الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٦ - الأربعاء ٣٠ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٩ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


اليسار الذي وقع شهادة وفاته





لهفي على يسارنا وعلى تاريخه الذي راح في الريح! لهفي على اليسار الذي ابتلع شهادة وفاته لحظة باع نفسه بالرخيص وانحاز إلى الطائفية بدلا من أن ينحاز إلى الفكر المستنير والرؤية العقلانية!

إن المتتبع للنهج الانبطاحي الذي سلكه أغلب يسارنا البحريني ليشعر بالأسف والأسى عليه وعلى تاريخه الطويل، فبعد ان كان في مقدمة القوى العقلانية والتقدمية الحداثية المنفتحة على القيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية أصبح تابعا رخيصا للأحزاب الطائفية التي تلعنه في سرها وهي تحتضنه بين ذراعيها، هذه الأحزاب الطائفية التي يتحكم فيها وفي قراراتها رجل دين مرجعيته الولي الفقيه.

في اللحظة التي عملت فيها قوى اليسار التقدمي الديمقراطي في العالم العربي على إعادة بناء نفسها وخطابها والاقتراب من الجماهير بالتخلي عن كثير من الأفكار غير القابلة للتنفيذ، وفي الوقت الذي نجحت هذه القوى في أكثر من بلد عربي في أن تثبت وجودها وهويتها كيسار تقدمي ديمقراطي، أصيب يسارنا في البحرين بنكسة غير مسبوقة، وهي نكسة الوقوع تحت عباءة الطائفية المقيتة.

ولنتحدث بصراحة ووضوح، فإذا كان اليسار بأطرافه الثلاثة: وعد والديمقراطي التقدمي والقومي قد انجر وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في ١٤ فبراير ٢٠١١ تحت شعار براق تبين فيما بعد انه مجرد غطاء إعلامي لمؤامرة سياسية انقلابية ضالعة فيها إيران وأتباعها الأيديولوجيون من حزب الله في لبنان وحزب الدعوة في العراق إلى حزب الله في البحرين ومشتقاته، إذا كانت تلك البداية قد تؤول وتفسر تحت عنوان الوقوع في الخديعة حيث استخدم اليسار بأطرافه الثلاثة للتمويهين الداخلي والخارجي وإعطاء الانقلاب طابعا وطنيا مزيفا، فإننا نجد العذر للإخوة في المنبر الديمقراطي التقدمي الذين انتبهوا ولو متأخرا إلى خطورة اللعبة التي تمارسها الأحزاب الدينية الطائفية المتطرفة وفضلوا الانسحاب من تحت مظلتها والاحتفاظ بهوية خاصة لهذا الحزب، وإنجاز مراجعة واسعة للخيارات والرؤى والممارسات الخاطئة، ولكننا في المقابل لن نجد عذرا لوعد والقومي لأنهما مع الإدراك الواضح والعلني لحجم المؤامرة والعبث الطائفي فإنهما فضلا البقاء ضمن سلسلة التبعية وبيع هوية اليسار والقومية لصالح الطائفية المقيتة، وقد كان ذلك واضحا في الممارسة والبيانات والتصريحات المنسوبة إلى رموز هذين التيارين بتبرير هذا السقوط والسياسي غير المسبوق بمواقف السلطة التي يتهمونها بتهميش اليسار وهي بريئة من ذلك.

الأخطر من ذلك أن نجد التيار القومي تحت مظلة هذا التحالف الطائفي قد ابتلع تاريخه الوحدوي بالكامل، وتبنى الموقف المعادي للموقف العروبي والخليجي ليكون متناسقا مع أطروحات الوفاق المتناسقة بدورها مع أطروحات الولي الفقيه في طهران على حساب الوطن والوطنية والعروبة والقومية.

إنه لمن المؤسف والمحزن والمبكي أن يختفي اليسار ويختفي التيار القومي والعروبي ويتحولان إلى مجرد جزء من طائفة، وإلا كيف نفسر هذه المواقف البعيدة كل البعد عن الوطنية والبعيدة كل البعد عن الهوية والمصالح العربية في ظل التهديدات الإيرانية العلنية؟ فلم يعد هنالك شيوعي وإنما شيعي، ولم يعد هنالك قومي وإنما شيعي فقط، ولم يعد هنالك ليبرالي وإنما شيعي، في ظل هذا التحالف الذي خرج عن نطاق المصلحة الوطنية، ونقول هذا متأسفين لأننا نرفض تصنيف المواقف إلى مذاهب وهم بحرينيون أولا وأخيرا ولكنهم اختاروا أن يتحرروا من يساريتهم ومن عروبتهم ومن وطنيتهم وفضلوا عليها الطائفية البغيضة.

لذلك نشعر اليوم بالأسى لأن الأزمة التي افتعلها الانقلابيون قد كان من نتائجها فقدان التيارات السياسية الوطنية طابعها الوطني وتحولها في النهاية والانحياز إلى الطائفية في المنظور الذي حدده كل من الشيخ عيسى قاسم والشيخ علي سلمان، وهذا هو الانهيار الحقيقي لليسار وللقومية، ولم يبق اليوم إلا البقية الباقية من التيار التقدمي في جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي الذي هرب بما بقي من هويته اليسارية مفضلا أن يكون يسارا رغم التحديات والصعوبات على أن يكون تابعا للنزعة الطائفية المدمرة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة