دراسات
مستقبل مصر وتونس في ظل الإسلاميين
تاريخ النشر : الاثنين ٢٨ مايو ٢٠١٢
المؤلف:
جيل كيبيل :عالم سياسي مختص في القضايا المعاصرة ذات العلاقة بالإسلام والعالم العربي، كما أنه أكاديمي في كلية العلوم السياسية في باريس، وهو حائز شهادتي دكتوراه في علم الاجتماع والعلوم السياسية. له العديد من المؤلفات نذكر منها على وجه الخصوص: «من الجهاد إلى الفتنة» ؟ «جذور الاسلام الراديكالي» ؟ «الحرب من أجل عقول المسلمين: الاسلام والغرب».
أجرت مجلة لونوفيل أوبزرفاتور الحوار التالي مع المفكر والأكاديمي الفرنسي جيل كيبيل بمناسبة صدور كتابه الجديد ezierT tgniV ertauQ
وقد تطرق إلى الحديث عن الاسلاميين الذين خرجوا أكبر مستفيد من «الربيع العربي»، والذين يجدون اليوم أنفسهم في مصر وتونس أمام تحدي السلطة:
ُ هل فوجئت بالانتصارات الانتخابية البرلمانية الكبيرة التي حققها الاسلاميون في مصر وتونس؟
لم أفاجأ على الإطلاق، فالحركات الاسلامية في مختلف الدول العربية كانت دائما تمثل القوى السياسية الأفضل تنظيما. يجب أن ندرك اليوم، ان الاسلاميين الذين فازوا في مصر وتونس يختلفون كل الاختلاف عن جبهة الانقاذ الاسلامية في الجزائر التي أثارت الكثير من المخاوف قبل عشرين سنة من الآن. لقد حدثت قطيعة تاريخية مع التسعينيات من القرن الماضي.
لقد انخرط بعض الإسلاميين في الأعمال الإرهابية فيما التحق آخرون آنذاك بتنظيم القاعدة وصنعوا الحدث على طريقتهم خلال العقد الأخير من القرن العشرين.
أما الأطراف الأخرى من الإسلاميين فقد «تصالحوا» مع الديمقراطية، الأمر الذي ولد حزب العدالة والتنمية في تركيا. لقد تأثرت حركة النهضة التونسية كثيرا بالنجاحات الكبيرة التي حققها حزب العدالة والتنمية بقيادة رئيس الوزراء الحالي رجب طيب أردوجان. يجب أن نذكر أيضا أن حزب النهضة قد حظي بتعاطف كبير من الرأي العام باعتباره «حزب المسجونين السياسيين والمعذبين» وهم يشبهون إلى حد ما الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1945 الذي وصف آنذاك بأنه حزب «المعدومين رميا بالرصاص». هذا لا يعني أن العلمانيين لم يعذبوا ولم يضطهدوا سواء في مصر أو في تونس وإن بدرجة أقل.
نحن نشهد اليوم ظهور نخب جديدة في البلدين علما أن نخب العهد السابق تحاول أن تدخل معها في حوار. لا شك أن النظامين السابقين في مصر وتونس لايزالان يحتفظان بقدرة معينة على تعبئة بعض الناس الذين لايزالون على ولائهم.
لقد تولى إسلاميو النهضة في تونس السلطة وهم يدركون جيدا طبيعة التحديات الصعبة التي تنتظرهم على امتداد فترة كتابة الدستور. لا شك أن الاسلاميين سيواجهون تحديات ربما تكون أكثر صعوبة إذا ما فازوا في الانتخابات الرئاسية القادمة إذ يتعين عليهم إنعاش الاقتصاد في البلدين علما بأن هذا الهدف لا يتحقق إلا إذا توافقوا مع البرجوازيين من رجال المال والأعمال.
ُ ما هي القاعدة الانتخابية للإسلاميين في مصر وتونس؟
يتمتع الاسلاميون في تونس ومصر بقاعدة جماهيرية عريضة وقد تجلى ذلك في الانتخابات البرلمانية الأخيرة حيث إنهم فازوا بأغلبية الأصوات وخاصة في مصر. أما النهضة فقد حصدت 41% من الأصوات ولولا اعتماد نظام النسبية لفازت حركة النهضة بعدد أكبر من المقاعد. تضم القاعدة الانتخابية للإسلاميين في مصر وتونس ملايين المهمشين من الحداثة، إضافة إلى قطاعات عريضة من البرجوازية الصغيرة التي تشعر اليوم بأنها باتت مهددة بتآكل مكاسبها و«الفقر»، فتونس اليوم على سبيل المثال ليست بتونس التي كانت تتمتع بقدر من الرخاء قبل خمسة عشر عاما، فهي متخلفة عن المغرب على سبيل المثال بما لا يقل عن عشر سنوات. أما مصر فهي تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية كبيرة عدا عدم وضوح المشهد السياسي لما بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك. لا أحد يعرف على وجه الدقة إلى أين تتجه مصر. يحاول الاسلاميون في حركة النهضة أن يوسعوا قاعدتهم الانتخابية حيث إنهم تخلوا على سبيل المثال عن مبدأ التنصيص في نص الدستور الجديد على الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي ووحيد للتشريع وقد كانت تلك نقطة تكتيكية سحبوا من خلالها البساط من اليساريين والعلمانيين، فبرنامج الاسلاميين يسعى إلى توسيع المشهد الانتخابي وهم يتحدثون عن الحرية والديمقراطية والتنمية.
