الدبلوماسية البحرينية في الثلث الأول من عام ٢٠١٢
 تاريخ النشر : الخميس ٣١ مايو ٢٠١٢
بقلم: د.عمر الحسن
ثمة بعدان رئيسيان لا يمكن الفصل بينهما في أي نظام سياسي، وهما: البعد الداخلي بما يحمله من أهداف وتوجهات السياسات العامة للنظام القائم في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والبعد الخارجي الذي يبحث في مجمل الثوابت والركائز والأهداف التي يعمل النظام على تحقيقها في سياق علاقاته مع مجالات ودوائر التحرك الخارجية.
ووفق هذا تتوقف فعالية السياسة الخارجية لأي دولة على مدى نجاحها في الدفاع عن المصلحة الوطنية للدولة التي تشكلها مجموعة عوامل تعتبر مؤشرًا على السياسة الخارجية الفاعلة، وهي: الشعور بالهوية الوطنية، وتحديد أصدقائها وأعدائها، ومصالحها وتطلعاتها، والاختيار المنضبط للقائمين على هذه الدبلوماسية، وهي العوامل التي حرصت البحرين على الالتزام بها منذ استقلالها عبر دوائر تحركها الرئيسية الخليجية والعربية والدولية، سواء على المستوى التنظيمي المؤسسي أو على مستوى وضع وتنفيذ السياسات، وذلك من خلال شخصية وضعت أسس الدبلوماسية البحرينية، وتعتبر في مفهوم العمل الدبلوماسي مدرسة حققت للبحرين علاقات عربية ودولية وطيدة هو معلم الأجيال «الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة».
ويلاحظ هنا أن ما شهدته مملكة البحرين من أحداث مؤسفة في شهري فبراير ومارس ٢٠١١ وما بعدهما أضاف أبعادًا جديدة لتحركات السياسة الخارجية البحرينية؛ إذ أصبحت مطالبة بتوجيه جزء كبير من جهودها لتصحيح الصورة المغلوطة التي روجت لها قوى التأزيم الطائفي والقوى الخارجية التي وقفت معها، وكشف دورها.
وكان طبيعيٌّا والحال هكذا أن تتم إعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية؛ بحيث تأتي مسألة معالجة تداعيات الأحداث المشار إليها على رأس هذه الأولويات، تليها قضية خدمة المشروع التنموي الذي تأثر بالسلب نتيجة الأحداث، وذلك بالعمل على جذب رؤوس أموال واستثمارات جديدة.
ثم جاءت بعد ذلك على سلم الأولويات المشاركة في تعزيز العمل الخليجي والعربي المشترك، سواء على المستوى الجماعي متمثلاً في مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية أو على المستوى الثنائي، وكذلك أيضًا توطيد العلاقات مع دائرة دول الجوار الجغرافي والدائرة الدولية التي تشمل الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا والمنظمات الدولية.وحققت الدبلوماسية البحرينية نجاحات عام ٢٠١١، وكذلك خلال الثلث الأول من عام ٢٠١٢، باستخدام آليات دبلوماسية متنوعة ما بين تبادل الزيارات والاجتماعات والرسائل وعقد المؤتمرات والتشاور مع السفراء المعتمدين، حيث كان لجلالة الملك (٣) زيارات، ولسمو رئيس الوزراء (٤) ولسمو ولي العهد (٤)، وأيضًا كان لنائب رئيس الوزراء (٣) زيارات، فضلاً عن (٨) زيارات لوزير الخارجية.
ولأن المهام زادت على وزير الخارجية تم تعيين وزير دولة جديد للشؤون الخارجية إلى جانب الوزير الحالي.. وفيما يلي نرصد ونحلل أداء الدبلوماسية البحرينية خلال الثلث الأول من عام ٢٠١٢، عبر دوائر تحركها المختلفة:
أولاً ـ الدائرة الخليجية: وقد تحركت الدبلوماسية البحرينية في إطارها على مستويين:
١- العمل الخليجي المشترك:
ليس غريبًا بعد أن كانت فكرة إنشاء مجلس التعاون قد جاءت عام ١٩٧٩ من الأمير «عيسى بن سلمان آل خليفة»؛ حيث عرضها على العاهل السعودي «خالد بن عبدالعزيز» و«جابر الأحمد» أمير الكويت ـ طيب الله ثراهم ـ وتبلورت وظهرت إلى الوجود عام ١٩٨١، ليس غريبًا أيضًا أن يكون ابنه جلالة الملك «حمد بن عيسى» أول الداعمين والمرحبين بدعوة الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» بانتقال دول الخليج من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وذلك اقتناعًا منه بأن الوحدة الخليجية ستكون قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية وكتلة بشرية ومساحة جغرافية وهي الخيار القادر على مجابهة التحديات كافة التي تشهدها دول المجلس، وهي القناعة نفسها التي دعا بناءً عليها الملك مع بداية توليه الأمانة أمير قطر إلى الوحدة بين بلديهما.
فمعلوم أن منطقة الخليج تمتلك ثلثي الاحتياطي النفطي في العالم كما أنها الرابعة عالميٌّا في احتياطيات الغاز، إضافة لموقعها الجغرافي الاستراتيجي، مما يعني أن الاتحاد الخليجي سيتحول إلى قوة تعزز مكانتها الإقليمية والدولية وتصبح رقمًا سياسيٌّا واقتصاديٌّا يحسب له ألف حساب.
ولعل في موقف دول مجلس التعاون الخليجي مما شهدته البحرين خلال أحداث شهري فبراير ومارس ٢٠١١ وما بعدهما، دليلا على صحة التوجه نحو التحول من صيغة التعاون إلى التوحد؛ حيث وقفت دول المجلس إلى جانب البحرين على مدار فصول أزمتها، تمامًا كوقفتها في حرب تحرير الكويت عام ١٩٩١، وساعدتها عمليٌّا من خلال قوات درع الجزيرة، وأيدت إجراءاتها التي اتخذتها للتعامل مع الأزمة، فضًلا عن تحرك جماعي لمندوبيها في الأمم المتحدة، ودعمها بمليار دولار سنويٌّا مدة ١٠ سنوات.
وكان هناك تنسيق أيضًا بين دول المجلس مع أطراف إقليمية مثل تركيا في إطار الحوار الاستراتيجي؛ حيث تم عقد الاجتماع الوزاري الرابع لهذا الحوار باسطنبول يوم ٢٩/١ بمشاركة وزير الخارجية البحريني الذي أكد أن التعاون مع تركيا يعتبر ركيزة مهمة للأمن والاقتصاد في المنطقة، وأن هناك حاجة لتعميق وتوسيع آفاقه ليشمل قضايا استراتيجية وسياسية، وفي المقابل أشادت تركيا بخطوات الملك الإصلاحية، وبالإجراءات التي اتخذها للحفاظ على أمن المملكة واستقرار٢- المستوى الثنائي:
شمل نشاط الدبلوماسية البحرينية دول المجلس كافة تقريبًا، وكان في مقدمتها المملكة العربية السعودية؛ حيث كانت العلاقات بينهما الأكثر تنسيقًا؛ فالقيادتان كانتا حريصتين على التواصل سواء من خلال الرسائل أو الزيارات؛ حيث جرى تبادل (٤) رسائل بين العاهل ونظيره السعودي، كما كانت هناك زيارتان للملك للرياض، فضلاً عن زيارة لنائب رئيس الوزراء الشيخ محمد بن مبارك، علاوة على التواصل بين وزيري خارجية البلدين من خلال اللقاءات المباشرة وتبادل الرسائل، إضافة إلى النشاط على مستوى سفارتي البلدين.
وأيضًا شهدت الفترة نفسها تحركات متبادلة بين البحرين ودولة الإمارات منها زيارة سمو رئيس الوزراء لإمارة الشارقة وزيارة سمو ولي العهد لإمارة أبوظبي، وفي المقابل زار المملكة حاكم دبي، فضًلا عن زيارات لمسؤولين تنفيذيين.. وبهذه المناسبة لابد من الإشارة إلى تصريحات وزير الخارجية البحريني بأن المملكة تقف مع الإمارات في كل مساعيها من أجل حل قضية الجزر بالطرائق الرسمية إما عن طريق الحوار وإما التحكيم الدولي.
