رئيس مصر بين ضرورة تلبية حاجات الداخل وجدلية ملفات الخارج
 تاريخ النشر : السبت ٢ يونيو ٢٠١٢
بقلم: حسن الأسود
انتظر المتتبعون في العالم العربي بشوق نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية، كما مما لا شك فيه أن دوائر صنع القرار الإسرائيلية تترقب بقلق نتائج تلك الانتخابات إلا أن المفارقة بين الحالتين تكمن في حدة التفاوت ومستواه في الميل والحذر بين وصول مرشح من آخر إلى دفة الرئاسة.
إن الحقيقة المؤكدة أن رئاسة ذلك البلد العربي الأكبر بشخصية ذات كاريزما قوية ومؤثرة لن يُحدد مصير مصر فقط بل سيُلقي بظلاله إن بصورة أو بأخرى على الشأن العربي برمته وهو ما يجعل كل عربي مُهتم يعيش بوجدانه مع المصريين في خوض تجربتهم الأولى المتمثلة في انتخابات رئاسية حرة ومباشرة ومع كون أن جميع المتابعين يُرجحون أن هذه الانتخابات ستحظى بأكبر قدر ممكن من النزاهة والشفافية الضامنة لصحتها فان البعض يرى انه سيبقى هناك تخوف من وقوع الأخطاء التي ربما تحصل نتيجة لقلة الخبرة التي برزت بسبب حرمان الشارع المصري من مثل عرس انتخابي كهذا فترة طويلة.
ولتسليط الضوء على جانب من تلك الانتخابات فان التنافس كان محصورا بين ثلاث عشرة شخصية انتخابية تم التسابق فيما بينها على المقعد الرئاسي لمصر وتختلف أيديولوجيات تلك الشخصيات بين إسلاميين وقوميين ناصريين وليبراليين وعسكريين كما تتفاوت شخصيات المترشحين في العطاء السياسي وفي القرب من القاعدة الشعبية لما قبل سقوط مبارك، فمنهم من تعدد توقيفه وسجنه ومنهم من كان مقصيا من قبل حاشية النظام السابق وحزبه ومنهم من عاش في أحضان بحبوحة النظام ودفئه، ومع ذلك تبقى مرحلة ما بعد مبارك مرحلة فارقة وحساسة سوف تكون لها تأثيرها المباشر في مصر وفي الوضع العربي إذا قُدر لمصر أن تمضي بشكل سليم في مشروعها الديمقراطي ومن ثم استعادتها لذاتها الفعلية ومن شبه المؤكد أن مصر لن تصل إلى مرحلة استعادة الذات والثقة بالنفس في فترة زمنية بسيطة بل ستمر قبل ذلك بمرحلة تطبيب ونقاهة قد تطول وقد تقصر نتيجة لتأثيرات عدة عوامل خارجية وداخلية لا يتسع المقام هنا للتطرق لها.
وتعد هذه المرحلة إذا صح التوصيف بمرحلة التأصيل للبنى الانتخابية والتشريعية للأمة المصرية وفي اعتقادنا انه لابد أن يُراعى فيها احترام حقوق الطوائف والأقليات كافة أثناء إقرار التشريعات والضوابط كما لابد أن يُراعى فيها سياق التحولات العالمية وما ألقت به من ظلال على حياة الشعوب ومفاهيمها بمعنى الأخذ في الحسبان حاجة الأجيال المصرية لمواكبة التغيرات التي ستفرض بطبيعتها تغيراً في السلوك الاجتماعي العام مع ضرورة الاحتفاظ بالخصوصية المصرية وحقها في تكوين ذاتها الخاصة بها لكي تفرض تقديرها بين الأمم.
كما لا يخفى أن هناك من الاتفاقيات الخارجية والمواقف السياسية السلبية السابقة ما ينتظر توجهات الرئيس القادم إذ يُجمع المراقبون على أن تلك الاتفاقيات كان لها الأثر السلبي في تحجيم دور مصر وعدم استثمارها لحجمها ولثقلها السياسي حتى على مستوى إنعاش اقتصادها ومصالحها الذاتية الحقيقية، وتعد هذه الاتفاقيات في حد ذاتها ورقة ثقيلة سترهق في تقديرنا كاهل أي رئيس قادم لمصر في المرحلة الحالية فالتغيير في مستوى حدة الخطاب الرئاسي الموجه للخارج سيكون له بكل تأكيد تبعاته وحساباته التي ستلقي بظلالها المباشرة على حجم التحديات وربما الضغوط المباشرة التي ستوجه لمصر، ومع ذلك لابد من أن يبقى هناك حد معقول ومقبول من التعاطي على مستوى الخارج وذلك لإرجاع صورة مصر وتثبيت مواقف واضحة لها في القضايا الإقليمية والدولية وخصوصا ما كان منها ذا تأثير مباشر في الأمن القومي المصري، وبالنظر إلى حجم تلك الإشكالات التي أدخل فيها النظام السابق مصر فإننا نعتقد ان الدور المنوط بالرئيس المصري القادم سيكون حساسا وثقيلا جدا.
