المال و الاقتصاد
على هامش كلمة رئيس الوزراء أمام المنتدى الاقتصادي ببانكوك
إقتصاديون : دول الخليج ليست بمنأى عن تبعات أزمة عالمية جديدة
تاريخ النشر : السبت ٢ يونيو ٢٠١٢
دعا اقتصاديون بحرينيون القيادات السياسية في الخليج إلى التعجيل بتفعيل الاتحاد النقدي والاقتصادي الخليجي، وتشكيل قوة نقدية اقتصادية قادرة على الصمود في وجه الهزات الاقتصادية العالمية المتوقع تكرار حدوثها في ضوء ما تشهده تكتلات اقتصادية عالمية مؤثرة من أضرار فادحة للأزمة المالية العالمية الأخيرة.
وقالوا تعقيبا على التحذيرات التي جاءت في الكلمة التي ألقاها صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء أمام المنتدى الاقتصادي في بانكوك، من مواجهة الاقتصاد العالمي أزمات جديدة: إن «الاقتصادات الخليجية لا تتمتع حتى الآن، بسياسات حمائية كافية تقيها من تبعات أزمات مالية واقتصادية عالمية جديدة قد تندلع في أي وقت، وأن على دول الخليج التفريق بين ما هو سياسي وبين ما هو اقتصادي، وتعزيز جانب الاتحاد الاقتصادي، وتقديم نفسها ككتلة اقتصادية قوية، تتمتع بسياسات نقدية مستقلة».
وقال عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالعزيز أبل: «على دول مجلس التعاون الخليجي، أن تتخذ سياسات نقدية في سياق اتحادي يعزز من مكانتها بين التكتلات الاقتصادية، كما أن عليها اتخاذ سياسات حمائية أشبه بما اتخذته الهند، تقيها من تبعات التقلبات الاقتصادية العالمية، وهو أمر ينبغي أن يتقدم في الوقت الراهن كل تفاصيل الاتحاد الخليجي الذي لا يجب أن يطول انتظارنا له، فالوحدة النقدية تعني إثقال موازين دول الخليج أمام تلك التكتلات، وتعني أن لها ما يحميها من تلك الهزات».
فمن حيث المبدأ، فإن «انتقال عدوى المشكلات الاقتصادية العالمية إلى أسواق الخليج، أمر بديهي الحدوث في ظل ترابط الاقتصاد العالمي وفي ضوء العولمة، بما يؤثر مباشرة على حجم وحركة الاستثمارات والمبادلات التجارية بين الخليج وأي منظومة من المنظومات التي يمكن أن تواجه مشكلات وأزمات في أي وقت من الأوقات».
وأضاف: «اليوم، الحساسية البالغة هي في ما يتعلق بتأثر اقتصاداتنا بوضع العملة الأوروبية الموحدة وسعر صرفها مقابل الدولار، ومن ثم تأثير سعر صرفها في حركة المبادلات التجارية بين الخليج وأوروبا».
نعم، «قد يكون تراجع اليورو مقابل الدولار في صالح الدول الخليجية التي تصدر معظم نفطها إلى أوروبا، وترتبط عملاتها بالدولار، ولكن ضعف اليورو سيكون له انعكاساته أيضا على الاستثمارات الخليجية في أوروبا».
ونعتقد أن المشكلة سوف تتفاقم «إذا استمرت بعض الدول الأوروبية تتعاطى مشكلاتها وأزماتها المالية يبدأ الاتحاد الأوروبي بالتفكك من خلال خروج أعضاء مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال من عضوياتها في الاتحاد، بسبب عدم قدرتها على حلّ أزماتها الحادة، وتتجه صوب الإفلاس».
الوفرة النقدية لا تكفي
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي رئيس شركة الصفوة الدولية للاستشارت عبداللطيف جناحي إن «دول الخليج تحتفظ بـ 41% من احتياطي النفط العالمي، و21% من احتياطي الغاز في العالم، فيما تشهد الدول الخليجية إنفاقا حكوميا كبيرا، تقدر بمئات المليارات من الدولارات المرصودة للسنوات العشر المقبلة، وهو ما يعني أن المنطقة لا ينقصها التدفق النقدي، بقدر ما ينقصها مفكرون يخططون لمستقبل هذه المنطقة».