من ناحية أخرى، ترتبط البحرين بعلاقات اقتصادية كبيرة مع الكويت إلى جانب التعاون والتشاور حيث تحرص قيادات البلدين على تعزيزها، وهو أمر تعكسه زيارة رئيس الوزراء السنوية لها الذي يحرص دائمًا على القيام بها منذ سنين، كما أن هناك تواصلاً مع قطر من خلال الزيارات والرسائل المتبادلة بين القيادتين وكبار المسؤولين في البلدين.
ثانيًا ـ الدائرة العربية: وقد تحركت الدبلوماسية البحرينية أيضًا في إطارها على مستويين:
١ العمل العربي المشترك:
زار الأمين العام للجامعة العربية المملكة في منتصف شهر يناير، ليبحث مع وزير الخارجية جدول أعمال القمة العربية المزمع عقدها في العراق، والاطلاع على الإجراءات التي اتخذتها للتعامل مع الأحداث التي تشهدها، والتي وصفها بأنها غير مسبوقة وشجاعة، كما وصف مبادرة جلالة الملك لإنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان بأنها تعكس تقدمًا سياسيٌّا وقانونيٌّا في البحرين.
كما شاركت المملكة في كل اجتماعات الجامعة سواء على مستوى الوزراء أو على مستوى المندوبين؛ حيث شاركت في الدورة الـ٢٧ لمجلس وزراء العدل العرب، كما شاركت في الدورة الـ١٣٧ لاجتماع مجلس الجامعة على مستوى المندوبين، فضلاً عن مشاركة وزير الخارجية في اجتماعات الدورة الـ١٣٧ لمجلس الجامعة التي أعقبتها مشاركته في الجلسة التشاورية لوزراء الخارجية العرب مع وزير الخارجية الروسي.
ولقد كان واضحًا أيضًا حرص المملكة على الالتزام بالموقف العربي تجاه الأزمة السورية، وذلك من خلال مشاركة وزير خارجيتها في اجتماع المجلس الوزاري للجامعة لمناقشة تقرير بعثة مراقبي الجامعة في سوريا.. وأيضًا بمشاركة مندوبها في اجتماع مجلس الجامعة لبحث مستجدات الوضع بهذا البلد، فضلاً عن مشاركة وزير الخارجية في المؤتمرين الدوليين لأصدقاء الشعب السوري في تونس واسطنبول.
وفي هذا السياق تعد القمة العربية التي استضافها العراق يومي ٢٩ و٣٠/٣ أهم حدث عربي شهدته الأشهر الأربعة الأولى من عام ٢٠١٢؛ إذ سبق عقدها الكثير من الجدل حول انعقادها في بغداد من عدمه لأسباب عدة منها: الانفلات الأمني وانتشار العمليات الإرهابية والخلافات بين القوى السياسية السنية والشيعية، غير أن الأمر الذي كان أكثر إثارة للجدل هو موقف وسياسات العراق تجاه بعض الدول العربية والخليجية وخصوصًا البحرين، نتيجة تصريحات مستفزة وغير لائقة صدرت عن مسؤولين عراقيين من بينهم «مقتدى الصدر» و«المالكي» نفسه و«أحمد الجلبي»، اعتبرتها البحرين تدخلاً في شؤونها، بل أعلن وزير خارجيتها أن بلاده لن تشارك في القمة، وهو القرار الذي دعمه نواب بحرينيون وكتاب ورؤساء جمعيات سياسية وشخصيات عامة عديدة بحرينية وخليجية.
