التحقيقات
بعد أن ضربتها الأحداث
السياحة العلاجية بالبحرين.. إلى أين؟
تاريخ النشر : الأحد ٢٧ مايو ٢٠١٢
تجد السياحة العلاجية انتشارا واسعا في الكثير من الدول، وتشجيعا كبيرا من قبل الحكومات لجذب المزيد منها إلى بلدانهم، ليصبح مردود هذا النوع من السياحة أحد مصادر الدخل القومي المهم والأساسي للنهوض بها اقتصاديا، ومملكة البحرين ليست بمنأى عن العالم إذ يحاول المسئولون جاهدين استقطاب المزيد من السياحة العلاجية وخاصة أن المملكة تسعى دائما لتنظيم برامج ترفيهية عائلية لجذب جميع أفراد العائلة مع المريض أثناء تلقيه العلاج، انطلاقا من تمتعها بانفتاح يفتقر إليه بعض الدول المجاورة مما يجعلها تستقطب السائحين من مختلف الجنسيات العربية والعالمية على مدار العام.
ومؤخرا أكد صاحب السمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء تشجيع الحكومة للقطاع الطبي الخاص ودعمه للاستثمار في المجال الصحي لما يتيحه ذلك من تنويع خيارات العلاج أمام المواطنين وبما يشكله من دعم لسياساتها في السياحة العلاجية، معربا سموه عن اعتزازه بكفاءة وقدرات الأطباء في المملكة وبالثقة والسمعة الطيبة اللتين باتت تعرف بهما الخدمات الطبية المقدمة في البحرين واللتين بدتا جليا في الأعداد المتزايدة من أبناء الدول المجاورة الذين يقصدون مملكة البحرين للعلاج، مشددا سموه على دعم الحكومة للاستفادة من الخبرات الطبية العالمية بشكل يعزز المستوى العلاجي والطبي في المملكة، وأهمية استغلال ما تتمتع به البحرين من انفتاح لتعظيم الاستثمارات في المجالات الصحية لتحقيق الأهداف المنشودة في تحسين الخدمات الصحية وإتاحة المزيد من خيارات العلاج أمام المواطن والمقيم.
ولكن هل مملكة البحرين تملك مقومات استقطاب السياحة العلاجية؟ وما هي الخطوات التي تحتاج إليها لجذب المزيد منها؟ وهل الأزمة الماضية تركت آثارها السلبية علينا مما أدى إلى تقلص إعداد المرضى المترددين على المملكة؟ هذه الأسئلة وغيرها حرصت «أخبار الخليج» على توجيهها إلى العديد من الأطباء وأصحاب المستشفيات الخاصة ورصدنا إجابتها خلال السطور التالية:
استشارية طب وجراحة العيون هيفاء المحمود تؤكد أن مملكة البحرين إحدى الدول التي تتمتع بجذب للمرضى من الدول المجاورة لتلقي العلاج لدينا، وفي هذا السياق تقول: البحرين بها مجموعة من الأطباء الأكفاء الذين استطاعوا تحقيق سمعة طيبة بين دول الجوار والدول العربية، ويتردد علينا منهم ما يشكل نسبة تتعدى 25% من إجمالي عدد المرضى و50% من نسبة الذين يخضعون للجراحات المختلفة، ومركزنا يستقطب المرضى من دولة قطر وبالدرجة الثانية من السعودية ثم الإمارات والكويت، بالإضافة إلى مرضانا من المواطنين والمقيمين من مختلف الجاليات الليبية والسورية والمصرية واليمنية.
وعن الكفاءات والمعدات الطبية المتوافرة تقول المحمود: لدينا أجهزة حديثة، وكفاءات بشرية متميزة في مجال علاج العيون، ونحن كمستشفى لم نعلن إلى الآن خارج مملكة البحرين لاستقطاب مرضى من الخارج، لاكتفائنا بمن يحضرون إلينا اعتمادا على سمعتنا، وقد عرض علي إقامة مشاريع خارج البحرين منها في الشرقية، وقطر ودبي، ولكني رفضت لقناعتي بأن الطب مهنة إنسانية ننشد من خلالها العطاء الطبي المتميز وليس الربح التجاري.
