أفق
أحمد شفيق طيارُ التحول الاجتماعي
تاريخ النشر : الخميس ٣١ مايو ٢٠١٢
عبدالله خليفة
عبرَ مرشحو رئاسة الجمهورية المصرية عن عدم قدرة الطبقة المتوسطة على تشكيل تيار سياسي فكري عام، وتناثرتْ أجنحتُها في كل اتجاه.
توزعها الأساسي بين قطاع عامٍ خرب وقطاع خاص مُقزم وتابع، بين بيروقراطية حكومية واسعة تغلغلتْ في شرايين المجتمع وسيطرت عليه وبين مواطنين يتطلعون لرفاهية وحرية وتقدم، بين صناعات كبيرة للمواد الخام المبيعة لا تزيد على 10% وبين صناعات صغيرة ومتوسطة تصل إلى 80%، يتطلبُ إعادة هيكلية للاقتصاد بحيث يقربها إلى نمور آسيا، حيث الصناعات الكبيرة الواسعة الانتشار والعمالة المتطورة.
القوى الشعبية المنتشرة في الاقتصاد الحرفي والوزارات الحكومية المثقلة الأعداد وفي العمل المنزلي حيث النساء بلا أجور وعالة، والاقتصاد الفلاحي لايزال يعيشُ الإقطاع وتغيبُ عنه المكننة الآلية والزراعة الواسعة الحديثة وحقوق الفلاحين، هذه كلها تحتاج إلى رئيس حداثي ديمقراطي يغيرُ كلَ هذه الخريطة الاقتصادية - الاجتماعية.
ولماذا مصر؟ لأنها تمتلك السوق الكبيرة وتحتاج هذه إلى تكسير بعض الركائز التقليدية حتى تنطلق.
كان حمدين صباحي قد لامس هذه الإشكاليات وشكّل برنامجا يقوم على التحولات الصناعية الكبيرة والحقوق الديمقراطية الواسعة للجمهور ونشر الثقافة الحديثة العلمية والعقلانية، وهو البرنامج المكتمل الذي يعني الحرية للعمال والنساء والتقدم للفلاحين والتطور للرأسمالية الوطنية.
وكان فوزه في الإسكندرية مؤشرا على دور المدينة القيادية التحديثية التي لم يسيطر عليها الريفُ المثقل بمشكلاته وهجراته الكبيرة كما هي القاهرة، لكن هذا التيار لم يكن ممتدا في كل الخريطة الوطنية.
وكان انتصارُ الريف عليه نظرا إلى أن الفئات الوسطى محافظة وفي اقتصاد زراعي متخلف، كما أن الريف متغلغل في القاهرة بقوة.
القطاعُ العام الحكومي البيروقراطي قدمَ مرشحين خرجا من قلب النظام السابق هما عمرو موسى وأحمد شفيق، ولا شك أن الحزب الوطني المسيطر السياسي السابق على النظام قد دعمهما ودعم بشكل أكبر احمد شفيق، اضافة للفئات المتوسطة التحديثية والمسيحيين وهي القوى التي لا تريدُ الاخوانَ المسلمين.
القطاعُ العامُ السابق لم يؤسسْ ديمقراطيةً تعري فسادَه وتطورَهُ من أجل أن يكون قيادة التحول الصناعي الاجتماعي، رغم أنه قام بهذه العملية منذ ثورة يوليو حتى اختنق بسبب حروب النظام والفساد الداخلي وعدم الرقابة على المال العام.
إن المرَشحَين عمرو موسى وأحمد شفيق لم يأتيا من القلب الصناعي لهذا القطاع، جاءا من الدبلوماسية والطيران الحربي، وهذا أدى إلى ضعف في برنامجيهما وعدم ملامستهما ما هو جوهري ومطلوب من الجماهير، وما عبارة (فلول) سوى تعميم مغرض.
بالتأكيد كان أنصار الحزب الوطني الذي كان السلطة ومازال ببعض الأشكال الكبيرة وراء تصعيد أحمد شفيق بقوة، لكن الجانب الأقوى هو أن جمهورا واسعا يخاف من مجهول الإخوان ونشوء دكتاتورية دينية وولاية فقيه جديدة في مصر فيكون العالمُ الإسلامي أمام كارثتين بين إيران ومصر.