عندها سارع العراق لمعالجة الأزمة مع البحرين خشية تضامن دول خليجية معها وتأثير ذلك سلبًا في عقد القمة في بغداد، وهو ما قابله وزير الخارجية البحريني الذي أدار الأزمة مع العراق بنجاح، بالتأكيد أن المملكة تجاوزت الموقف مع العراق، مؤكدًا عمل البحرين دائمًا من أجل توطيد علاقات إيجابية مع شقيقاتها من الدول العربية، بحيث تكون مبنية على المصالح المشتركة واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.٢ ؟ المستوى الثنائي:
توازى مع ما سبق إقامة علاقات ثنائية مع الدول العربية لتوضيح حقيقة أزمة البحرين ولتعظيم المصالح المشتركة وتنسيق المواقف حيال القضايا المختلفة، وهو ما تجسد في آلية تبادل الزيارات والاجتماعات المشتركة؛ وكذلك نشاط السفارات البحرينية في الدول العربية؛ حيث استقبلت المنامة كلا من: رئيس وزراء اليمن «محمد سالم باسندوه»، و«إسماعيل هنية» رئيس وزراء حكومة غزة، والأمير «الحسن بن طلال»، ونائب رئيس مجلس الأعيان الأردني «عبدالرؤوف الروابدة»، ورئيس المجلس الوطني السوداني «أحمد إبراهيم الطاهر»، ومستشار ملك المغرب، ووزير الخارجية العراقي.
وفي مقابل ذلك زار سمو ولي العهد الأردن، وأشاد رئيس مجلس الشعب المصري على هامش المؤتمر الـ ١٨ للاتحاد البرلماني العربي في الكويت بحكمة الملك المفدى وبإصلاحاته وبسرعة التعامل المسؤول مع الأزمة، مما أفشل المؤامرة التي كانت مرسومة.
ثالثًا ـ دائرة دول الجوار الإقليمي:
تقع البحرين في بيئة إقليمية تضم العديد من القوى الإقليمية، وتتراوح علاقاتها معها ما بين متوترة وخلافية كما هي مع إيران، وعلاقات تعاونية كما هي مع تركيا.
١ـ العلاقات مع إيران:
أثارت أحداث شهري فبراير ومارس ٢٠١١ توترًا في العلاقات بين المملكة وإيران بسبب: دعمها الاحتجاجات الطائفية التي شهدتها المملكة، وتصريحات بعض مسؤولي المؤسستين السياسية والعسكرية فيها التي حملت تهديدًا مباشرًا وأحيانًا مبطنًا للبحرين بالتدخل المباشر تحت غطاءات وشعارات دينية وغيرها، وكذلك محاولتها تأليب المجتمع الدولي ضد البحرين من خلال وسائل إعلامها، ومن خلال قيامها بإرسال شكوى ضد البحرين إلى أمناء الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية وإلى الاتحاد الأوروبي، والاحتجاج غير المبرر لاستدعاء البحرين قوات درع الجزيرة لحماية منشآتها الحيوية.. كل ذلك اعتبر محاولات لتأجيج الأوضاع في المملكة ولزعزعة استقرارها والتدخل في شؤونها.
وما زالت إيران مستمرة في سياسة التدخل هذه، مما أصاب العلاقة بين البلدين بما يشبه القطيعة.. وهو ما توضحه عملية رصد العلاقات بينهما خلال الثلث الأول من عام ٢٠١٢؛ التي تجسدت في نشر ٢٠ مقالاً لعدد من الكتاب والمفكرين البحرينيين تشجب التدخل الإيراني في الشأن البحريني.
٢ـ العلاقات مع تركيا:
إن منح وزير الخارجية البحريني المواطنة الفخرية لمدينة اسطنبول في احتفال يوم ٢/٤، وتأكيد المسؤولين الأتراك أهمية الخطوات التي اتخذتها البحرين للتعامل مع أزمة شهري فبراير ومارس ٢٠١١، وأن بلادهم تدعم إجراءات وخطوات المنامة الخاصة بالحفاظ على أمنها واستقرارها، وإدانتهم العمليات الإرهابية التي تقع في المملكة.. كل ذلك يعد بمثابة دليل على عمق العلاقات بين البحرين وتركيا، ونجاح للدبلوماسية البحرينية على الساحة التركية.
