الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


لعبة حقوق الإنسان والمال السياسي في جنيف

تاريخ النشر : الجمعة ١ يونيو ٢٠١٢



موضوع حقوق الإنسان في البحرين هذه المرة اتخذ بعدا جديدا خلال عرضه في جنيف يتمثل في التجاذبات السياسية بين التقرير الحكومي الرسمي وتقرير مؤسسات المجتمع المدني والجديد ليس هو وجود تقريرين متقابلين، وهذا يحدث كل عام وفي كل الدول وإنما ما يسمى مؤسسات المجتمع المدني هذه المرة، قد فقدت حياديتها عن الأحزاب السياسية وتحولت إلى طرف سياسي لا حقوقي كما يجب أن تكون، ولذلك رأينا رموز المعارضة التي قادت الفوضى والعنف والتعدي على استقرار وأمن المواطنين هم أنفسهم الذين يتصدرون ما يسمى منظمات المجتمع المدني، ونجد الواحد منهم يعمل ضمن حزب سياسي معروف ونشيط داخل صفوفه ويشارك في أنشطته ومظاهراته واعتصاماته ومداخلاته في الفضائيات الإقليمية والدولية، وفي الوقت نفسه يتكلم كناشط حقوقي.
وقد أدى هذا الوضع السيىء إلى نتيجتين سيئتين:
الأولى: فقدان المصداقية في منظمات المجتمع المدني بفقدانها عنصر الحيادية باختلاط الحابل بالنابل والسياسي بالحقوقي والديني بالطائفي وهكذا، وكان ذلك نتيجة التكتيك السياسي الذي اتبعته احزاب المعارضة، وكان مكشوفا ومعلوما لدى الجميع وهو تقسيم الأدوار بين كوادرها وعناصرها فتم اخراج بعض هذه العناصر ظاهريا من صفوف الأحزاب ليشتغلوا ناشطين حقوقيين أيضا، ويكفي أن نستعرض أغلب الأسماء المصنفين كناشطين حقوقيين لنكتشف أنهم ناشطون في مثل هذه الأحزاب بل هم كوادر معلومة فيها وقد كان هذا الأمر سيئا ليس بالنسبة إليهم فقط، بل بالنسبة إلى ملف حقوق الإنسان أيضا الذي كان يجب أن يكون بمنأى عن المزايدات السياسية.
الثانية: أن هذه الجماعات التي تصنف نفسها كناشطين حقوقيين ونتيجة لارتباطاتها السياسية مع المعارضة ومع الجهات الخارجية التي تريد الشر بالبحرين قد كان عملها وكانت تقاريرها منحازة وجزئية وغير صادقة في كثير من جوانبها والدليل على ذلك أنها افتقرت إلى الحديث عن ضحايا العنف المنظم من المعارضين ومن الخارجين عن القانون وافتقرت إلى الحديث عن ضحايا العنف من رجال الأمن والمواطنين الآمنين والمقيمين الذين تعرضت بيوتهم وسياراتهم وممتلكاتهم للحرق والتخريب، وافتقرت أيضا إلى الحديث عن قطاع الطرق واستخدام المولوتوف وعن التدخل في الحياة الشخصية والأضرار التي تعرضت لها عشرات المدارس، ولذلك فإن تقارير مثل هذه غير كاملة وغير ذات مصداقية ولا يمكن أن تحظى بالاحترام والتقدير حتى إن كان فصلها الثاني صحيحا فالعبرة بمن يشتغل في المجال الحقوقي أن يكون نزيها ومحايدا يدافع عن حقوق الإنسان في كل زمان ومكان مهما كان مذهبه أو دينه أو جنسيته أو عرقه أو طائفته، ولكن ذلك لم يكن موجودا فافتقرت هذه التقارير إلى المواصفات التي تجعلها ذات مصداقية حقيقية.
وإذا كان التقرير الحكومي قد استعرض الجهود التي بذلتها الحكومة من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان وتطويرها فإنه أيضا اعترف بوجود نقائص وأخطاء وعبر عن استعداده الكامل لمعالجتها وتجاوزها وهذا شأن الحكومة التي تحترم شعبها وتعهداتها في الداخل والخارج، فلم يقل التقرير الرسمي لحكومة مملكة البحرين أن كل شيء تمام ولم ينكر وجود بعض الأخطاء وتجاوزات هي في طور المعالجة التشريعية والتنفيذية بل إنه أقر بجميع الملاحظات والتوصيات وأخذها مأخذ الجد بما في ذلك بعض التوصيات والملاحظات الواردة في تقرير مؤسسات المجتمع المدني الأعرج.
ويبقى أن نؤكد في ختام هذا التحليل أمرين نراهما ضرورين:
الأول: أن تتوقف مؤسسات المجتمع المدني عن اللعب بملف حقوق الإنسان والمتاجرة به لتحقيق مصالح شخصية لبعض الأفراد أو مصالح طائفية أو سياسية لأن النتيجة الحتمية لهذه الأفعال إلحاق الضرر بملف حقوق الإنسان في الحاضر والمستقبل.
الثاني: أن يتم مراجعة موضوع منظمات المجتمع المدني وفق تشريع جديد يضمن عدم تسلل السياسيين إلى هذه المنظمات واستغلالها كأداة أو ذراع من أذرع الحزب السياسي كما يجب أن يدقق التشريع بشكل واضح لا لبس فيه موضوع التمويل الداخلي والخارجي لهذه المنظمات بما يمنع تسلل المال السياسي إلى هذه المنظمات واستغلاله في تحقيق مآرب سياسية لا أهداف حقوقية ولذلك نتمنى على المشرعين أن يستعجلوا في استصدار قانون المنظمات الأهلية الذي يضع حدا لهذا النوع من التلاعب والخلط ويضع حدا لحكاية عبثية تتمثل في أن كل عائلة مكونة من عشرة أو 12 فردا بإمكانها إنشاء منظمة لهدر أموال الدولة التي تدعمها وتستغلها كمظلة لاستجلاب المال السياسي من الداخل والخارج هذا القانون الذي طال انتظاره نرجو ألا يكون ضعيفا وهزيلا وبه ثغرات ليتسلل منها هؤلاء الذين يعبثون بأمن الوطن واستقراره ويستغلون المظلة المدنية لتشويه أي جهد وطني أو حكومي.