة واسعة من أجل «تبييض» وجه إسرائيل وخاصة إعادة تسويق رواية «بريئة جدا» لذلك العدوان المباغت الذي شنه الجيش الإسرائيلي يوم 5 يونيو 1967 على الدول العربية المجاورة: مصر وسوريا والأردن بعد مرور خمس وأربعين سنة كاملة على ما أصبح يعرف بالنكسة.
ينتظر أن تستدعي ذكرى حرب الأيام الستة في يونيو 1967 هذه السنة اهتماما فوق العادة في وقت تآكل فيه الموقف الاستراتيجي للدولة العبرية في منطقة الشرق الأوسط وقد بدأ هذا الأمر يتضح بكل جلاء منذ السنة الماضية 2011 التي شهدت تقلبات وتطورات غير مسبوقة ولا متوقعة في منطقة الشرق الأوسط.
على سبيل المثال لم تعد مصر ؟ بملايينها الثمانين ؟ تقف على «الحياد» على عكس ما كان عليه الأمر في عهد الرئيس السابق حسني مبارك الذي كان يمثل ورقة استراتيجية مهمة بأيدي إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية خاصة ؟ والغرب بصفة عامة ؟ في منطقة الشرق الأوسط. فقد ظل نظام الرئيس السابق حسني مبارك يبذل كل ما في وسعه من أجل احتواء الشعب المصري وإلهائه عن مساندة الفلسطينيين. لقد قال أبرز المرشحين في الانتخابات الرئاسية انهم سيعيدون النظر في بعض بنود معاهدة كامب ديفيد للسلام ؟ الموقعة بين مصر وإسرائيل سنة 1979 وخاصة تلك المتعلقة بشبه جزيرة سيناء.
قال بعض السياسيين المصريين البارزين انهم سيفتحون الحدود على مصاريعها بين مصر وقطاع غزة، الذي يعيش فيه أكثر من مليون ونصف مليون بشر في أكبر سجن مفتوح في العالم جراء الحصار الذي تضربه إسرائيل على القطاع منذ فوز حركة حماس في الانتخابات وتوليها رئاسة الحكومة وسيطرتها بالتالي على أغلب مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الدولة العبرية ولم يرض ؟ بطبيعة الحال ؟ الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت قد شجعت رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس على إجراء الانتخابات وأشادت بنزاهتها وديمقراطيتها.
يبدي المصريون تضامنا قويا مع الشعب الفلسطيني الذي يعيش مرارة الحصار في قطاع غزة وذل الاحتلال الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية وسط صمت عالمي مريب، إنه صمت الأموات.
والأهم من كل ذلك أن الحكومة المصرية الحالية ؟ ورغم أنها غير منتخبة ؟ قد ألغت اتفاقا مثيرا للجدل ومفيدا لمصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى لتزويد الدولة اليهودية بالغاز الطبيعي المصري بأسعار «مناسبة». هذا إنجاز كبير يحسب لمصر في المرحلة الجديدة رغم التحديات السياسية والاقتصادية الكبيرة التي تواجهها.
على عكس صمت الولايات المتحدة الأمريكية على جرائم إسرائيل التي قتلت مواطنين أمريكيين (مثل راكيل كوري التي داستها جرافة إسرائيلية بينما كانت تحاول أن تمنعها من تدمير منزل فلسطيني) فإن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان لايزال يطالب الدولة العبرية بالاعتذار عن مقتل تسعة نشطاء أتراك كانوا على متن سفينة ماضي مرمرة التي كانت تبحر ضمن أسطول الحرية في المياه الدولية في البحر الأبيض المتوسط إلى قطاع غزة المحاصر. كان ذلك يوم 31 مايو .2010
لاذت الولايات المتحدة الأمريكية بالصمت المريب ولم تنبس ببنت شفة أو تحرك ساكنا رغم أن بعض القتلى الأتراك كانوا يحملون الجنسية الأمريكية.
لقد تضررت العلاقات الثنائية بين تركيا وإسرائيل بعد أن كانت قائمة على أساس تعاون عسكري وثيق بين البلدين اللذين أبرما أيضا صفقات بمئات الملايين من الدولارات، كما أن سلطات أنقرة ظلت قبل ذلك تسمح للدولة العبرية بإجراء تدريبات جوية في مجالها الجديد. لقد فقدت إسرائيل في تركيا ورقة استراتيجية مهمة يصعب تعويضها.
