الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٦ - الأربعاء ٣٠ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٩ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

بريد القراء


الأسرة.. أسوار وأسرار





أسرتك.. أسوار تحميك وأسرار تحويك، وسكون يستوعب خوفك وأمان يهزم يأسك. أسرتك هي قوة تحارب ضعفك وأنس يجابه حزنك، وهي جذورٌ لما أنت عليه اليوم، وبذورٌ رمت نفسها في أرضك البكر لتنمو فيك، وتبقى حصادًا تجنيه لنهاية العمر، بكل معنى للخير وكل قيمة نقية وضَعَتها فيك. في اليوم الدولي للأسرة نؤكد التأثير الأصيل لتلك المنظومة الصغيرة التي تسمى الأسرة، التي تُخرج الأفراد بما هم عليه من قيم ومُثل وقدرات ومواهب. في هذا اليوم ونحن نبحث عن نماذج عليا نتوقف عندها نتأملها. نتوقف ونستزيد من قبس إنساني ونموذج مضيء لأسرتين عظيمتين، كان لهما التأثير الأبرز في عالمنا غربه وشرقه، ذلك الغرب حيث آمن عمومه بعيسى المسيح والشرق الذي دان أغلبه بشريعة محمد الإسلام. إن هاتين الأسرتين التي خرج منهما هذان العظيمان جديرتان حقا بالدراسة والبحث.

إذ إنهما ليسا كباقي الأسر، وذلك ليس فيما توافر لهما من بحبوحة العيش وملاءمة الظروف، بل على العكس من ذلك حيث شظف العيش وقساوة الظروف ومعاناة اليتم الطبيعي والظرفي، فهذه الظروف لا تساعد ظاهرًا على الدفع بأفضل الناس وأكرمهم وأقدرهم وأقواهم وأندرهم، لنتساءل عن السبب الذي يقف خلف كل ذلك، هل هي الإرادة السماوية؟ أم الحكمة الربانية؟ أم هي عوامل أخرى عضّدت كل هذا؟

إن المتتبع لسيرهما عليهما السلام والباحث في حياتهما، يعلم أنه بلا شك هناك جهد وفعل إنسانيان أحسنا الاختيار وغلبا الظروف وتحديا العقبات وتحررا من الواقع.

هنا نقف بإجلال أمام هاتين الأسرتين لنستجلي أسباب تلك العظمة وذلك الشموخ وتلك الأعماق الإنسانية التي أخرجت عظيمين كعيسى ومحمد عليهما السلام، اللذين خرجت من تحت أيديهما أمتان عظيمتان، المسيحية والإسلامية، اللتين تلهجان ذكرًا حتى اليوم بطهر تربية أنبيائهما وعلو من رباهما.

في اليوم الدولي للأسرة نعود لمنهج التربية ذاك، إذ نحن بحاجة كبيرة لدراسته وتعميمه لصلاح البشرية وخير الإنسانية، بل جعله منهاجا تتصدى لتطبيقه وتفعيله المؤسسات التعليمية والتربوية في كل العالم فضلاً عن الأفراد والأسر، لأنه أثبت بما لا يدع مجالاً للشك فيه أنه المنهاج الأسمى.

وحينما نتكلم عن منهاج التربية هذا، فإنا نتكلم عن أسس صناعة الإنسان وآليات حفز قدراته ومواهبه، وعن عملية التنقيب عن الخير في نفوس الأبناء وتسهيل تدفقه كنهر يراق يروي صاحبه كما ترتوي منه الإنسانية. وكذلك نتكلم عن ضرورة وجود القدوة في الأسرة والأهل التي يستقي منها الأبناء القيم التي سيحيون بها، فعيسى قد رأى أمه جائعة لأنها آثرت طعامها المساكين والمحتاجين فنشأ وهو ينبذ الأنانية ويحب المساكين ويبذل في سبيل الآخرين، كما سمع عن جدته وقد نذرت لله ما في بطنها، فكبر وهو يعمل من أجل الله ويحب في الله ويعطي لله.

وكذلك كان محمد حيث كان من أسرة تقري الضيف وتغيث الملهوف وتؤثر على نفسها مهما عسر الحال وقسا الظرف، وتتعاطى بالإحسان مع الجميع وإن اختلفوا معها، فكان هو كذلك ونهجه هو ذاك، وقد أتى حيث كانت قبائل العرب متناحرة وقراها متقطّعة يملؤها الخوف من بعضها فضلاً عن عدوها، فجاءها ليعيد التوازن والحكمة المفقودين، فأصبح محمد رسول المودة والتقارب والحوار والسلام. وآل عمران كذلك سلالة عرفت بالمحبة والخدمة للآخرين وإن قسا هؤلاء الآخرون وعادَوا، فكان عيسى رجل السلام والمحبة وهو من قال «أحبب عدوك».

ونحن هنا في كل ما قلناه لا نجرد هذين النبيين العظيمين من فضلهما وعصاميتهما في كل منجزاتهما، ولا نجعل منهما كذلك صنيعة مجردة لأسرتيهما، ولا نغفل أيضًا عن المعونة والتأييد الربانيين من ورائهما، ولكن ما نريده حقيقةً هو بيان الدور الأسري الذي أحاط بهما وغذّى الخير الموجود في دواخلهما وساعد على أن يخرج إبداعهما ونورهما وعطاءهما، وكذلك ما نود تأكيده عبر كل هذا هو دور الأسرة المحوري والأساسي في كل تطور وإصلاح ونهضة وازدهار شهده ويشهده عالمنا، فحين تبني وتربي أسرةٌ ما أبناءها على أسس صحيحة ومتينة فهي واقعًا ومن وجه آخر تبني العالم كذلك وتشيّده على أسس صحيحة ومتينة.

نبارك لكل أسرة على وجه الأرض يومها الدولي، ونتمنى أن ترصف لأبنائها طريقًا إلى المعالي، على خطى آل عمران وبني هاشم، وخطى كل أسرة نقشت لنفسها أثرًا بارزًا في حراكنا الإنساني والحضاري، علّنا نحظى بعظماء جدد يسهمون في رفع معاناة الإنسان، ويصلحون ويضيفون ويطورون ويجددون.

نعيمة رجب

جمعية البحرين النسائية - للتنمية الإنسانية



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة