الجريدة اليومية الأولى في البحرين


دراسات


هل يمكن للإسلاميين أن يكونوا ليبراليين؟

تاريخ النشر : الاثنين ٢٨ مايو ٢٠١٢



المؤلف:
مصطفى أكيول صحفي وكاتب تركي حائز شهادة الماجستير في التاريخ من جامعة اسطنبول، ألف العديد من الكتب منها «المسألة الكردية» و«إسلام من دون تطرف».
يكتب بانتظام أعمدة صحفية ومقالات تحليلية في عدة جرائد تركية مثل «ستار» و«حريات دايل نيوز» وانتقد فيها على حد سواء التطرف الديني والعلمانية التركية.
ألقى العديد من المحاضرات وشارك في ندوات في العديد من الجامعات ومعاهد البحوث والدراسات في الولايات المتحدة وبريطانيا حول مسائل تتعلق بالإسلام والسياسة ومختلف القضايا التركية.
لقد ظلت النقاشات المتعلقة بالسياسة الخارجية تركز ؟ على مدى أعوام ؟ في إشكالية الإسلام والديمقراطية.
لقد أصبحت هذه النقاشات الآن شيئا من الماضي، فقد أصبح الاسلاميون في تونس ومصر يسهمون في إرساء الديمقراطية ويشاركون في مسارها وهم الذين ظلوا طويلا يتهمون بمعاداة الديمقراطية، بل إن السلفيين المفرطين في تبني أفكار محافظة أصبحوا الآن نوابا في البرلمان المصري، كل ذلك بفضل صناديق الاقتراع بعد أن ظلوا حتى وقت قريب يعتبرون الانتخابات ضربا من الإلحاد.
يعتبر المؤلف أن أولئك الذين يتخوفون كثيرا من تنامي تيارات التطرف الأصولي في منطقة الشرق الأوسط لا يدركون أن وصول الاسلاميين إلى السلطة والتزامهم إلى حد كبير بقواعد اللعبة السياسية ومساهمتهم في وضع اللبنات الأولى للمسار الديمقراطي تمثل تطورات فيها قدر كبير من الإيجابية.
يعتبر المؤلف أيضا أن سياسات الإقصاء والقمع والاضطهاد التي مارستها الأنظمة الدكتاتورية العربية هي التي أفرزت البذور الأولى للتطرف الأصولي على غرار منظر تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الذي يعتبر أحد خريجي سجون التعذيب في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
يتفق الكاتب مع مؤلفين آخرين يعتبرون أن لعبة السياسة هي التي ستضع الاسلاميين على المحك أمام شعوبهم وتجعل أصواتهم أكثر اعتدالا وخاصة أن كل الأنظار ـ سواء في الداخل أو في الخارج ـ مسلطة عليهم وترقب كل حركاتهم وسكناتهم. يرى المؤلف ؟ على غرار كتاب آخرين صدر لهم العديد من المؤلفات ؟ أن تحدي الحكم هو الذي سيجعل أيضا الأحزاب الاسلامية أكثر براجماتية.
هناك عوامل أخرى تثير المخاوف. يتساءل المؤلف عما قد يحدث إذا عمدت الأحزاب الاسلامية المنتخبة إلى تشريع قوانين وفرضها من أجل الحد من الحريات الفردية وتلقى الدعم في ذلك من الشعوب؟ ألا يعتبر ذلك تكريسا لروح الديمقراطية؟
يطرح المؤلف التساؤل الكبير: ألا تتناقض الديمقراطية في هذه الحالة مع الحرية الانسانية؟ ألا تصبح الدكتاتورية هي ضمانة الحريات الفردية؟
هذا السؤال نادرا ما يطرح في الغرب حيث ينظر إلى الديمقراطية على أنها مرادف لليبرالية. يستدل المؤلف بالمحلل الأمريكي فريد زكريا الذي يعتبر في كتابه «مستقبل الحرية» الصادر سنة 2003 أن هناك «نظم ديمقراطية غير ليبرالية أيضا حيث إن سلطة الأغلبية لا تجد ما يقيدها من خلال المؤسسات الدستورية الليبرالية كما أن حقوق الحريات غير مضمونة».
يعتبر المؤلف أن هذا هو الخطر الحقيقي الذي يتهدد دول ما بعد الربيع العربي على غرار تونس ومصر، بل إنه يعتبر أن هذا الخطر نفسه يتهدد أيضا تركيا ما بعد الكمالية (نسبة إلى مصطفى كمال أتاتورك الذي يعتبر مؤسس الجمهورية التركية الحديثة والذي عمل على إرساء دولة علمانية تحاكي النموذج الغربي).
يرى الكاتب أن الإشكالية الحقيقية تتعلق بما إذا كان الاسلام يتواءم مع الليبرالية مع ما تعنيه من حريات مضمونة وحقوق مكفولة؟
في المجتمعات العربية ؟ وخاصة تلك التي عاشت تحولات الربيع العربي ؟ يطرح بعض التيارات الفكرية الليبرالية الإشكالية المتعلقة بما إذا كانت تعاليم الشريعة ذات أبعاد قانونية أم أنها تمثل أمورا أخلاقية أم هل يتمثل دور الدولة في فرض هذه التعاليم الشرعية أم أن الأمر متروك للحريات والإرادة الشخصية؟ يستدل المؤلف بالنموذج التونسي حيث إن حركة النهضة ؟ التي تعتبر امتدادا لحركة الإخوان المسلمين الأم والتي تقود الحكومة إثر فوزها في الانتخابات التي أجريت يوم 23 أكتوبر 2011 ؟ قد رضخت لضغط المجتمع الدولي وقررت عدم التنصيص على الشريعة الإسلامية في نص الدستور الجديد الذي يجرى إعداده.