فإذا أخذنا مجموع الأصوات التي أُعطيت للمرشحين التحديثيين تمثل غالبية الشعب المصري، وكما قيل فجزء منه كان عقابا على الأداء السيئ للإخوان في مجلس الشعب وضعف اهتمامهم بالمشكلات الحيوية لعيش الإنسان المصري، ولكن هناك كذلك تاريخ الحداثة المصرية والوفد والناصرية وهي ليست قوى مجردة بل هي قطاعات من أرباب العمل ومن قوى عمالية وقيادات سياسية واقتصادية عاشت في القطاع العام.
وقد رأيناها تتجسد في المرشحين حمدين صباحي وعمرو موسى وغيرهما، حتى خروج أبوالفتوح عن ولاية الفقيه المصرية أعطته تقدما لكن الآلية الحزبية الإخوانية رفضته وهزمته فعاد إليها طائعا لمغانم بدلا من أن يطور تقاربه معه التحديثيين.
أحمد شفيق لم يلامس الأجهزة الاقتصادية والأمنية المصرية وناضل طيارا واشتغل في السلك الدبلوماسي ولهذا فهو يعرف أجهزة الحكم ومكامن المشكلات فيها، ويعبر عن تطور الحداثة فيها.
أما مرشح الإخوان المسلمين فهو بدل فاقد وتبدو دكتاتورية الإخوان هنا قوية في مساره وعليه، حيث قيل انهم سيكونون فقط في المجلس التشريعي، الذي فشلوا في إعطاء صورة جيدة له، ثم انفتحت شهيتهم للاستيلاء على كامل النظام، ورشحوا مرشحا ومعه احتياط حتى لا تفلت كامل السلطة من أيديهم.
ومواجهة هذه الشمولية الدينية المحافظة تولاها في الواقع المرشحون الأربعة المنافسون لمرسي، على درجات من اعتراض بسيط لأبوالفتوح ثم انهيار إلى اعتراض عميق عند صباحي، ومحدود عند شفيق.
ومن المؤكد أن تركز السلطات كلها في يد مجموعةٍ سياسية واحدة غيرِ مجرِبة وغيرِ مختبَرةٍ ليس في صالح التنوع الديمقراطي، كما أنها تمثل جناحا ريفيا محافظا من الطبقة البرجوازية الصاعدة لحكم مصر بشكل تغيب عنه التجربة ويحتمل المآزق والانفجارات الخطرة على الشعب المصري والمنطقة، فيما جناحها الآخر نصف التحديثي المهزوم لايزال قويا، فالقضية هي إعادة تشكيل للطبقة الحاكمة وليس تجاوزها، ولابد من دور جماهيري لنقدهما وتفضيل المرشح الأقل ضررا على حراك العاملين وتوجيه التطور للمزيد من الديمقراطية والحداثة.
يتطلب التراث الديمقراطي التحديثي لمصر نقلةً جديدة أخرى، ووجود رئيس طلع من هذا التيار الوطني الطويل يتعاون مع مرشحين مهمين فشلا كحمدين صباحي وعمرو موسى والكثير من القيادات الديمقراطية والتقدمية والإسلامية والمسيحية أمر ضروري لتشكيل جبهة حداثية واسعة تقوم بتنفيذ البرنامج التحولي لاقتصاد مختلف وعيش متطور للأغلبية الشعبية وللرأسمالية الوطنية.
لا شك أن اللحظة التاريخية قد وضعت في يد الطيار مهمة تحليق كبرى في سماء مصر والعالم العربي، لكن التيارات الطفولية العربية والإسلامية عامة تفضلُ الكوارثَ والمغامرات كما فعلت في إيران وقادتها وقادت المنطقة كلها لكوارث لم نخرج منها حتى الآن، ولذلك فعدم تركز السلطة لدى المذهبيين اليمينيين المحافظين أمر في غاية الأهمية.