يدرك الموالون لإسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية تمام الإدراك أن المصريين والأتراك والسوريين والأردنيين وبقية الشعوب في منطقة الشرق الأوسط لن تنطلي عليها الرواية الإسرائيلية المشروخة عن الدوافع الحقيقية التي جعلت إسرائيل تبادر إلى العدوان وتشن حربا مباغتة ضد جيرانها.
من الواضح جدا أن الاسرائيليين يمارسون فن المغالطة في التعامل مع الأمريكيين وقد استخدموا في ذلك وسائل الإعلام على غرار صحيفة الواشنطون بوست المحافظة، التي ظلت على مدى العقود الأخيرة تتعمد عدم إخبار قرائها بالحقيقة الكاملة عن الكثير من القضايا التي تهم دول منطقة الشرق الأوسط. نذكر على سبيل المثال المغالطات الكثيرة التي سوقتها صحيفة الواشنطون بوست في تعاملها مع مسألة الدمار الشامل العراقية المزعومة. هذا فقط غيض من فيض عن آثام الصحافة ووسائل الإعلام الأمريكية عندما يتعلق الأمر بتغطية أحداث أو تناول قضايا تاريخية تكون إسرائيل طرفا فيها، مثل الدوافع الحقيقية الكامنة وراء حرب الأيام الستة في يونيو .1967
لعله من الأحسن النسج على منوال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ومؤسس حزب الليكود مناحيم بيجن ونفعل ما فعله نفسه قبل أكثر من ثلاثين سنة. لقد أقر هو نفسه بأن حرب الأيام الستة، التي شنتها إسرائيل في يونيو 1967 ضد الدول العربية المجاورة: مصر وسوريا والأردن إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة لم تكن حربا دفاعية كما أنها لم تكن بأي حال من الأحوال حربا «استباقية»، حيث انه لم يكن يوجد أي خطر مصري أو غيره يتعين التعامل معه من خلال ضربة عسكرية استباقية.
صرح مناحيم بيجن عندما كان في السلطة على رأس الحكومة الإسرائيلية سنة 1982 قائلا:
«في شهر يونيو 1967، كان لدينا الخيار. فالقوات العسكرية التي ركزتها مصر في شبه جزيرة سيناء لا تثبت أن جمال عبدالناصر كان يتأهب لمهاجمتنا. يجب أن نكون صرحاء مع أنفسنا. لقد قررنا نحن المبادرة إلى مهاجمتهم».
إن مثل هذا التاريخ الحقيقي هو الذي سيزيح ستار الغموض والزيف الذي يلف الرواية الإسرائيلية الرسمية التي ظلت تتعمد تضخيم «الخطر» الذي كانت تمثله مصر في عهد جمال عبدالناصر وذلك من أجل التغطية على المشروع الحقيقي والهدف الخفي اللذين كانت الدولة العبرية تسعى إلى تحقيقهما ألا وهما توسيع الحدود الإسرائيلية واحتلال الأراضي الفلسطينية والعربية في انتهاك صارخ للقوانين والأعراف والمواثيق الدولية.
لقد استند الصحفي شارلز كراوثهامر لهذه الرواية التاريخية وراح يبرز الأداء البطولي للجيش الإسرائيلي في حرب الأيام الستة في يونيو 1967 وخرج منها بالدروس المستفادة ونزلها على الخطط الإسرائيلية الراهنة والرامية لضرب إيران على خلفية برنامجها النووي، مدافعا عن إسرائيل التي تواجه حسب رأيه اليوم خطرا جديا يتهددها جراء البرنامج النووي مثلما واجهت خطر العرب الذين كانوا «يخططون لتدمير الدولة العبرية وإلقاء اليهود في البحر».
كتب شارلز كراوثهامر يقول في هذا الصدد:
«يوم 5 يونيو 1967 شنت إسرائيل حربا استباقية استهدفت سلاح الجو المصري كما راحت بعد ذلك تحقق سلسلة من الانتصارات الخاطفة على ثلاث جبهات منفصلة. إن حرب الأيام الستة في يونيو 1967 أسطورة حقيقية».