كما أنه من الواضح ان هذه الانتخابات وما سترسو عليه من وصول أي مرشح وكما تقدم ستشكل مرحلة انتقالية بالغة الحساسية والتعقيدات رغم أن منصب الرئيس في تقديرنا ستُعاد صياغة صلاحياته الدستورية فانه سيكون محملاً بإرث ثقيل من الديون والمشاكل الاقتصادية والبطالة والحاجة الماسة إلى إعادة تدوير الموارد وتوجيهها لخلق عجلة إنتاج تكون قادرة على جعل مصر مكتفيةً بذاتها إلى أقصى نسبة مئوية ممكنة، بمعنى التحول من حالة الاستيراد إلى حالة الاكتفاء ومن ثم التصدير بمواصفات عالية الجودة، فكل تلك الحاجات الإصلاحية سيكون جزء كبير منها مُلقى على عاتق سياسات الرئيس ونهجه.
ومع كون المرحلة القادمة ستشكل حالة تأسيسية بالنسبة إلى علاقات الحاكم بالمحكوم في مصر فإنه لابد من مراعاة أن هذه المرحلة تحديداً من السلوك الرئاسي سوف تكون على جانب مهم ومؤسس في تقديرنا لطبيعة تشكل علاقة جديدة من المشاعر بين المصريين ورئيسهم، إذ من المفترض أن تكون المرحلة أكثر مصداقية ووضوحا في تعاطي الرئيس مع شعبه وهو الدور الذي سيؤصل لاستعادة المصريين لثقتهم بنفسهم ولذلك نعتقد انه لابد من أن يصل إلى رئاسة مصر في مرحلة ما بعد مبارك مباشرة رجل ذو سلوك وخطاب واقعيين وصريحين أثناء مخاطبة الأمة المصرية.
إن ما أصاب مصر من هرج ومرج مس ذهنية الفرد المصري وأداءه السمعي ومن ثم اللغوي والخطابي راجع في تقديرنا في شيء منه إلى مستوى الخطاب الذي كان يتلقاه المجتمع المصري عبر الرئاسة السابقة ولذلك من الضروري أن يتسم الخطاب الرئاسي المصري الموجه للداخل بدرجة كبيرة من احترام الذائقة الفهمية لأقل مستويات الطبقات المجتمعية، وان يكون مرتكزاً على الصراحة والتحديد لجوهر القضايا والمباشرة في تناولها، وفي هذا الصدد نعتقد أن من تلوثت ذمتهم السياسية وتشرب سلوكهم بالروغان بسبب العمل تحت مظلة حكم مبارك سيكونون اعجز من الاتصاف بسلوك الشجاعة والصراحة الكافيتين والتبسط الحقيقي في مخاطبة الجماهير، إذ ان فاقد الشيء لا يُعطيه ولذلك نحن نميل إلى عدم وصول شخصيات من هذا النمط إلى قيادة مصر في هذه المرحلة الانتقالية لأن ذلك قد يكون من شأنه إرجاع نمطية العلاقة الخطابية وتكريس ذهنية التبسيط والتسطيح التي كانت سائدة في عهد مبارك وخصوصاً ان هذه المرحلة الانتقالية وكما تقدم من المفترض أنها ستكون اللبنة الأولى لبداية تشكل مفاهيم جديدة من حيث جدلية علاقة المخاطبة والتجاوب بين الحاكم والمحكوم.
ختاما، هذه مناسبة لأن أتقدم بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى مقام صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، وذلك بمناسبة زواج حفيده الشيخ محمد بن راشد آل خليفة سائلين المولى أن يجعله زواجا سعيدا ومباركا ملؤه الرفاء والبنون، وهنيئا لمن حظي بالنشأة في كنفك ونهل من ينابيع فكرك وتوجيهك، فالعين ـ يا أباعلي ـ لا تُخطئ أن ترصد الحشمة والوقار العربيين وهما باديان بأسمى آياتهما واماراتهما على صفات من ربيت ورعيت فحفظك الله يا يعرُبي القلب والشمائل.
moc.liamtoh@dawsalanassaH
.