الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٣ - الأحد ٢٧ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٦ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


موسكو وباكو ومفاوضات حول مصير محطة الرادار الاستراتيجية





موسكو ـ من: «أورينت برس»

تنكب كل من روسيا وأذربيجان في الآونة الحالية على التفاوض على شروط عقد الإيجار المستمر لمحطة رادار جابالا الأذربيجانية. قد لا تكون المحطة ذات قيمة عسكرية كبيرة لروسيا، لكنها بلا شك تحفظ لموسكو وجودا ماديا في باكو. جراء ذلك، تدفع اذربيجان باتجاه رفع قيمة الايجار مستغلة الحاجة الروسية إلى المحطة، وهي تتخذ من «التعاون الدفاعي» ذريعة لتبرير مطالبها الجديدة.

في هذه الاثناء، تحاول موسكو ثني باكو عن رفع بدل ايجار المحطة، لكنها تدرك انها ليست في الموقع المفاوض الأفضل وان أوراق الضغط التي بيدها قليلة.

«أورينت برس» أعدت التقرير التالي:

يتردد اليوم انباء عن حصول بعض التقدم في المحادثات الجارية بين باكو وموسكو لتسوية نزاعهما بشأن عقد إيجار محطة رادار من المقرر ان ينتهي في ٢٤ ديسمبر القادم. وفقا لتقارير الصحف الروسية، فإن أذربيجان ترغب في رفع قسمة الايجار السنوية من ٧ ملايين دولار إلى ٣٠٠ مليون دولار دفعة واحدة، في حين ان مصادر في وزارة الدفاع الروسية اكدت ان على اذربيجان خفض السعر المطلوب أو ان روسيا سوف تتخلى عن هذه الصفقة.

يذكر ان محطة رادار جابالا ليست ذات قيمة عسكرية خاصة بالنسبة إلى موسكو، لكنها بمثابة موطئ قدم لروسيا ولاستخباراتها في أذربيجان. في الوقت نفسه، تستغل باكو الهواجس الروسية وتطالب بأموال اكثر لقاء تأجير محطتها.

وتأتي هذه المحادثات في وقت تسعى فيه روسيا بقيادة فلاديمير بوتين إلى تعزيز مكانتها في محيطها، وهي ترغب في الحفاظ على أو تعزيز مواقعها في القواعد والمنشآت العسكرية في أراضي دول جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وذلك في إطار الجهد الذي يبذله بوتين لاعادة تأكيد مكانة روسيا عالميا.

مفاوضات عدة

جراء ذلك، انخرطت روسيا في مفاوضات عدة حول عدد من القواعد العسكرية مع مجموعة من الدول السوفيتية السابقة، مثل قرغيزستان حيث تريد روسيا بناء قاعدة عسكرية ثانية، وطاجكستان حيث تعمل روسيا على تمديد عقد الإيجار القاعدة العسكرية مدة ٤٩ عاما وأرمينيا حيث مددت روسيا عقد إيجار قاعدتها العسكرية هناك في عام .٢٠١٠

لكن الوجود العسكري الروسي ليس قويا في بعض دول الاتحاد السوفيتي السابق كما هو الحال في بلدان أخرى. فعلى سبيل المثال، يقتصر الوجود العسكري الروسي في أذربيجان على محطة رادار جابالا المستأجرة، وكانت محطة جابالا التي بنيت عام ١٩٨٥ واحدة من ثماني محطات رئيسية تابعة للاتحاد السوفيتي. لكن باكو بعدما حصلت على استقلالها استعادت محطة الرادار وعادت فأجرتها إلى موسكو في عام .٢٠٠٢ وقد أعربت روسيا عن مصلحتها في تحديث المحطة، التي يشمل نطاق عملها الهند ومنطقة الشرق الاوسط برمتها.

وبدأت المفاوضات حول تمديد عقد الإيجار في منتصف عام ٢٠١١، لكن حتى الآن لم يتم التوصل إلى اتفاق بسبب السعر. وطوال الفترة الماضية، لطالما تذمرت أذربيجان من السبعة الملايين دولار التي تدفعها روسيا سنويا على مدى السنوات العشر الماضية. وفي نوفمبر ٢٠١١، قال نائب وزير الخارجية الأذربيجاني اراز عظيموف ان قيمة الايجار الروسية الحالية غير كافية وينبغي زيادتها إلى بضع مئات من ملايين الدولارات، وكانت قد ترددت شائعات عن أن باكو ستطلب نحو ١٥٠ مليون دولار سنويا، لكن باكو فجأة طالبت بـ ٣٠٠ مليون دولار كبدل إيجار سنوي في ديسمبر .٢٠١١

موقف روسيا

على الرغم من أن محطة رادار جابالا تخدم أغراضا عسكرية روسية، فان روسيا لديها أنظمة رادار للإنذار المبكر أكثر تقدما في اماكن اخرى. على سبيل المثال، قريبا سيتم تشغيل رادار فورونيج في أرمافير في منطقة البحر الأسود وهو يمثل انجازا كبيرا لروسيا كونه اكثر تطورا بكثير من رادارات دنيبر وداريال الروسية التي تعمل في القاعدة الاذربيجانية. بالنسبة إلى روسيا، فإن دفع ايجار بقيمة ٣٠٠ مليون دولار سنويا لرادار قاعدة جابالا وتقنيتها القديمة من نوع داريال لن يكون مجديا على الاطلاق من الناحية المادية رغم ان لديه ايجابيات كثيرة من الناحية الاستراتيجية.