وعن الأوضاع الأمنية وارتفاع أسعار العلاج تقول استشاري طب العيون الدكتورة هيفاء المحمود: إن الأوضاع الأمنية تركت آثارها السلبية علينا مع بداية الأزمة، ولكن الآن عادت الأمور إلى أوضاعها شبه الطبيعية، أما بالنسبة إلى الأسعار فغير صحيح أن كُلفة العلاج لدينا أعلى من سواها في الدول الأخرى، ويوجد في السعودية بعض المستشفيات المعروفة أسعارها أضعاف أسعار مستشفياتنا، ويعتمد ذلك على مستوى الأجهزة وتطورها والطريقة المثلى في العلاج، ونحن لدينا أطباء استطاعوا تحقيق أسماء كبيرة في استقطاب السياحة العلاجية، وبالتالي فإن أسعارهم تعادل أسماءهم وهذا المتبع في جميع دول العالم.
الأمن
أما استشارية الأمراض الجلدية وطب الجلد التكميلي الدكتورة حنان معرفي، فتؤكد أن السياحة العلاجية تأثرت بنسبة تتراوح بين 70% و75% خلال أحداث العام الماضي، وأصبح المرضى الذين يأتون من دول مجلس التعاون قليلين، نظرا إلى أن السياحة العلاجية تحتاج إلى الأمن، وللأسف فإن الفنادق القريبة من منافذ العلاج كانت محاصرة لقربها من الدوار، والمرضى أصبحوا في منتهى الوعي ويبحثون على الانترنت لمعرفة الأحوال الأمنية في البلدان التي ينشدون زيارتها، فيكتشفون أن نقاط التفتيش مازالت موجودة فيصابون بالرعب من الحضور إلينا، علما بأن هذه النقاط تؤكد وجود الأمن، وهذا ما دعانا إلى افتتاح فرع جديد لمركزنا الطبي في «البسيتين» لتخوف المرضى من الحضور إلينا في السنابس، ولكن مع بداية 2012 بدأت الأوضاع تتحسن والناس لم تعد تصدق ما يصل إليها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والرسائل القصيرة المغرضة، وحاليا تعود الناس نقاط التفتيش واعتبروها أمانا لهم، وخاصة أن موقع البحرين الاستراتيجي ونسبة الأجهزة الحديثة الموجودة بالمملكة غير موجودة في دول أخرى، كما أن لدينا كفاءات من الأطباء المعروفين ولذلك نستقطب سياحة علاجية من دول المجلس للمرضى والاستمتاع بالسياحة الترفيهية لذويهم، وبذلك نستطيع القول إن مملكة البحرين تتمتع بقوة جذب سياحي متكاملة.
وعلى عكس الآراء السابقة تقول استشارية طب الأسنان الدكتورة سها المرباطي: إن السياحة العلاجية تعتمد على استخدام المصحات المتخصصة أو المراكز الطبية أو المستشفيات الحديثة التي تتوافر فيها تجهيزات طبية وكوادر بشرية تمتاز بالكفاءة العالية، وعلى الرغم من النشاط السياحي التي تمتاز به المملكة فإن هناك انعداما في وجود مصحات طبية مقارنة بدول عربية أخرى، وهناك نموا بطيئا للسياحة العلاجية في مملكة البحرين من وجهة نظري لنقص الكوادر الطبية ذوي الكفاءة العالية ونقص في المستشفيات المجهزة بأحدث التقنيات للعلاج.
وتكمل د. المرباطي: على سبيل المثال نرى معاناة المرضى من أبناء الوطن أو المقيمين في الحصول من المواعيد البعيدة لتلقي العلاج، فكيف لهذه المراكز أن تستوعب الأجانب أو القادمين للسياحة العلاجية، وخاصة في ظل الأوضاع التي تمر بها المملكة في الوقت الحاضر؟ أما بالنسبة إلى المستشفيات الخاصة، فللأسف هناك نقص في الكوادر الطبية ذوي الكفاءة العالية بالإضافة إلى ارتفاع أسعار العلاج بشكل مبالغ فيه، مع عدم توافر الأجهزة الحديثة، واستقطاب الكوادر الطبية ذوي خبرات وكفاءات محدودة.
شبه سياحة
وفي السياق نفسه يقول استشاري أمراض جراحة العيون ومدير عام مركز عيادات ابن رشد الطبي ومؤسس مستشفى ابن النفيس الدكتور حسن العريض: لدينا شبه سياحة علاجية، ولم نستطع بعد أن نصل إلى ما وصلت إليه دول أخرى خططت لتحقيق هدف السياحة العلاجية مثل الأردن، ومازال أمامنا الكثير لتحقيق هذه الأمنية وتنشيط هذا القطاع، فسمعة الطب في البحرين تدهورت كثيرا في السنة الأخيرة وأصيبت بنكسة، ولكن لدينا أملا كبيرا في النهوض من هذه الكبوة، وخاصة أن لدينا في البحرين الكثير من الكفاءات الطبية ذات المستويات العالمية، وبالإمكان تطوير السياحة العلاجية إذا تكاتفت الجهود الرسمية والأهلية والقطاع التجاري، وخاصة أننا نعلم جيدا أن الكثير من الأطباء البحرينيين ذوي الكفاءات العالية جدا هم في الخارج، ونستطيع أن تستقطبهم إذا توافرت الإغراءات المطلوبة والمنافسة الشريفة، ونحن بدورنا حاولنا في مستشفى ابن النفيس وابن رشد استقطاب الكثير من الكفاءات البحرينية، وأصبح لهم دور معترف به من الجميع في تقديم جميع الخدمات الطبية بمختلف التخصصات، كما قمنا بخطوة رائدة فيما يسمى السياحة العلاجية المعاكسة، أي استقطاب الكفاءات البحرينية ذات المقدرة على المستوى العالمي لتوفير فرص العمل والزيارات الطبية لمستشفيات أخرى خارج البحرين، وقد بدأنا هذا النهج، ونحن في طريقنا لتوسيع هذا الاتجاه، وبالتالي نخلق سمعة للطب البحريني خارج البلاد بمنطقة الخليج وخارجها، ومن يرد من أطبائنا الاستشاريين فرص العمل لتعزيز وتقوية إمكانات الكادر البحريني في الخارج كزيارات وليس للهجرة بصفة دائمة خارج الوطن، فهذا شيء محمود ونرحب به، وهناك مشاريع تنتظر التنفيذ لإيجاد مراكز طبية تعمل بها الكفاءات الطبية من البحرين، لتأخذ دور الريادة لتعزيز دور الطب البحريني، فنحن نحتاج إلى رفع الكفاءات في الطب العام لرفع الإنتاجية ونحتاج من المؤسسات الرسمية إلى مساندة القطاع الخاص وألا تكون منافسة له، وخاصة أن لديه إمكانيات وميزانيات كبيرة وأجهزة حديثة وكفاءات طبية، ولكن المشكلة في الكفاءة الإدارية التي تدير هذه المنظمة لتوظيف هذه الإمكانيات لإيجاد إنتاجية ترضي المريض.
ويرى استشاري الروماتيزم ورئيس وحدة هشاشة العظام بمستشفى البحرين الدولي الدكتور أميل حنا أن مملكة البحرين تستقطب السياحة العلاجية بشكل جيد وجزءا من برامجها السياحية تختص بالعلاج، والكثيرين من الدول المجاورة مثل السعودية وقطر وغيرهما من دول مجلس التعاون وإن كانوا يتلقون العلاج في بلدانهم، إلا أنهم يفضلون استشارة أطباء آخرين لمعرفة رأيهم في تشخيص أمراضهم، ونحن لدينا في المستشفى أطباء وبروفيسورات زائرون، ويأتي لدينا في قسم الروماتيزم وهشاشة العظام الطبيب البروفيسور سمير البدوي وهو أستاذ الروماتيزم بالقصر العيني وسكرتير الجمعية العالمية للروماتيزم ورئيس الجمعية العربية لهشاشة العظام سابقا، وهو يأتي إلى مملكة البحرين كل شهرين لمزاولة عمله بمستشفى البحرين الدولي منذ عشر سنوات، وبالتالي لدينا برنامج متكامل حيث يحجز المرضى من جميع أنحاء الخليج لتلقي العلاج من قبل هذا الطبيب العالمي، وهناك غيره من الأطباء والأساتذة الاستشاريين في جميع التخصصات، يأتون من ألمانيا بصفة دورية ومستمرة لرؤية مرضاهم.