فالمملكة تنظر إلى تركيا باعتبارها قوة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط ولها دور مؤثر إقليميٌّا ودوليٌّا، وتدعم القضايا العربية والخليجية، وتربطها بدول المنطقة روابط دينية وتاريخية، وتعتبر دولة واعدة اقتصاديٌّا(حجم التبادل التجاري مع المملكة وصل إلى ٥٠٠ مليون دولار عام ٢٠١١)، كما أنها إحدى القوى العسكرية المؤثرة، وبإمكانها إحداث نوع من توازن القوى في المنطقة.
ولأن الزيارات المتبادلة تعد مؤشرًا جيدًا على قوة العلاقات، فقد شهدت العلاقات بينهما تبادلاً للزيارات كانت لوزراء وكبار المستشارين والمسؤولين التنفيذيين؛ حيث وصل عددها من الجانب البحريني إلى (٣) ومثلها من الجانب التركيثالثًا ـ الدائرة الدولية:
تعد الدائرة الدولية هي الدائرة التي من خلالها تنقل الدبلوماسية البحرينية رؤاها حيال العديد من القضايا التي تحظى باهتمامها، وهي تشمل علاقات المملكة بالولايات المتحدة الأمريكية والقارة الأوروبية، وأيضًا علاقاتها بدول القارة الاسيوية، وكذا بالمنظمات والهيئات الدولية، وتحديدًا الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي.
١ـ العلاقات مع الولايات المتحدة:
علاقات البحرين مع الولايات المتحدة الأمريكية ذات طبيعة خاصة، فبحكم موقع المملكة الجغرافي في منطقة الخليج التي تمتلك أكثر من ثلثي احتياطي النفط في العالم فإنها تحظى بأهمية كبرى في الاستراتيجية الأمريكية جعلها مؤهلة لاستضافة قيادة الأسطول الخامس، والولايات المتحدة بدورها تحظى بأهمية كبيرة من جانب البحرين بالنظر لوضعها كقطب أوحد يمتلك قدرات اقتصادية وتكنولوجية هائلة وبالتالي يمكن الاستفادة من تطوير التعاون معها بما في ذلك المجالان الدفاعي والأمني.
وللأسباب السابقة كلها، فإن الأزمة التي تشهدها البحرين مثلت مصدر قلق كبير لواشنطن، وهو ما تُرجم في الثلث الأول من عام ٢٠١٢ في شكل تحركات اتسمت بالتواتر من خلال التواصل بين قيادتي البلدين من خلال الرسائل المتبادلة ومنها رسالة الرئيس أوباما إلى الملك المفدى يوم ٢٦/١، التي أشاد فيها بقبول توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، وكذلك تبادل الزيارات التي وصل عددها إلى (١٥) زيارة، منها زيارات لـ «مايكل بوزنر» مساعد وزيرة الخارجية لحقوق الإنسان في ١٠/٢، و«جيفري فيلتمان» مساعد الوزيرة لشؤون الشرق الأدنى في ١١/٢، ووفدين من لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس في ١٦/٣، و«دان بيرتون» عضو الكونجرس في ٦/٤، وذلك بهدف التشاور والتنسيق والوقوف على ما تم تنفيذه من خطوات في مواجهة الأزمة، وهناك زيارة «كرسبن ريجبي» مدير إدارة العمل الأمريكي وزيارات ثلاث أخرى لكبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين، وهم: المستشار السياسي للبحرية، وقائد القوات المركزية، ووزير البحرية، بهدف التعاون في المجال العسكري.
ولعل تصريحات السفير الأمريكي بالبحرين التي قال فيها إن البحرين حليف استراتيجي لأمريكا، وان العنف لن يحل مشكلاتها ولن يساعد عملية الإصلاح، ووصف قرار جلالة الملك بتشكيل لجنة تقصي الحقائق وتعهده بتنفيذ توصياتها بأنه قرار شجاع وغير مسبوق في المنطقة، لافتًا إلى أن تنفيذ توصيات اللجنة يسير بشكل إيجابي، كل ذلك يعبر عن موقف إيجابي للحكومة الأمريكية تجاه البحرين.
