الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


هذا الجزئي الذي يتكلم اليوم باسم الشعب

تاريخ النشر : الخميس ٣١ مايو ٢٠١٢



سألني الصديق الكاتب كمال الذيب، ونحن نجري حوارا لا ينقطع عن الأزمة التي أوقعتنا في أتونها معارضة غير حصيفة، وسبل الخروج منها بأقل التكاليف، قال: ألا ترى أن أسوأ ما في هذه الأزمة أنه قد تم خلالها الخلط بين تيار ديني - سياسي متحزب إلى منظور ضيق داخل التيار الشيعي الكبير، هو منظور ولاية الفقيه، وبين الإخوة الشيعة العرب ككل، فأصبح الأمر كأن «الجزئي» هو «الكلي»، وكأنما الفرع هو الأصل، وهذا بات ملموسا في الخطاب المضاد بشكل صريح؟ فما هو تقديرك للأمر وأنت من داخل البيت الشيعي؟
فرددت عليه: لست من الذين يحبون تهويل الأمور وإعطاءها أكبر من حجمها الحقيقي، لأني أعتقد أن من يفعل ذلك إما أنه مريض نفسيا وإما مغرض له مآرب أخرى من ذلك التضخيم والتهويل والمبالغة، وفي الوقت ذاته لا أهون مما هو خطر ويستدعي لفت النظر إلى خطورته وأضراره؛ فمن يتجاهل أن «ولاية الفقيه» تسيّر النخب الدينية التي تؤثر بدورها في الجماهير في الشارع الشيعي البحريني، فليراجع قدرته العقلية، وقبل أن يقرر ذلك ويتفوه به عليه أن يحرق أدبيات «المرجعية» و«المعارضة» إن استطاع، وعليه أيضا أن يمحو ممارساتهما التي لا يمكن فهمها إلا أنها تريد تحزيب الشيعة في البحرين وجعلهم يأتمرون بأمر رجل واحد أو حزب واحد، مستغلة توجههم إلى المطالبة بمزيد من الإصلاحات والتطوير في كل مناحي الحياة كغيرهم من المواطنين.
ولا أشتم أحدا بهذا الكلام، ولا أحط من شأنه، فذلك ليس من طبعي ولا مما تربيت عليه، ولا حاجة لي فيه، كما لا يشرفني أن أنتمي إلى جوقة الذين يفسرون كل شيء على أنه «ولاية فقيه» وهم كثيرون في هذه البلاد، وإنما أقرر واقعا، ولا أدعي لنفسي أنني أذيع سرا أو أكشف مغطى، حين أجهر بما يسكت عنه الكثيرون خوفا أو طمعا، فعناصر «المعارضة» تعترف علنا في القناة الفضائية المفضلة لديها «قناة العالم الإيرانية» بأنها تتبنى منهج ولاية الفقيه، وتحاول إقناع الجماهير به، ويصل الأمر ببعضهم إلى القول بتبني «التبشير» به في أصقاع المعمورة، على أن هذا ليس كلامي عنهم، بل هو كلامهم عن أنفسهم، وليس لي ولا لغيري أن ننفي عنهم ما يعترفون به تصريحا أو تلميحا، ارجع إلى ما قاله أحدهم في قناة العالم في شهر ابريل الماضي 2012، (هذا الشخص الذي يقدم في القنوات الفضائية الإيرانية وغيرها على أنه ناشط سياسي بحريني في الصفوف الأولى للمعارضة)، يحدث ذلك بينما يزداد حجم «الردة» على ولاية الفقيه في إيران نفسها من قبل بعض النخب الدينية ويزداد رفض الجماهير الشيعية في كل مكان من الوطن العربي لأسباب فقهية وسياسية ولمخالفتها طبائع الأمور واحتياجات الناس إلى بناء حقيقي حديث للدولة العصرية يكون فيه للشعب رأي واضح ومحدد وليس للفقيه فيه ولاية مطلقة على الناس ومصائرهم، مهما يبلغ من الفقه علما.
قال الصديق: هذا الجزئي يتكلم اليوم باسم الشعب، ولكنه يتنكر عند المواجهة معه أنه «ولائي» بكل ما تعني هذه الولائية من فكر ومن منهج في معالجة ومقاربة القضايا الفقهية والسياسية والاجتماعية، وبكل ما يترتب عليها من نتائج عملية على الأرض وفي الممارسات السياسية تحديدا، التي لا يمكن أن تتسق مطلقا مع المبادئ الديمقراطية، ويمكنك أن ترجع إلى العديد من تلك التصريحات الواضحة التي يتنكر فيها أصحابها أنهم ينتمون إلى هذا التيار، بل يتبرأون منه مطلقا، في الوقت نفسه الذي يعملون فيه على «التبشير» بهذه الرؤية، فكيف تفسر هذه الازدواجية بين التبشير والتنكر؟
قلت له بوضوح ومن دون مواربة أو تزيين: ذلك جزء من تناقضات «المعارضة» ومرجعيتها مع أنفسهم والازدواجية في التعامل مع المجتمع، وللذين ينصحونني دوما بالرجوع إلى ما قالته «المعارضة» مؤخرا من كلام ينتمي إلى «الغزل الصريح» في محاسن المملكة العربية السعودية، وفي رفض ولاية الفقيه بشكل فاقع، والمطالبة بالدولة المدنية، والليبرالية، وبالديمقراطية، أقول لهم: عذرا فلست على استعداد لسماع المزيد من التناقضات والنفاق والهراء الذي يطلقه قادة «المعارضة» ورموزها حين يكررون في القنوات غير الإيرانية وفي الصحافة البحرينية أن لا علاقة لهم بإيران، ولا شأن لهم بشيء اسمه ولاية الفقيه، وأن السعودية لديهم هي قلب العروبة النابض، وهي الشقيقة الكبرى، وهي محور الدول الخليجية (وفي مواضع أخرى هي - وعلى لسان الرمز نفسه الذي يتغزل في الشقيقة الكبرى - محتل يجب مقاومته وإخراجه من البحرين وعدم السماح بالاتحاد معه مطلقا والتهديد باللجوء إلى ورقة الشارع).
لكن.. سلوك «المعارضة» ونهج مرجعيتها ورموزهما وارتباطاتهم لا تنفي كون هذا الشعب له مطالب حقيقية عادلة وملحة، ولا ينبغي الإبطاء من وتيرة الإصلاح والتحديث، ولابد من الاستجابة لتلك المطالب ولو بشكل تدريجي يراعي مصالح البلاد وتوازناتها وإمكانياتها، وأعتقد أن هذا ما تسير الدولة حثيثا على نهج تحقيقه من دون الحاجة إلى كل هذه الفوضى الكارثية التي كلفت وتكلف البلاد والعباد الكثير.