انه من المنطقي القول ان دفع قيمة الإيجار المرتفعة إلى باكو مهم جدا من الناحية الجغرافية السياسية؛ اذ ان محطة جابالا توفر لروسيا موطئ قدم في أذربيجان وهي البلد الوحيد الذي يعد فيه الوجود العسكري الروسي ضعيفاً بالمقارنة مع الوجود الروسي في أرمينيا المجاورة أو جورجيا. كما ان تجديد عقد ايجار جابالا يعطي روسيا وسيلة لاستخدام القاعدة في التعامل مع لاعبين آخرين، مثل الولايات المتحدة. على سبيل المثال، عرضت روسيا على الولايات المتحدة الاستخدام المشترك لمحطة جابالا مقابل التخلي عن نظام الردع الصاروخي الذي تخطط له واشنطن في اوروبا الوسطى، علما أن واشنطن رفضت الفكرة.

كذلك، تأخذ روسيا في الاعتبار احتمال أن مغادرتها محطة جابالا ستفسح المجال امام لاعبين آخرين للتدخل لملء الفراغ الموجود، على رأسهم مثلاً تركيا أو الولايات المتحدة. على الضفة الاخرى، تدرس موسكو أيضا علاقة إسرائيل الدفاعية المتنامية مع أذربيجان. من وجهة نظر روسيا، فإن العلاقات العسكرية الإسرائيلية مع منطقة القوقاز هي امتداد لنفوذ الولايات المتحدة في المنطقة التي تحتاط ضد عودة موسكو إلى مجدها السوفيتي السابق.

وبالتالي، تريد روسيا أن ترسخ وجودها هناك عبر تمديد عقد إيجار محطة رادار جابالا. وطالما ان روسيا تعمل على تعزيز مركزها في المنطقة القريبة لها فإن وجود قاعدة محدودة لها في اذربيجان يعد امرا ضروريا لا غنى عنه. جراء ذلك، تستغل أذربيجان الموقف وتطالب روسيا بأثمان باهظة كجزء من المفاوضات الجارية حول هذا المرفق.

موقف أذربيجان

الى جانب رفع قيمة الايجار السنوية بشكل خيالي، تشمل مطالب أذربيجان من روسيا زيادة عدد المواطنين الأذربيجانيين العاملين في المحطة، التي يعمل فيها اليوم نحو ١٥٠٠ شخص، معظمهم من المواطنين الروس. كما تريد باكو تعويضا عن الأضرار المادية والبيئية، وذلك لأن محطة الرادار تؤثر سلبا في البيئة بحسب المشرعين الاذريين، مما يشكل بالتالي عقبة أمام تطوير السياحة في منطقة جابالا، وهي تطلب الى روسيا تحمل المسؤولية كاملة في هذا الاطار.

على الرغم من أن محطة الرادار في جابالا تشكل مسألة اقتصادية بالنسبة لأذربيجان، فانها إلى حد معين تعد مسألة سياسية ايضاً، وقد ساهمت التطورات السياسية الأخيرة في المنطقة في توسيع لائحة مطالب أذربيجان؛ اذ ترى باكو ان كلا من قرغيزستان وطاجكستان تحصل على كمية كبيرة من الاموال من موسكو كبدل لقواعد عسكرية وجوية وغيرها، لذلك فهي تشعر بالثقة في اتباع المسار نفسه، وتطلب المزيد من المال. علاوة على ذلك، تدرك أذربيجان أن روسيا قلقة بشأن خطط الدرع الصاروخية الامريكية في أوروبا الوسطى، وبالتالي تعتقد ان موسكو بحاجة إلى رادار جابالا إلى حد كبير.

فضلا عن ذلك، يبدو ان أذربيجان مدركة لحقيقة انها لا تستطيع ايجار جابالا إلى أي دول أخرى لأن ذلك من شأنه أن يلحق الضرر بعلاقاتها مع موسكو، لذلك فإن باكو قد تكون غير مهتمة بتأجير المحطة لقوى أخرى في المنطقة، لكن قلق روسيا من العلاقة المتنامية بين وزارة الدفاع الاسرائيلية وأذربيجان يجعلها في موقف أقوى للمساومة. كما ان علاقات باكو في مجال الطاقة والامن مع القوى الإقليمية الأخرى، بما في ذلك تركيا، تعطيها دفعا للضغط على روسيا.

بينما لاتزال قيمة عقد الايجار عقبة كبيرة أمام المفاوضات البناءة بين موسكو وباكو، لا شك ان هذه المحادثات تستحق المتابعة، لأنها سوف تكون مؤشرا جيدا للعلاقات بين اذربيجان وروسيا خلال الأشهر المقبلة.































.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة