الجريدة اليومية الأولى في البحرين


رسائل

في انتظار رئيس مصر القادم

«الخطوط الحمراء الأمريكية» عصا هنا وجزرة هناك

تاريخ النشر : الاثنين ٢٨ مايو ٢٠١٢



مرحلة انتقالية في منتهى الخطورة تعيشها مصر الآن، بعد أن تعدت عدة مراحل من أجل إعادة هيكلة كيان الدولة التي بدأت بقيام الثورة وخلع الرئيس السابق مرورًا بانتخابات مجلسي الشعب والشورى منتهية بوضع دستور جديد للبلاد، وانتخاب رئيس مصر القادم، والتي باتت محور حديث للمصريين بل العالم أجمع، ومع توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع، والدعاية الانتخابية والندوات والحوار والمناظرات، فإن هناك علامات استفهام ظلت بلا أجوبة «مقنعة وشافية»، لم تجب المناظرات عن سؤال هل هناك «خطوط حمراء» أمريكية لن يستطيع أي رئيس قادم أن يقفز فوقها؟
هل لهذه «العلامات» سند من الصحة؟ هل تضع أمريكا فعلاً خطوطًا حمراء لا يمكن للرئيس القادم أن يتجاوزها؟ هذه أسئلة أثارت الجدل، لكنها بقيت من دون إجابة، رغم أن «جوقة» الرئيس القادم بدأت تدق الأبواب بعنف.
يقول مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية د. وحيد عبدالمجيد: «لابد من الاعتراف بأن علاقة مصر بأمريكا يجب ألا تتمزق، لأنها في كل الأحوال مهمة وقائمة، لذلك يجب أن يكون الاحترام والتفاهم بين البلدين أساساً لبناء واستمرار العلاقة، وإذا ساند النظام الجديد القادم الشعب المصري وحقق له جميع مطالبه، وأوجد جوا من الديمقراطية المنشودة، فهو سوف يجبر أمريكا على احترامنا».
وأضاف د. عبدالمجيد ان الولايات المتحدة تعد أهم الدول الكبرى، وأنها تفرض دائماً «خطوطاً حمراء» على الدول الضعيفة، وهو ما كان يحدث في عهد الرئيس السابق مبارك، وأن مباركا كان بحاجة إلى أمريكا لتمرير ملف التوريث وعدم فتح ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان، ما جعله يتحول لمنفذ لأوامر وتعليمات أمريكا.
ويوضح أن النظام الجديد ليس في حاجة إلى الضغوط الأمريكية لمؤازرته في ملفات مصرية، ما يعطيه فرصة لإقامة نوع من التكافؤ في التعامل مع أمريكا. وتوقع أن تكون العلاقات الأمريكية المصرية شبيهة بعلاقة أمريكا مع الدول المتقدمة التي تنطلق من لغة المصالح المشتركة، مستبعدًا إدارة النظام المصري الجديد من داخل البيت الأبيض كما كان يحدث من قبل.
ويعارض سفير مصر السابق بالمملكة العربية السعودية أحمد الغمراوي، وجهة نظر الدكتور وحيد، ويؤكد أن أجندة الولايات المتحدة وخطوطها الحمراء على مرأى ومسمع من الجميع، وأن قضية أمن إسرائيل في المنطقة تتربع على رأس قائمة أولوياتها، وأن بيان المجلس العسكري الذي أعلن احترامه وحفاظه لكل التعهدات الدولية ينم عن وجوب احترام الرئيس القادم لمصر لاتفاقية كامب ديفيد والاتفاقات المرتبطة بها.
ويؤكد السفير أحمد أن الموقف الأمريكي يأتي دائماً بضغط من اللوبي الإسرائيلي القوي جدا في الولايات المتحدة، والمؤثر في كل السياسات الأمريكية، ويدلل على ذلك بموقف الولايات المتحدة الأمريكية من بناء المستوطنات الإسرائيلية، ففي الوقت الذي كان فيه كل العرب يتوقعون اتخاذ موقف لصالح الفلسطينيين، فاجأ الرئيس أوباما الجميع باستخدام حق الفيتو ضد تجميد المستوطنات كما استخدم حق الفيتو ضد إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد.
وقال الغمراوي: إن عدم الاقتراب من البترول وتأمين تدفقه إلى أمريكا يعدان من أهم الخطوط الحمراء التي سوف تضعها أمريكا، وانها لم تتردد في دخول حرب ضد العراق لهذا السبب، ما يجبر الرئيس القادم على تأمين مروره عبر قناة السويس، وان تحريك الولايات المتحدة لأسطولها السادس تجاه المياه الإقليمية للتدخل وقت الحاجة تعبير عن هذا «الخط الأحمر».
ويوضح الغمراوي أنه حال وصول التيارات الإسلامية إلى الحكم فإن أمريكا ستسعى إلى ألا يكون الرئيس داعماً للإرهاب، وأن يكون داعماً لسياسات أمريكا في السوق الحرة والنظام الرأسمالي، وأن أمريكا باعتبارها أكبر قوة في العالم لن تتورع عن طرق كل السبل المشروعة وغير المشروعة للحفاظ على مصالحها، ولو استدعى الأمر خوض الحروب كما حدث في أفغانستان والعراق، والتهديدات الحالية لإيران.
صفحة جديدة
