الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


الشيوعيون العربُ والثورة السورية (2-2)

تاريخ النشر : الأحد ٢٧ مايو ٢٠١٢

عبدالله خليفة



هناك عيناتٌ من مواقف لأحزابٍ شيوعية رفضت الهجمة الفاشية على الشعب السوري، وأغلبها فصائلٌ راحتْ تنشقُ عن المستنقع الطائفي الذي يصورُ نفسه تقدميا. يقول تنظيمٌ في العراق:
(إن حزبنا الشيوعي العراقي - الاتجاه الوطني الديمقراطي، يتابع بقلق وألم وأسىً ما يجري في القطر السوري، على يد ذلك النظام الجائر المستبد، من قتلٍ وتنكيلٍ والاعتقالات والتعذيب وشتى صنوف القمع وإبادة جماعيّة مما لا يمكن تصنيفه إلا كواحدة من أبشع وأشنع جرائم الحرب النكراء التي تتنافى مع كل الأعراف والقوانين المتعلقة بحقوق الإنسان المعتبرة والمقررة في كل الشرائع السماوية والإنسانية).
إن عدم قدرة حزب تقدمي مفترض على أن يكون مع ثورة شعبية كاسحة تعود لكون تلك الرؤية التقدمية أفلستْ، وصار الأعضاءُ أشباحاً وظلالاً لا تمتلا إلى التيارات الديمقراطية بصلة.
إن رأسماليات الدول الشمولية الضارية ذات التاريخ الاشتراكي المزعوم من جهةٍ ذوبتْ التقدميين وأفلستهم من النظر الطبقي الشعبي وجاءتْ نظيراتُها الطائفيةُ فنفختْ في التيارات المذهبية السياسية وحولتها لمناضلين مزيفين يخربون النضالَ الوطني في كل بلد.
وبين السحل الفكري من جهة والنفخ الدعائي من جهة تكونتْ البالونات المعارضة لثورة الشعب السوري.
في لبنان نقرأ لكاتب وجهة نظر مسايرة لتلك الجماعة العراقية السابقة العرض التي أيدت الثورة السورية بقوة، يقول:
(وفي خضمّ حركة الاحتجاجات الثورية الواسعة، المطالبة بالحرية في كلّ أنحاء سوريا، التي وُوجهت بقمع مرعب انتهى حتى الآن إلى أكثر من 1100 قتيل وعشرة آلاف معتقل، جلّهم من الكادحين والفلاحين والعمّال السوريّين، يأتي البيان الأخير للمكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني الصادر بتاريخ 20 ابريل 2011، ليمنّن الشعب السوري بأنّ من حقّه أن «يتحرّك بكلّ الوسائل السلمية والديمقراطية من أجل الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومواجهة الفساد»، لكنّه، في المقابل، يتجاهل أيّة تسمية للشهداء والقتلى في سوريا، و«يأمل أن تسارع (الحكومة السورية) إلى تنفيذ سائر الإصلاحات التي تقدّم بها الرئيس بشار الأسد، فنتبيّن موقف الحزب الموارب أكثر، عندما نرى كلاماً طويلاً عن «مواجهة سوريا للفتنة الداخلية التي تسعى اليها الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل بالتعاون مع بعض القوى العميلة والمغرقة في رجعيتها داخل سوريا وخارجها» لكنّنا لا نفهم شيئاً. أيّ «فتنة» يقصدها الحزب الشيوعي اللبناني؟)، خليل عيسى، جريدة الأخبار اللبنانية.
إن استخدام كلمة (فتنة) هو بحد ذاته فضيحة وتعبير عن عقلية دينية محافظة، لتوصيف صراع طبقي عصري، فهذه الكلمة تحيلنا لتراثنا التقليدي المتجاوَز حتى عند الدينيين المتعقلين، فبدلاً من وجود أدوات تحليل موضوعية لهذه الجماعة المدعية بانتمائها إلى الماركسية، وتقوم بالحفر في طبيعة رأسمالية الدولة السورية وتكشف عزلتها وأزمتها ولجوئها إلى أدوات قمع رهيبة تُوجز القضية في تعبير فتنة.
لكن كيف يتولد وعي طبقي منتم إلى الجماهير الشعبية في أناس تحللوا منه، وتقاربوا مع القوى المحافظة والرجعية والفاشية؟
يعودُ ذلك لوجودهم ضمن طائفتهم الشيعية في لبنان المأسورة عامة بولاية الفقيه الإيرانية وسيطرتها عليها، وعدم قبول تلك الولاية بتعدد وجهات النظر السياسية والفكرية في الطائفة، نظراً لتلك المركزية الشديدة.
كما كانت المركزية السوفيتية لا تقبل بمركزية صينية أو غيرها، و(الشيوعي) اللبناني كالشيوعي العربي عامة ذو الرؤية الشمولية الجامدة الذي تحلل من لافتات الماركسية المجردة بعد قيادتها له في صراعات حادة ضد المسيحيين والليبراليين ربما رآها من موقع الطائفة لا من موقع الطبقة العاملة، انهارت بقايا وعيه الاجتماعي الذي لم يتشكل وطنيا من خلال كل اللبنانيين، بل تقوقع في الجنوب وبين الطائفة، حتى اندثر.
فرقٌ كبيرٌ بين المحفوظات ومنهج التحليل، بين سياسات التبعية للشموليات وتطوير الديمقراطية وتصعيدها في الطوائف والجماعات والدول المختلفة، في تنمية النضال التوحيدي للشعب عبر ثورة شعبية كما في سوريا وتنميته في الشعب اللبناني لتجاوز الشموليات الطائفية المختلفة.
تقدميون وديمقراطيون سوريون انفصلوا عن الدولة وشاركوا في الحراك، فيما آخرون التصقوا بالأجهزة ودافعوا عن مشروعها الدموي بلافتات كاذبة، مثلهم مثل (اليسار) التابع للدكتاتوريتين الإيرانية والسورية في لبنان.
السبب الجوهري هو الانتهازية وليست المذاهب الإسلامية التي تُجيرُ عبر خداع لخدمة ذلك التوجه السياسي.
ما يجعل شيوعيين سابقين يدافعون عن نظام دموي بلغة سياسية هزيلة هو انتهازيتهم وخيانتهم للموقف السياسي النضالي، وهو أمر يُصّعد المشكلات ويُقوض أي تعاون بين شعبين، ويجرهما لصراعات وحروب خطرة.
ليس فقط النظام السوري المنهار هو الذي يطلق شرارته على شجرةِ الأرز اللبنانية بل العيون المعشية الانتهازية التي تلاعبتْ بالأفكار الماركسية والمذهبيات الإسلامية على جانبي الحدود لتجد نفسها الآن في مستنقع واحد مع الفاشيين القتلة في سوريا.