بعد ذلك أسقط شارلز كراوثهامر تلك «الأسطورة التاريخية» التي تحدث عنها على المواجهة التي تخوضها إسرائيل ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية على خلفية البرنامج النووي الذي تقوم سلطات طهران بتطويره على أساس أن هذا البرنامج يخفي بعدا عسكريا، أي خطة لامتلاك السلاح النووي وتغيير موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط وتكريس التمدد الإيراني الإقليمي وإلغاء فاعلية القوة الردعية الإسرائيلية.
كتب شارلز كراوثهامر يقول في هذا الصدد:
«إن دولة إسرائيل تواجه اليوم أعظم خطر يتهدد جهودها، فالأسلحة النووية ستكون بأيدي رجال الدين الملالي المتعصبين الذين ظلوا يؤكدون عزمهم على تدمير إسرائيل منذ شهر مايو .1967 إن العالم يريد مرة أخرى من إسرائيل ألا تفعل أي شيء لأنه بصدد البحث عن مخرج. لكن إذا لم يتوصل إلى مثل هذا المخرج الذي يتحدث عنه، مثلما حدث سنة 1967، فإن الإسرائيليين يدركون جيدا أنه سيكون عليهم مرة أخرى الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم من دون الاعتماد على أي كان».
لقد أشاد شارلز كراوثهامر بالتحالف الذي نشأ بين رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي وخصمه زعيم حزب كاديما شاؤول موفاز وراح في الوقت نفسه يسخر من رؤساء أجهزة المخابرات الاسرائيلية الذين راحوا يحذرون أكثر من مرة من مغبة تعجل الحرب مع إيران.
كتب كراوثهامر:
«لقد أفرطت وسائل الإعلام في الحديث عن وجود مقاومة داخلية كبيرة للسياسة المتشددة التي يتبناها بنيامين نتنياهو ضد إيران. لقد أبرزت وسائل الإعلام تصريحات اثنين من كبار قادة أجهزة المخابرات الإسرائيلية غير أنه فات هذه الوسائل الإعلامية أن بنيامين نتنياهو قد عزل أحدهما فيما كان على خلاف كبير في وجهات النظر مع الثاني. إن هذا الائتلاف الجديد الذي نشأ بين حكومة بنيامين نتنياهو وحزب كاديما بزعامة شاؤول موفاز يظهر بما لا يدع أي مجال للشك أن إسرائيل باتت مستعدة سياسيا للهجوم. إن الاستعداد العسكري الإسرائيلي لا يرتقي إليه أي شك، أما أولئك الذين ينصحون إسرائيل بالتريث أو الخضوع والتسليم بالأمر الواقع أو بالتحلي بالصبر إلى ما لا نهاية فإنه لا يمكنهم اليوم تجاهل قوة تصميم إسرائيل على الدفاع عن نفسها بنفسها».
بعد أن قرأت ما كتبه الصحفي شارلز كراوثهامر في جريدة الواشنطون بوست بتاريخ 10 مايو 2012 قررت أن أخصص نصف ساعة من وقتي وأكتب رسالة موجهة لرئيس التحرير، غير أن الصحيفة لم تنشرها وفقدت كل أمل في رؤيتها على صفحات الجريدة وبقيت أنتظر سبعة أيام كاملة حتى فقدت كل أمل. لذلك فقد ارتأيت أن أنشرها هنا حتى يطلع عليها القراء:
إلى رئيس تحرير الواشنطون بوست، 13 مايو .2012
لقد اعتبر شارلز كراوثهامر ؟ في عموده الصادر في صحيفتكم بتاريخ 10 مايو وتحت عنوان: - «أصداء يونيو 1967: اسرائيل تتوحد»، أن «شهر مايو 1967 كان يعتبر أكثر شهر مرعب لإسرائيل» ويقارنه بالواقع القائم اليوم، معتبرا أن إيران تمثل أكبر خطر يتهدد وجود الدولة العبرية اليوم.
إن الأمر ليس بالضرورة على هذه الحالة كما أن مثل هذه المقارنة لا تستقيم كما يشوبها الكثير من المغالطات.
* الكاتب: عمل محللا استراتيجيا في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية : السي آي إيه.