من جانبه أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان د. جهاد عودة أن النظام الحاكم المنتظر في مصر سيسعى إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات مع الولايات المتحدة، تقوم على التعاون والتأكيد أن مصر أصبحت قوة لا يستهان بها في المنطقة، مشيراً إلى كثرة الحديث والمطالب بـ «رفض المعونة الأمريكية» لمصر، التي تعد من أهم وسائل الضغط على مصر.
ودعا عودة أمريكا إلى التكيف مع النظام الجديد، ولأنها تدرك ماهيته جيداً، وأن تعمل على بناء علاقات تحالف مع مصر تقوم على المصالح المشتركة، وأن مصر ـ من الآن فصاعداً ـ لن تقبل «إملاءات» أمريكية، رغم أن أمن إسرائيل والإمدادات البترولية سيظلان «خطوطا حمراء».
وأفاد د. عودة أن أمريكا ستتعامل مع مصر بالتفاوض وليس بالقوة، أما بالنسبة إلى اتفاقية كامب ديفيد فيقول: إن التزامات مصر بهذه الاتفاقية لن تكون نابعة من خوف أو تنفيذاً لخطوط حمراء ولكنها ستكون مرتبطة بالمصالح.
وأضاف أن مصر يجب أن تستغل الوضع الثوري في العالم العربي للاتجاه نحو المدنية والديمقراطية والحرية، وقد قاد عبدالناصر العرب نحو القومية العربية، فإن مصر أصبحت مهيأة الآن لإقامة تحالفات عربية ودولية قائمة على المصالح المشتركة.
إلى ذلك يقول المحلل السياسي بالأهرام د. سعيد اللاوندي: إن الحديث عن خطوط حمراء أصبح غير مستساغ بعد ثورة 25 يناير 2011م، وان أجندة المصالح بين البلدين هي المسئولة عن هيكلة العلاقات المصرية الأمريكية، وان الدبلوماسية ستكون هي المتحدث الرسمي عن هذه المصالح، ولن تكون هناك صداقات دائمة أو عداوات دائمة.
وأشار اللاوندي إلى أن الديمقراطية هي التي سوف تنجب رئيس مصر القادم، الذي ـ بدوره ـ يجب أن يكون ملتصقاً بكل متطلبات الشعب ومتحدثاً باسمه، التي قد تتعارض مع المصالح الأمريكية ومن ثم فهناك احتمال الاصطدام بها.
وفيما يتعلق بوصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم يرى اللاوندي أن أمريكا «لن تمانع» في ذلك، طالما أنهم أتوا من خلال صناديق الانتخابات، واصفاً الاتصالات الحالية بين الإخوان وواشنطن بأنها تدل على ذلك، وحسب الرؤية الأمريكية فإن الإخوان المسلمين فصيل من الشعب المصري، ولا يمثلون تلك الفزاعة التي كان يرددها النظام البائد.
ترقب وحذر
يحسم المرشح إلى الرئاسة د.عبدالله الأشعل الجدل بقوله: إن الإدارة الأمريكية تنظر إلى النظام القادم في مصر بترقب وحذر شديدين، وان توجهاته كمرشح ستحدد شكل العلاقة، بيد أنه يقر بوجود «خطوط حمراء» ستحاول الإدارة الأمريكية إلزام النظام القادم بها، بيد أنها ستعمد إلى التحاور مع النظام الجديد حولها، على سبيل جس النبض.
ويضيف الأشعل أن النظام إذا أصر على تجاوز هذه الخطوط، فإن هناك إجراءات تصاعدية على المستويين السياسي والاقتصادي، إضافة إلى ملفات جديدة قد تشهرها أمريكا في وجه الرئيس القادم، ومنها قطع المعونات والمساعدات، ومحاولات تشويه الصورة وفرض العقوبات، ومحاولات حرمان مصر من أي محطات نووية لتوليد الكهرباء بزعم أنها تعمل سرا للتسلح النووي.
ويبرز الأشعل هذه الخطوط قائلاً: «الخطوط الحمراء الأمريكية تتمثل في رفضها قيام الرئيس القادم بدعم العمليات الجهادية، وهي ما تطلق عليه الإرهاب أو المنظمات الجهادية، وهنا سيكون موقف أمريكا في حالة صعود الإخوان إلى الحكم أشد قسوة، لأن هناك تأكيدات أمريكية أن الإخوان يدعمون حماسا وحزب الله، وهو ما يضر بالمصالح الإسرائيلية التي ستكون أهم الخطوط الحمراء بالنسبة إلى الولايات المتحدة تجاه النظام القادم لمصر».
ويضيف الأشعل ان الولايات المتحدة لن تسمح لمصر بقيادة الوطن العربي على طريقة قومية جمال عبدالناصر، ما يزيد من حدة العداء تجاه إسرائيل، وأنها عملت طوال العقود الماضية على تفتيت الشعوب العربية، وأن أمريكا تعتبر مصر سوقا اقتصادية كبيرة لن تسمح لها بالتخلي عن النظام الرأسمالي، بل ستقوم بدعمها مع دول الاتحاد الأوروبي.
ويضيف الأشعل: «من الواضح أن الإدارة الأمريكية تتابع عن كثب التغيرات في مصر، وتعطيها اهتماما كبيرا على غير ما هو متبع في ثورات دول عربية أخرى، لأنها تعرف أن مصر دولة كبيرة في المنطقة، وهناك احتياج أمريكي إليها في العديد من القضايا، ولذلك لن تترك الحبل على الغارب للنظام الجديد، ولكن ربما تغير من خطابها السياسي الموجه نحو مصر مستقبلا».
ويقر الأشعل بوجود أوراق ضغط أخرى بيد الأمريكان في حالة تعدي الخطوط الحمراء لا تصل إلى مرحلة التدخل العسكري أو فرض العقوبات الاقتصادية.