وعلى صعيد آخر يقول: نحن نشكر الحكومة لأن جميع العقاقير الطبية المرتفعة السعر متوافرة في مستشفيات مملكة البحرين الحكومية، مثل العلاج البيولوجي الحديث والعقاقير الخاصة بعلاج السرطانات، وبعضها مرتفع السعر جدا، ومع ذلك يستطيع المريض الحصول عليها من المستشفيات الحكومية مجانا عن طريق التأمين الصحي.
مراكز تأهيل
وعن الطريقة المثلى لجذب السياحة العلاجية للبحرين يقول: مملكة البحرين عبارة عن عدة جزر، ونستطيع الاستفادة من الشواطئ والجو الدافئ شتاء بإنشاء مراكز للتأهيل العلاجي، وسوف تشكل جذبا لمواطني الدول الأوروبية الذين يعانون الجو البارد وخاصة في فترة الشتاء، نظرا إلى أن الأمراض الروماتيزمية تحتاج إلى جو دافئ.
ويتطرق استشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد بمستشفى الكندي التخصصي الدكتور هشام جلال عامر إلى أنواع السياحة العلاجية قائلا: السياحة العلاجية نوعان، النوع الأول يختص بعلاج السياح القادمين لزيارة البحرين أثناء وجودهم فيها سواء فترات قصيرة أو طويلة ويتم ذلك عن طريق توفير أفضل السبل العلاجية وأيضا وجود تواصل مع المراكز العلاجية المختلفة في بلدانهم، بحيث يستطيع المريض استكمال علاجه في حال عودته إلى موطنه الأصلي، والنوع الثاني يتعلق بوجود مراكز للسياحة العلاجية في البحرين وهذه المراكز وإن كانت تعتمد حاليا بشكل جزئي على السياحة، ولكن بعمل الدعاية اللازمة نستطيع جذب العديد من المرضى من البلاد المحيطة (السعودية وقطر والكويت والإمارات)، وخاصة أن البحرين تتميز بالاستقرار والانفتاح وسبل الترفيه، مما يسمح بوجود العائلة بشكل كامل أثناء علاج مرضاهم فضلا عن تنوع أشكال العلاج بالبحرين من العلاج التقليدي إلى العلاج الجراحي إلى العلاجات الشعبية (الأعشاب وخلافها)، والمهم أن تكون المراكز المسئولة عن هذه العلاجات تحت إدارة طبية سليمة حتى نحمي المرضى المسافرين أو القادمين من التعرض لبعض غير المتمرسين في الطب.
ويؤكد صاحب ومدير عيادة دار الفؤاد الدكتور أسامة فؤاد، أن السياحة العلاجية كانت جيدة قبل الأحداث الأخيرة التي ألمت بمملكة البحرين، ولكنها لم تعد ترضي الطموحات في الوقت الحالي، وأصبحت اقل من المأمول، ونستطيع استدراك ذلك أن نوضح أمام العالم مدى الاستقرار الذي ننعم به سياسيا وأمنيا، وأننا لا نعاني أي مخاطر داخلية، وخاصة أننا نمتلك مراكز طبية ومستشفيات على أعلى مستوى مثل المركز الطبي لقسطرة القلب بمستشفى قوة الدفاع والمستشفى الألماني للعظام وغيرهما، إذ يجب أن يأخذوا حقهم من الدعاية اللازمة، كما يمكننا أن نوجه إلى استقطاب السياحة العلاجية وخاصة في فترة الشتاء حيث تتمتع مملكتنا بجو رائع في هذه الفترة، مما يشكل قوى جاذبة للأجانب، أما بالنسبة إلى الأسعار فإن العلاج وإجراء العمليات الضرورية كقسطرة القلب والعظام هي تقدم بأسعار مناسبة جدا، والأسعار المرتفعة تكون فقط بالنسبة إلى العمليات التجميلية والتكميلية، وهنا يجب على القائمين عليها النظر فيها كي تتساوى مع أسعار دول الجوار.