نعم، سوف تستمر الحكومات في مشاريع إنفاقية ضخمة، ولكن هل سوف تكون الوفرة النقدية واستمرار الإنفاق كافيين لحماية الخليج من عدوى الفيروسات العالمية الاقتصادية المحتملة (..)، الإجابة طبعا لا.. وهو الأمر الذي يستدركه جيدا صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، وبنى خطابه عليه.
وأضاف جناحي: «المشكلات الاقتصادية العالمية ستنتقل إلى الخليج من خلال طريقتين، الأولى؛ استمرار محاولات السيطرة الاقتصادية الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط، والتأثير على اقتصاداتها وإضعافها من أجل تعزيز الاقتصاد الأمريكي، والأخرى؛ الانتقال الطبيعي للـ(فيروسات) في عالم مترابط الأعضاء يكاد يلتحم في قالب اقتصادي موحد».
وزاد «إذا أردنا أن نحرر اقتصاداتنا من الوقوع في شباك الطريقة الأولى لانتقال العدوى، فإن على القادة الخليجيين التفكير بجدية في الانعتاق من الارتباط بالاقتصادات الأوروبية والأمريكية، والبحث عن بدائل في المنظومات الاقتصادية الآسيوية التي ليس لها أطماع وأهداف سياسية كما لأمريكا وأوروبا».
وهنا أدعو قادة الخليج إلى اتخاذ الاجراءات الكفيلة بالتسريع بوتيرة تنفيذ سياسات هادفة الى تحقيق مطلب الاتحاد الاقتصادي، والتسريع بآلية تنفيذ ما يتعلق منه بالوحدة النقدية والسياسات الاقتصادية الموحدة، فقد قالت شعوب الخليج كلمتها وانصهرت في اتحاد طبيعي قوي، وترنو إلى تفعيل حكوماتها ما يتعلق منها بالجوانب السياسية والاقتصادية.
من أين تأتي الأزمة؟
من جانبه أكد الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالله الصادق أن احتمالات حدوث أزمات عالمية في المرحلة القادمة مرتبط بتبعات الأزمة الجارية حاليا في الاتحاد الأوروبي وخروج اليونان من الاتحاد الأوروبي وربما تعثر بعض الدول الأخرى، ولكن هذا لا ينفي أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر إنجاز تاريخي اقتصادي في تاريخ البشرية الحديث بتوحد دول بهذا العدد وبهذه الكثافة السكانية في كيان واحد، ولن يكون سقوطه بالأمر السهل أو اليسير.
وأشار الصادق إلى أن الاتحاد الخليجي خطوة إيجابية كبيرة في حد ذاتها واستكمال لمسيرة التعاون الاقتصادي الخليجي التي بدأت بالاتفاقية الاقتصادية الخليجية عام 1981 ثم تطورت الى الاتفاقية الموحدة ثم الاتحاد الجمركي ثم السوق المشتركة في مسار مشابه لتجربة الاتحاد الأوروبي.
وأكد أن التوجه نحو خلق كيان اقتصادي قوي وكبير بين دول الخليج يأتي متماشيا مع العولمة الاقتصادية التي أثبتت أن البقاء للأقوى والأكبر.. ويبرهن على ذلك أن الأسواق الكبيرة في العالم حاليا هي التي تتمتع بالنمو الاقتصادي مثل الصين والهند والبرازيل، وهو ما يطلق عليه المحللون الاقتصاديون «اقتصاديات الحجم الكبير» التي تعتمد بشكل كبير على زيادة الإنتاج وكثافته مع خفض الكلفة إلى أقل مستوى ممكن وبالتالي القدرة على خفض السعر النهائي للسلع وإيجاد منافذ أوسع للتصدير والتوزيع.
