الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


رياضُ الترك رمزا

تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٩ مايو ٢٠١٢

عبدالله خليفة



المناضلُ رياض الترك من أهم رموز الثورة السورية، في سيرتهِ وجذورهِ وأفكارهِ المتنامية وعيا، نموذجٌ تألقَّ داخله الشعبُ وتكوّن.
وضعهُ النظامُ الدكتاتوري عقدين من السنين في زنزانة بطول مترين، وترك قيادات(يسارية) تحيا وتزدهر حياة شخصية ضيقة، وفيما هي رحلت بقي رياض الترك حيا، فالنظامُ حفظَ حياته وقدمَهُ طاقة ورمزا نضاليا داخل أقبيته ليعمل على تقويضه.
بدأ حياتهُ مقولباً ككل الشيوعيين والماركسيين والقوميين، مستورِداً لأنماط تغلغلتْ في التراب الوطني ثم صدأت.
(رياض الترك مواليد 1930 في حمص، معارض سوري بارز، وسجين سياسي سابق، وأحد أهم المطالبين بالديمقراطية وضرورة التغيير الديمقراطي في سوريا. تقلد الترك سابقا منصب امين عام الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي) منذ تأسيسه في 1973 كما يعتبر الأب الروحي لحركة المعارضة السورية منذ الثمانينيات. تعود بدايات الترك إلى أيام الدراسة فبعد انضمامه إلى الحزب الشيوعي السوري تم اعتقاله عام .1952 لاحقاً أصبح الترك أحد الكتاب في جريدة الحزب «النور» وأصبح منظر الحزب الرئيسي. سُجن مجدداً أثناء حملة الاعتقالات التي قام بها عبدالناصر ضد الشيوعيين أثناء الوحدة السورية المصرية. أُطلق سراحه عام 1961 واضطر إلى اللجوء في لبنان عام 1963 بعد تسلّم حزب البعث للسلطة في سوريا. عاد إلى سوريا بعد سيطرة الجناح اليساري من حزب البعث على مقاليد الامور عام 1966 بزعامة صلاح جديد في فترة رئاسة نورالدين الأتاسي. في عام 1972 اختلف الترك مع خالد بكداش أمين الحزب الشيوعي السوري عندما أراد هذا الأخير انضمام الحزب إلى الجبهة الوطنية التقدمية، وهو تحالفُ الأحزابِ الذي شكلهُ حافظ الأسد بعد تسلمه مقاليد الأمور. قام الترك مع بقية الأعضاء المعارضين بتشكيل الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي)، الذي بقي معارضاً لنظام البعث وخاصة بعد انخراطه في الحرب اللبنانية لدعم الأحزاب اليمينية في بداية تدخله. زادت معارضة الترك والمكتب السياسي لسياسات النظام في تعامله مع أزمة الاخوان المسلمين وأحداث حماة وحلب وجسر الشغور في بدايات الثمانينيات. منذ 28 أكتوبر 1980 إلى 30 مايو 1998 أمضى الترك حياته سجينا سياسيا في ظروف اعتقال مروعة)، موسوعة ويكيبديا.
تعطينا هذه اللمحة المكثفة عن مسيرة مضنيةٍ راحت تتشكلُ ديمقراطيا بصعوبات جمة، ما قبل افتراقه عن خالد بكداش كانت سيرتُهُ معبرةً عن مناضل من أجل التقدم والديمقراطية والتحرر الوطني من خلال شعاراتٍ عامة، وفي افتراقهِ عن خالد بكداش بدأ يجذرُ ديمقراطيتَهُ في الواقع الشعبي السوري، وينفصلُ عن الدولة الشمولية، والشعاراتُ عن الحريةِ والاشتراكية لم تخدعه، ولا نستطيع أن نجدَ تنظيراً عميقاً في مقالاته ومقابلاته، بل حسا سياسيا شعبيا ديمقراطيا.
الانفصالُ عن بكداش إدراكٌ لكون البيروقراطية الحزبية ذات لافتات زائفة، لكن ليس ثمة إدراك لكونها رأسماليات شمولية روسية وسورية معاً، لكنه إدراكٌ حدسي لم يتبلور نظريا، وشعورٌ بفسادٍ في الدولة السورية وتدهورٌ لحقوق المواطنين، فتتفجر المشاعرُ مع ضرب النظام لحماة ومجازره فيها.
الاستيقاظ هذا يتصاعد مع دخول الجيش السوري إلى لبنان وانضمامه إلى اليمين المسيحي، وهجومه على القوى الوطنية والفلسطينية.
وهنا لاتزال ثمة قراءة مغلوطة للوضع السوري، فليس الهجوم على القوى اللبنانية الوطنية فقط هو الخطأ بل الدخول في حد ذاته لدولةٍ مستقلةٍ هو الخطأ الأكبر، وهو يؤدي إلى تلوث الجيش والدولة في سوريا، وتعمق الفساد فيهما، الأمر الذي سوف ينعكس على الشعب السوري وتفاقم القمع له.
سنلاحظُ أن رياض الترك ينظرُ نظرةً غير اجتماعية دقيقة للمؤسسة العسكرية، ويراها بشكلٍ وطني مجرد من خلال الأحداث التالية وخاصة في الثورة السورية الراهنة.
لكن توجه القيادة السورية لدعم اليمين في لبنان كان مؤشرا خطرا بلا شك، لأنه عكس انتهازيتها الشديدة وجعل الجيش مجموعات من الأدوات القاتلة من دون انتماء وطني أو قومي.
لهذا كان الانفصالُ السياسيّ عن هذه المؤسسة الحاكمة ضروريا من أجل استقلال الفكرة النضالية وحريتها في الحركة والنقد.
من هنا كانت الجبهةُ الوطنيةُ التقدمية إطاراً زائفاً للتوحيد، بل هي غطاءٌ لممارسةِ دكتاتوريةٍ واسعة، وإفساد للأحزاب، ومنع تطورها الديمقراطي، لهذا نجدُ الحزبَ الشيوعي السوري يتحولُ لدمية، وترثُ أرملةُ بكداش قيادة الحزب كأن الحزب مثل الدولة غدا عزبةً خاصة.
بعد خروجه من السجن المروع كانت سوريا تنتقل من وراثة الأب لحكم الابن، فكانت مواقف رياض الترك البسيطة مذهلة وقد قادته للسجن مرة أخرى، لكنها كانت تتسمُ بالتسرع فكان لابد أن يكمن وينتظر. كانت هذه المواقف هي:
ـ كتابته لمقالة تحت عنوان «حتى لا تكون سوريا مملكة للصمت» التي تُعتبر البيان التمهيدي للثورة.
ـ انتقاده الطريقة التي تم بها تعديل الدستور السوري في 10 يونيو 2000، فغداة وفاة الرئيس الراحل حافظ الأسد تم تعديل المادة رقم 80 من الدستور، ليصبح العمر القانوني للمرشح إلى منصب رئيس الجمهورية 34 عاماً وهو عمر الرئيس بشار الأسد عند التعديل، بدلاً من 40 عاماً الذي كان الدستور ينص عليه.
ـ قوله متحدثاً عن الرئيس الراحل حافظ الأسد «مات الدكتاتور»، باتصال هاتفي مع إحدى القنوات في أغسطس من عام .2001
وبدأ رحلة أخرى مع الغياب والصمود.