قضايا و آراء
نحو النهوض بقطاعي التعليم الفني والتدريب المهني
تاريخ النشر : الجمعة ١ يونيو ٢٠١٢
يُعدلا قطاع التعليم الفني، والتدريب المهني، من القطاعات الحكومية المهمة، التي تُولي الكثير من الدول، لمثل هذه القطاعات، الكثير من الاهتمام والعناية، نظير أهميتهما على صعيد الأهمية الاستراتيجية لخلق كوادر فنية متخصصة، وأيد عاملة ماهرة وطنية، للمساهمة في النهضة الاقتصادية الوطنية، وسدِّ النقص في مثل هذه الوظائف، إلى جانب ما يشكله قطاع التدريب من أهمية كبرى، في حقل الحاجة الفعلية من التخصصات النادرة الفنية، والتي يحتاج إليها القطاع الصناعي والتجاري والمعلوماتي وغيرها من القطاعات.
لقد كان موعد مملكة البحرين مع القطاعين، متقدما جداً، حيث عرفت البحرين بدايات التعليم الفني في الثلاثينيات - على ما يبدو - إلى أن تطور هذا النوع من التعليم في الحقب السابقة، تطورا ملحوظا جداً، والتوسع في إنشاء المدارس الفنية الصناعية والتجارية، بجميع المحافظات، علاوة على تطوير مناهج التعليم الصناعي والتجاري، وإدخال منظومات تخصص جديدة، وإنشاء معهد الشيخ خليفة بن سلمان للتكنولوجيا، كأحد نماذج للمدارس الفنية المطورة، والمجهزة بأحدث تقنيات التعليم الفني.
إلا أنه مع التطور المذهل هذا، فإن أكبر ما يواجه التعليم الفني والمهني بالمملكة، هو عدم ربط التعليم، باحتياجات سوق العمل البحريني، بمعنى عدم وجود علاقة تربط بين العرض والطلب، بين التعليم وقطاعات السوق، من القطاعات الإنتاجية والخدماتية والفندقية والسياحية وغيرها.
وعلى هذا الأساس، فإنه ينبغي خلق شراكة حقيقية، بين مؤسسات قطاع التعليم الفني والتدريب المهني، ومواقع القطاع الخاص ومراكز الصناعة والإنتاج، في مختلف القطاعات الخاصة، للوقوف عن كثب على الاحتياجات الفعلية، من المهن الحرفية، والتخصصات الفنية، هذا إلى جانب المراجعة المستمرة لمنظومة التعليم الفني ومخرجاته المختلفة، وتقييم هذه المخرجات باستمرار، وصولاً إلى إزالة هذه الإشكالية، وردم هذه الفجوة العالقة بين هذه المخرجات والمتطلبات الفعلية لسوق العمل.
وكذلك فإنه من الواجب، وجود رؤية تنموية شاملة، واستراتيجية وطنية اقتصادية، تسهم في وضع برامج تحسين التعليم الفني ومخرجاته، وبرامج تدريبية مهنية عالية الجودة، وإنشاء كليات تكنولوجيا متخصصة، بغية تطوير الكوادر الوطنية، في مختلف الحقول العلمية والتكنولوجية، لنتجاوز الاعتماد الكلي على الأيدي العاملة الأجنبية، المُشغِّلة الآن لمختلف مواقع الإنتاج والمشاريع الصناعية الحديثة وفعاليات القطاع الخاص. (التعليم الفني وسوق العمل، أحمد سعيد شماخ).
ويُعد حقل التدريب المهني إحدى الركائز المهمة في أي دولة كانت، من حيث انه له الأثر الكبير في عدة سياسات من بينها الاستخدام، والتوظيف، وبرامج تنمية الموارد البشرية، وسياسات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، علاوة على ما يمثله التدريب من تأثير مباشر في تنمية المهارات الفنية، وتنمية القوى العاملة البحرينية، ودور كل من التدريب، والتعليم الفني المهني، في التقليل من نسب البطالة، المنتشرة في خريجي الثانوية العامة، والمتسربين من التعليم، ومن خريجي الجامعات والتخصصات المختلفة.
من زاوية أخرى، فإن عائد التدريب المهني، على الاقتصاد الوطني هو بلا شك ولا ريب، وسيلة مؤكدة لزيادة الدخل القومي، العائد من تنمية مستوى الصناعة، علاوة على أنه يُيسر الحصول على السلع والخدمات بالجودة المطلوبة، نتيجة للوفورات الاقتصادية التي يحققها التدريب في الانتاج والتوزيع؟ هذا إلى جانب العائد الاقتصادي الكامل، والذي بطبيعة الحال يؤدي إلى الرفاه الاجتماعي والرقي والتقدم.
الدول المتقدمة، أولت التدريب جل عنايتها، مثل (ألمانيا) التي تنظر إلى التدريب والتعليم المهني كجزء من الحياة، ووسيلة لتحسين المجتمع، ورفع مستواه، وكذلك، (المملكة المتحدة) التي أخذت على عاتقها النهوض بهذا النوع من التعليم والتدريب، بعدما أحست أنها قد تراجعت نوعاً ما، عما هي عليه، من دولة صناعية متقدمة مثل أمريكا وألمانيا واليابان. (محمد حيدر محيلان، التعليم والتدريب إلى أين؟).
ونحن في البحرين، لابد لنا من وقفة مراجعة، فإن خطط تطوير وتحسين التعليم الفني، لم تكن في مستوى الطموح، كما أن استراتيجيات التدريب، تبرز فقط للحاجة وحينما تتفاقم الأزمات، والمفترض ان هناك خططا واستراتيجيات بعيدة المدى، ومحكمة، تلبي الاحتياجات الحاضرة والمستقبلية.
من هنا لابد - قطعاً - من زيادة الاهتمام بهذين القطاعين، من كل النواحي، التخطيطية، والتنفيذية، والتعليمية، والميدانية، وإرشاد وتوجيه الطلاب في مرحلة ما قبل التخرج، إلى التعليم الفني، وحفز أولياء الأمور والأهالي على حث أبنائهم للانخراط ببرامج التعليم التقني والتدريب.
وقد يبدو لزاماً، إعادة تنظيم وهيكلة قطاعي التعليم الفني والتدريب المهني بالمملكة، لتشتت شئونهما، بين وزارات وجهات عدة، ولا يوجد جامع مركزي لهما، في حين - مثلاً- نرى قطاع التعليم الفني، يتبع إشراف وإخضاع لوزارة التربية والتعليم، في حين نرى أن قطاع تنمية القوى العاملة والتدريب، يخضع لإشراف وزارة العمل.
فالحاصل، بعثرة الجهود هنا وهناك، وغياب التنسيق المشترك، والاستراتيجيات المشتركة، قد يكون أدى بطء الجهود المبذولة في مجال الإحلال والبحرنة والتدريب، والمواءمة بين متطلبات الخريج الفني وحاجة السوق، وما إلى ذلك من صعوبات ومعوقات أزمة التعليم التقني ومستقبل التنمية المستدامة.
وعليه فإنه يمكن جمع التعليم الفني والتدريب المهني، في جهة واحدة، تحت مسمى (المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني)، وتختص بشئون التعليم المهني والفني، إدارة وتخطيط وإشراف، وكذلك شئون برامج التدريب المهني، سياسة وتخطيطاً وإشرافاً.
ويكون للمؤسسة مجلس إدارة مكون من (11) عضواً، ويرأس مجلس الإدارة (وزير التربية والتعليم)، باعتبار المؤسسة تخضع نوعاً لإشراف وزارة التربية والتعليم.
وللمؤسسة إدارة تنفيذية، يرأسها (مدير عام) ويساعده:
1- مساعد المدير العام للتعليم الفني، ويتبعه:
أ- مدير إدارة تخطيط ومناهج التعليم الفني.
ب- مدير إدارة التعليم الفني.
وتشمل الأقسام والوحدات التالية:
1- قسم شئون المعاهد الثانوية الصناعية والتجارية.
2- قسم التوجيه والإشراف التربوي الفني.
3- قسم الأبحاث والتطوير الفني.
2- مساعد المدير العام لشئون التدريب المهني:
أ- مدير إدارة سياسات وتخطيط التدريب.
ب- مدير إدارة البرامج والدورات.
ج- معهد البحرين للتدريب.
د- إدارة التدريب النوعي.
3- مساعد المدير العام للموارد والخدمات:
أ- مدير إدارة الموارد البشرية.
ب- مدير إدارة الموارد المالية.
وتكمن أهم ملامح هذا المخطط، وهذا المشروع، في إخضاع القطاعين لهيئة مركزية عليا، مما يوحد الخطط والجهود، وفي مركزية القرار، مما يقضي على تبعثر الجهود وغياب التنسيق وجميع المساوئ والعقبات التي كنا قد أشرنا إليها في ثنايا بحثنا هذا.
ويكون بمقتضى هذا المشروع تحول التعليم الفني من وزارة التربية، إلى المؤسسة، ويعاد تسمية المدارس الصناعية والتجارية الحالية إلى (معاهد ثانوية فنية)، تمنح شهادة (الدبلوم) لخريجيهوللمؤسسة مهام وأهداف فهي ترمي إلى تأهيل الكوادر البشرية البحرينية في المجالات الفنية والتقنية والمهنية، وفقاً للحاجات، وتقديم البرامج والدورات التدريبية في مختلف التخصصات بالجودة المطلوبة، والقيام بالأبحاث والدراسات والمشاريع، التي من شأنها تعزيز وتنمية التدريب الوطني، وإعداد القوى العاملة البحرينية المدربة للعمل في المجالات الصناعية والتجارية والتكنولوجية.
وإننا في هذا المقام، لنسجل فخرنا واعتزازنا، بجهود الحكومة الموقرة، وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، (حفظه الله ورعاه)، في تبني الخطط والاستراتيجيات، الهادفة إلى العناية بهذا الحقل المهم، والدعم المستمر الذي تقدمه إلى برامج التدريب المختلفة.
إن التعليم والتدريب، هما ديدن الدول المتقدمة، مثل ماليزيا، هذه الدولة الآسيوية والتي تضم أعراقاً دينية مختلفة، أتعرفون سر نهضتها الصناعية المتقدمة، ومفتاح تقدمها الاقتصادي؟ إنه اعتناؤها بالتعليم الفني والتدريب، والإنفاق عليه بشكل ملحوظ.
والخلاصة، مطلوب الآن، النظر بجدية في التعليم الفني، وتطويره، والبحث عن آليات للنهوض به، لمسايرة المستجدات الاقتصادية، وكذلك الأمر ينسحب على التدريب المهني، بدفعه إلى الأمام لمواكبة ومواءمة حاجات سوق العمل البحرينية.