صحيح أن هذه الخطوة تكتيكية بارعة تربك اليساريين والعلمانيين غير أن حزب النهضة ؟ على وجه الخصوص ؟ سيواجه مشاكل أخرى حقيقية إذا ما انزلق إلى الوسط وتخلى بالتالي عن جناحه الاسلامي الراديكالي الذي قد يرتمي في أحضان السلفيين الذين يشكلون قوة كبيرة في كل من مصر وتونس. تشهد تونس ومصر في حقيقة الأمر صراعا من أجل استقطاب الحركة الإسلامية، فهناك دول عربية مشرقية، إضافة إلى تركيا، تدعم التيارات الاسلامية المعتدلة والبرجوازية. لكن هناك أيضا دولا تدعم التيارات السلفية، عدا طبعا الجمهورية الاسلامية الإيرانية التي سعت إلى الركوب على الثورات العربية زاعمة بأن الثورة الخمينية تمثل مصدر إلهام للشعوب العربية والإسلامية.
ُ هل تعتقد أن بقية الأحزاب السياسية العلمانية واليسارية تصدق «حسن نية» الاسلاميين في مصر وتونس؟
لنقل ان مواقف الأحزاب اليسارية والعلمانية من «حسن» نيات الاسلاميين في مصر وتونس متباينة غير أنه لا أحد يتخوف من قيام دولة ثيوقراطية إذ ان المجتمع المدني في كلا البلدين قوي وناشط ويتمتع بحيوية كبيرة. في تونس هناك انقسام في صلب المعسكر العلماني والليبرالي، على غرار الرئيس الحالي الدكتور محمد المنصف المرزوقي. هذا التيار العلماني يريد أن يتواصل مع الاسلاميين وهو يشاركهم اليوم في السلطة من أجل ترويضهم حتى يتشبعوا بالديمقراطية ويلتزموا بما تقتضيه من رأي ورأي آخر وتداول سلمي على السلطة وانتخابات نزيهة وشفافة.
ُ ما هي القواسم المشتركة بين التيارات الإسلامية في ليبيا وتونس ومصر؟
القاسم المشترك بين التيارات الاسلامية في ليبيا وتونس ومصر هو خروجها من جبهة حركة الاخوان المسلمين الأم التي أسسها الشيخ حسن البنا، مع وجود بعض الخصوصيات المحلية الواضحة في هذه البلدان الثلاثة، فحركة النهضة تطورت إلى حد أنها لم تعد تعتبر نفسها متفرعة عن الاخوان المسلمين. يختلف الوضع في مصر بحكم استمرار المجلس العسكري في ممارسة الحكم بعد تنحي حسني مبارك والسعي إلى تهيئة الأوضاع والحيلولة دون هيمنة الاسلاميين والسلفيين على المشهد السياسي الجديد. في تونس يمارس الاسلاميون الحكم ويواجهون تحدي السلطة بشكل يومي. في مصر أيضا يعتبر الاسلاميون أيضا من اللاعبين الأساسيين في المرحلة الانتقالية الحساسة، بما فيها من تحديات اجتماعية واقتصادية.
لا يمكن أيضا المقارنة ما بين مصر وتونس، فالتحديات التي يواجهها المصريون ذات أبعاد أخرى، فمصر تسعى الآن جاهدة إلى استعادة موقعها على الساحة الدبلوماسية في منطقة الشرق الأوسط، ذلك أن نظام مبارك قد تسبب في تهميش الدور المصري وخاصة في أواخر سنوات حكمه، الأمر الذي فسح المجال واسعا أمام كل من تركيا وإيران كي توسعا من نفوذهما من الشرق الأوسط إلى شمال افريقيا.
تبدو الأوضاع غير واضحة حتى الوقت الراهن بسبب انعدام وضوح المشهد السياسي، فالسؤال الكبير الذي يتردد في الدوائر الغربية وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل: إلى أين تتجه مصر بعد حسني مبارك؟
فإذا ما أحست الولايات المتحدة الأمريكية أن النظام الجديد في مصر أصبح معاديا لإسرائيل أكثر من الماضي فإن الكونجرس ؟ المعروف بولائه الكبير للدولة العبرية ؟ قد يقطع المعونة العسكرية عن القاهرة.
أما الوضع في ليبيا فإنه يظل غير مستقر، حيث إننا نشهد الآن صراعا وتنافسا شديدين ما بين الإخوان المسلمين من ناحية والسلفيين والقوى الأخرى من ناحية أخرى. على عكس مصر وتونس فإن ليبيا تعاني تركيبتها القبلية، كما أن الحياة السياسية تعتبر غير متطورة مقارنة بمصر وتونس. يتعين على قادة التيارات المختلفة أن يعملوا على التكيف مع السوق السياسية الجديدة في فترة ما بعد نظام العقيد معمر الليبي. حتى التيارات الاسلامية التي تريد أن تدافع عن خطها الايديولوجي الراديكالي فإنها مطالبة بتقديم التنازلات اللازمة من أجل المصلحة الوطنية. لعل ما يثير المخاوف أن ليبيا في مرحلة ما بعد نظام العقيد معمر القذافي تشهد طغيان التركيبة الجهوية والقبلية على المجتمع الليبي.