وحول الإمكانات التي تملكها دول الخليج في مواجهة الأزمات المحتملة.. قال الصادق ان الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج كبير جدا بمؤازرة رئيسية من إنتاج النفط والغاز وبين دول الخليج مجموعة من أكبر المنتجين حاليا على مستوى العالم، ونشير هنا إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية كبير جدا ويعدّ الأول على مستوى الدول العربية وتأتي الإمارات في المرتبة الثالثة.. وفي مراتب متقدمة أيضا نجد الكويت وقطر، وبالتالي: ناتج محلي كبير ونشاط اقتصادي ديناميكي يمكنانها بسهولة من مواجهة أي تبعات في الفترة القادمة.
إضافة إلى ذلك يجب أن نضع في الاعتبار أن حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي في دول الخليج مرتفع للغاية ويأتي في المرتبة الثانية على المستوى العالمي بعد الصين التي تعدّ الأولى حاليا بمخزون نقدي مرتفع للغاية.
وحول تأثير الأزمة الأوروبية.. أوضح الصادق أنه بحكم العولمة وترابط الاقتصاد الدولي لا شك سيكون هناك تداعيات ولكنها لن تكون ذات تأثير قوي ومباشر أخذا في الاعتبار أن الجميع يتابع الأزمة حاليا ويتحوط لها، وفي مواجهة هذه التداعيات يتطلب الأمر توحيد السياسات النقدية بشكل كبير بين دول الخليج وهو ما يسعى إليه فعليا وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في دول الخليج في إطار سعيهم لإصدار العملة الخليجية الموحدة.
مقومات حمائية
وأكد أستاذ مخاطر الدولة المساعد بالجامعة الخليجية الدكتور محمد خيري أن الاقتصاد الخليجي يتمتع بالعديد من المقومات التي تمكنه من مواجهة أي أزمة عالمية قد تقع في المرحلة القادمة نتيجة لتداعيات الوضع في الاتحاد الأوروبي أو غيره.
وقال إن ارتفاع أسعار النفط العالمي يؤدي إلى استثمار الفوائض في تطوير الحكومات الخليجية لخدمات لعامة شعوبها في منطقة الخليج، وأشار إلى أن أبرز دلالات القوة الاقتصادية الخليجية تتمثل في زيادة الرواتب وإن كانت متباينة بين دول الخليج، إلى جانب استمرارية دعم المواد والسلع الرئيسية في بعض دول الخليج ومنها البحرين وهذا يعد من أكبر مؤشرات القوة الاقتصادية لأي دولة، مشيرا في هذا الصدد إلى أن الاقتصاد البحريني كان صلبا في مواجهة الأزمات الداخلية.. ويقدر حجم التدفقات الاستثمارية المباشرة بحسب مجلس التنمية الاقتصادية بحوالي 300 مليون دولار.
وأضاف خيري أن دول مجلس التعاون الخليجي مؤهلة بدرجة كبيرة لتحقيق تكامل اقتصادي أكثر شمولية في ظل الاتحاد الفيدرالي الخليجي، مما يجعلها تملك قوة سياسية لها ثقل عالمي لا يستهان به ضمن ركب الدول العظمى.
وأوضح د. خيري أن الاستثمارات في دول مجلس التعاون الخليجي تتوزع في مشاريع البنية التحتية ومشاريع توليد الطاقة والمياه والصرف الصحي، إلى جانب الاستثمارات الضخمة في المدن الصناعية، إضافة إلى الاستثمار في قطاعي الاتصالات والمواصلات، علاوة على نمو الاستثمار في القطاع الصناعي مثل صناعات الحديد والصلب وصناعات الألمنيوم، والاستثمارات في قطاع العقار والإسكان والصناعات الغذائية والصناعات الزراعية الهادفة إلى توفير السلع الغذائية من مصادرها الخارجية. وأكدت الدراسة أن مساهمة القطاع الخاص الخليجي تصل إلى ما نسبته 70% من إجمالي عدد المشاريع الخليجية، وبالتالي فهو يمثل ركيزة أساسية من ركائز الاستثمار، إذ يسهم بدور كبير في مختلف المجالات وذلك من خلال عمليات إنشاء المشروعات التنموية المختلفة وتمويلها وملكيتها وتشغيلها وإدارتها وإنتاجها من خلال مبادرات الشراكة بين القطاعين العام والخاص.