أيضًا كان هناك تشاور وتنسيق بين البلدين فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية كبحث مبادرة الشراكة للشرق الأوسط خلال زيارة مدير برنامج المبادرة، والملف السوري خلال لقاء وزيري خارجية البلدين بتونس، اللذين بحثا أيضًا - على هامش منتدى التعاون الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون وأمريكا ؟ التحالف الاستراتيجي بين البحرين وأمريكا.
٢- العلاقات مع القارة الأوروبية:
تحظى باهتمام واضح من جانب الدبلوماسية البحرينية لعدة اعتبارات، منها: الثقل الاقتصادي الكبير الذي يمثله الاتحاد الأوروبي، وارتباط المملكة بمعظم دوله باتفاقيات ومعاهدات وبروتوكولات تعاون تغطي مجالات شتى، كما أن الاتحاد الأوروبي ودوله من الناحية السياسية يعد الأكثر قربًا من القضايا والأزمات المرتبطة بالمنطقة العربية.
فعلى مستوى العلاقات مع الاتحاد الأوروبي كان للأزمة البحرينية حضورها؛ حيث لوحظ استمرار التأييد الأوروبي للخطوات التي اتخذتها المملكة لمواجهة الأزمة كاحدى ثمار نجاح الدبلوماسية البحرينية في إدارة علاقاتها مع العالم الخارجي؛ وأشاد عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي في ٢/٢ بمبادرة وبتشكيل اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق وبقبول الملك المفدى جميع توصياتها، مشيرين إلى أنه لا يمكن التقليل من شأن التأثيرات الخارجية القادمة عبر الحدود ومن الدول المجاورة للبحرين.
وعلى مستوى العلاقات الثنائية تراوحت العلاقات مع الدول الأوروبية قوة وضعفًا بحسب حجم ما يربطها بهذه الدول من مصالح ورصيد من العلاقات في المجالات المختلفة، فعلى سبيل المثال، تحظى العلاقات مع بريطانيا بالأهمية الأكبر أوروبيٌّا؛ نظرًا لما يجمع البلدين من علاقات ترجع إلى مرحلة ما قبل الاستقلال، وجاءت أبرز التحركات في هذا الشأن في صورة رسائل بين القيادات وزيارات متبادلة بين الجانبين، ولعل رسالة رئيس الوزراء البريطاني «ديفيد كاميرون» للعاهل في ٢٧/١ التي أشادت بالخطوات التي اتخذتها المملكة فيما يخص توصيات لجنة تقصي الحقائق واستعانتها بالخبرات الدولية بمجال القانون والأمن وحقوق الإنسان للمساعدة على تنفيذ التوصيات وتوقيع مذكرة تفاهم مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر كخطوة تعزز مسيرة الإصلاح.. يستدل منها على مستوى العلاقة والتفاهم بين البلدين.
أيضًا كانت الأزمة البحرينية محور رسالة موجهة من وزير الخارجية إلى نظيره البريطاني ردا على رسالة النائب البريطاني «دينس ماك شاين» في ٨/١ فنّد فيها بعض الادعاءات ونفى وجود سجناء سياسيين في المملكة، مؤكدًا أنه تم إحراز تقدم ملموس بتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق، ويجرى تنفيذ ما تبقى منها.
كما تجاوزت الدبلوماسية البحرينية أزمة احتلال سطح السفارة في لندن من قبل أشخاص بحرينيين ضالعين في أحداث فبراير ومارس ٢٠١١ وتؤويهم بريطانيا، وطلبت إلى حكومتها إعادة النظر في وجود أشخاص على أراضيها يحرضون على العنف وممارسة الإرهاب.. وهنا لا يمكن إغفال أنه كان للسفير البريطاني الحالي في المنامة دور في تعزيز العلاقة بين البلدين من خلال التشاور المستمر مع المسئوولين في المملكة، وكذلك تصريحاته التي أكد فيها يوم ١٥/١ وقوف بريطانيا مع المشروع الإصلاحي للملك.