يتخلص المؤلف من الحديث عن الدولة الدينية التي تحمل في طياتها خطر تقييد الحريات غير أنه يعتبر أن الدولة الموغلة في العلمانية هي أيضا تهدد الحريات الخاصة بالتيارات الإسلامية، فالدولة العلمانية المتطرفة تعتبر في نظره وجها آخر للدولة الدينية.
فالجمهورية التركية العلمانية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك في العشرينيات من القرن الماضي قد ظلت على مدى عقود كاملة تمنع التيارات الاسلامية من ممارسة شعائرها ووصلت إلى حد منع ارتداء الحجاب رغم أنه يدخل في إطار الحريات الشخصية.
رغم تلك السياسات العلمانية التي تبناها مصطفى كمال أتاتورك فإن المجتمع التركي قد حافظ على طبيعته الدينية بفضل دور العائلة والتقاليد والمجتمع ورجال الدين. لذلك ففي تركيا الحديثة، لكل إنسان حرية الاختيار ما بين المسجد أو أي مكان آخر يمارس فيه حرياته الشخصية لكن بحكم موجة التدين التي تهب على مختلف المجتمعات العربية والإسلامية فإن أغلب الناس اختار الخيار الثاني: أي المسجد خيارا شخصيا وليس بناء على إملاءات الدولة.
يعتبر المؤلف أن المسار الديمقراطي ظل يتعزز باطراد في عهد حزب العدالة والتنمية بقيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان وهي حقيقة تعترف بها حتى أعرق الدول الديمقراطية الغربية مقارنة بالأنظمة العسكرية الدكتاتورية التي كانت تحكم تركيا إلى وقت غير بعيد تكمم الأفواه باسم الحفاظ على علمانية الدولة ومدنيتها. يعتبر المؤلف أنه بالرغم من هذا الوهج الديمقراطي فإن هناك بعض المخاوف من إمكانية ظهور ما يسميه «الديمقراطية غير الليبرالية»، فهو يقول في كتابه ان تركيا لاتزال تعاني قومية متعصبة تخنق وتنبذ حقوق الأقليات، إضافة إلى النظام القضائي المثقل بالعقوبات الجزائية الذي يرمي إلى «حماية الدولة من مواطنيها بدل حماية المواطن من الدولة»، فضلا عن وجود ثقافة سياسية تكرس اللاتسامح التي تعتبر حتى اليوم أن أي انتقاد يمثل اعتداء وأن أي أفكار استفزازية لا تخلو من نيات إجرامية.
إن هذه العقبات التي تعوق إرساء الديمقراطية الليبرالية غير مرتبطة بالضرورة بالدين، بل إنها تمثل نتاج سنوات طويلة من العلمانية المتطرفة التي كرسها مصطفى كمال أتاتورك إضافة إلى السياسات الدكتاتورية التي عرفتها تركيا على مر العقود الماضية. لقد تولى حزب العدالة والتنمية السلطة منذ قرابة عقد من الزمن وقد أدخل العديد من الاصلاحات الليبرالية المهمة غير أن المؤلف يعتبر أن هذه النزعة الليبرالية التقدمية بدأت في الآونة الأخيرة تتأخر، فهو يرى أن حزب العدالة والتنمية امتص بعض سمات المؤسسة السياسية التقليدية وغير الليبرالية في أنقرة.
يرى المؤلف أن حزب العدالة والتنمية حقق الكثير من الانجازات والمكاسب الاقتصادية لتركيا غير أنه أسهم أيضا في تقوية الأغلبية الدينية المحافظة. يعتبر المؤلف أيضا أنه بات من الضروري أن تعمل النخبة الجديدة على تكريس مبدأ ليبرالية النظام السياسي بدل العمل على الالتفاف على النظام السياسي من أجل خدمة مصالح الحزب.
يطرح المؤلف في كتابه الكثير من التساؤلات عن العلاقة بين الدين والحياة العامة: هل يتعين على المدارس في الدولة المدنية الحديثة أن تكرس القيم والمبادئ الدينية؟ هل يتعين حظر بيع المشروبات الروحية (الخمور) أو على الأقل تقييدها ما قد يقوض الصناعة السياحية؟ هل يتعين على الدولة أن تعطي التعليمات للقنوات التلفزيونية الخاصة كي تكرس القيم الأخلاقية؟ يقول المؤلف انه يجب على الحكومة أن تعمل كل ما في وسعها كي تصون الحريات المدنية ومنع الأطراف التي تسعى لتوظيف سلطة الدولة من أجل فرض القيم على الآخرين لأن ذلك ينتهك سمة التنوع سواء في المجتمع التركي أو في أي مجتمعات إنسانية أخرى.
يعتبر المؤلف أنه إذا ما نجحت تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية في تكريس هذه التجربة الليبرالية وتضع دستورا يضمن مثل هذه المبادئ والقيم فانها ستعطي المثل وتشكل النموذج الذي يحتذى به للأنظمة التي أصبحت تقودها الأحزاب الاسلامية مثل مصر وتونس وغيرهما، فهذه الدول ليست في حاجة إلى ما يسميه المؤلف «الديمقراطية الإجرائية» بقدر ما هي في حاجة إلى تكريس الليبرالية على أرض الواقع. إنترناشيونال هيرالد تربيون .