ووسط هذا الخضم في العلاقات كان هناك تعاون في المجالين الدفاعي والأمني تجسد في زيارة وكيل وزارة الدفاع اللورد «أستور» للمملكة في ٢/.١
وكان ملاحظًا في إطار الدائرة الأوروبية أن العلاقات مع روسيا باعتبارها إحدى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وتقوم بدور مؤثر على الساحتين الأوروبية والدولية؛ جاءت في المرتبة الثانية بعد بريطانيا من حيث النشاط، وهي علاقات تناولتها زيارات متبادلة بين مسؤولي البلدين بحثت في الأزمة البحرينية والتعاون الاقتصادي والتشاور السياسي؛ حيث زار وزير الخارجية موسكو في ٧/٢، وأكد أهمية الحوار بين مختلف أطياف المجتمع البحريني ومشاركتهم فيه، مع الإشارة لوجوب مراعاة إيران لمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والامتناع عن إثارة النعرات الطائفية.
أما زيارة نائب رئيس الوزراء الروسي للمنامة فقد دعا خلالها إلى تكثيف أنشطة مجلس الأعمال البحريني ؟ الروسي وزيادة فرص الشراكة في مجال الطاقة، ولاسيما النفط والغاز، فضلاً عن إطلاق خطوط جوية مباشرة بين البلدين بما يسهم في تطوير القطاعين التجاري والسياحي.
وكان هناك أيضًا تحرك بحريني نحو جمهورية التشيك عكسته زيارة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية التشيكي «كارل شوارزنبرج»؛ حيث اتفق مع مسؤولي المملكة على تسهيل إصدار تأشيرات الدخول لمواطني البلدين، كما أكد إمكانية تعزيز التعاون الصناعي مع بلاده لما يتمتع به القطاع الصناعي التشيكي من تطور وتنوع يمكن للبحرين الاستفادة منه.. وكانت الزيارة أيضًا فرصة لانعقاد مجلس الأعمال البحريني التشيكي؛ حيث جرى بحث آفاق التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والطبية.
بدورها لم تكن إيطاليا بعيدة عن المشهد البحريني؛ حيث عبر وزير خارجيتها في رسالة لنظيره البحريني عن التضامن مع البحرين في أزمتها، وتأكيد أهمية الخطوات التي اتخذتها لمواجهة الأزمة، وإبداء الاستعداد لمساعدة البحرين.
ويتضح مما سبق أن البحرين في إطار حرصها على الحفاظ على علاقاتها التعاونية مع الجانب الأوروبي لم تدخر جهدًا في إيضاح حقيقة ما يجري على أرضها من أحداث. ٣ العلاقات مع القارة الآسيوية:
تحتل الدائرة الآسيوية أهمية في أجندة الدبلوماسية البحرينية، وذلك بحكم السعي للإفادة من التجارب التنموية الآسيوية، ودور العمالة الآسيوية بالبحرين وباقي دول الخليج، والدور السياسي الذي لعبته وتلعبه الدول الآسيوية في دعم القضايا الخليجية والعربية والإسلامية في المحافل الدولية وتعاظم دوريها السياسي والاقتصادي. وهناك ملاحظتان في هذا الشأن، وهما: ان علاقات المملكة ركزت في بعض الدول مثل: اليابان وتايلند، وان التفاعلات البحرينية - الآسيوية ركزت في تطوير ودعم التعاون السياسي والاقتصادي والاستثماري.
وقد كان الحدث الأبرز في العلاقات مع اليابان زيارة جلالة العاهل لها في الفترة من ١١-١٣/٤ التي كانت الأولى له لليابان منذ توليه الأمانة عام ١٩٩٩، وقد أسفرت عن ترسيخ التعاون في مجال التعليم وإنشاء مؤسسة علمية يابانية في البحرين، وبحث مشروع تحديث مصفاة البحرين للنفط ومضاعفة طاقتها الاستيعابية بكلفة ١,٥ مليار دولار، فضلاً عن توقيع مذكرتي تفاهم: الأولى حول المشاورات السياسية والثانية بشأن التبادلات الدفاعية.
وفي المقابل، أكد رئيس الوزراء الياباني أهمية الإصلاحات التي يقوم بها الملك، مشددًا على أن استقرار البحرين من استقرار المنطقة.
أما العلاقات مع تايلند فقد شهدت زيارة سمو رئيس الوزراء لها في ١٣/٣؛ حيث التقى نظيرته التايلندية، وبحث معها سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والسياحي والتعليمي.. وتدعيمًا للعلاقات الاقتصادية مع الدول الآسيوية أيضًا قام سمو ولي العهد بزيارة كوريا الجنوبية في ٣٠/٤؛ حيث كانت الزيارة وما تم خلالها من مباحثات مع الرئيس الكوري ورئيس وزرائه وكبار رؤساء الشركات الكورية فرصة لبحث تعزيز العلاقات في مجالات التجارة والاستثمار والصناعة.
وفي المجمل ركزت علاقات البحرين مع الدول الآسيوية بالأساس في الجانب الاقتصادي بهدف جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال إلى البحرين، وذلك من أجل استكمال المشروعات التنموية الطموح التي تأثرت بدرجة كبيرة بالأحداث التي شهدتها المملكة منذ فبراير .٢٠١١ ٤ـ العلاقات مع المنظمات الدولية:
نظرًا للدور المهم والفاعل الذي تقوم به المنظمات الدولية في دعم وتطوير التعاون بين الدول على المستوى الجماعي، حرصت البحرين على تعزيز علاقاتها بها، وأهم هذه المنظمات: منظمة التعاون الإسلامي التي أبدت تأييدها ومساندتها لإجراءات البحرين من أجل الحفاظ على أمنها واستقرارها، وهو ما تجلى في تصريحات أمينها العام يوم ٢٣/١، التي أشاد فيها بقرار الملك المفدى تشكيل لجنة قضائية دولية مستقلة لتقصي الحقائق، وإدانته يوم ١٢/٤ الإرهاب بجميع أشكاله؛ حيث أكد أن موقف المنظمة ثابت في هذه القضية.
وهناك أيضًا الأمم المتحدة التي حرصت المملكة على المشاركة في مؤتمراتها كافة والتنسيق والتشاور معها من خلال تبادل الزيارات، ومنها زيارة رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة للمنامة يوم ١٩/١، مؤكدًا دعم الأمم المتحدة للخطوات الإصلاحية التي اتخذتها المملكة، وأيضًا زارها في ٢٠/١ نائب المنسق الخاص بمؤتمر «جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل»، والمزمع عقده بفنلندا العام الجاري.
كما زارها في ٢١/٢ المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، وكذلك وفد أممي في ٢٣/١، بهدف التعريف بريادة المملكة في مجالات عديدة، أهمها المجالات التربوية والتعليمية وتكنولوجيا التعليم.. وفي إطار التعاون والتواصل مع وكالات الأمم المتحدة المتخصصة التقى المندوب الدائم للبحرين لدى كل من مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى بجنيف وفيينا في ٧/٢ نائب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «يونيدو»، حيث تطرقا إلى المشروع الذي تتبناه المملكة من أجل دعم التقنية الخضراء في المملكة ودول الجوار، وإلى الشراكة القائمة بين المملكة واليونيدو لزيادة الوعي بقضايا البيئة.
وفي الأخير، وعند النظر فيما حققته الدبلوماسية البحرينية في الثلث الأول من عام ٢٠١٢، فإنه يمكن القول إنها اتسمت بالفاعلية في مختلف دوائر العلاقات الخارجية للمملكة؛ حيث برز مدى التوافق التام والتنسيق مع دول منظومة مجلس التعاون الخليجي، كما شهدت هذه الفترة انفتاحًا لافتًا من جانب الدبلوماسية البحرينية على دوائر ومناطق جغرافية جديدة، وهو الحاصل مع روسيا واليابان والتشيك، إضافة إلى الدوائر التقليدية، الأمر الذي كان محصلته تضامن معظم دول العالم مع المملكة وتأييدها كل الإجراءات التي اتخذتها لمجابهة الأزمة.
.