الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين

الشيخ صلاح الجودر:

يجب إيقاف خطابات التهديد والوعيد وخطابات التأجيج والتحشيد

تاريخ النشر : السبت ٢ يونيو ٢٠١٢



قال الشيخ صلاح الجودر خطيب جامع الخير بقلالي في خطبة أمس: إن الحضارة الإنسانية والتقدم البشري لا يقاسان بماديات تفنى أو مظاهر حياة تبلى، ولكن يقاسان بما حققه الإنسان في مجالات الأمن والاستقرار والبناء والنماء، فالتاريخ يسجل مستوى الأمن الذي حققته المجتمعات والدول، فلا يمكن الحديث عن التطور والتقدم دون الحديث عن الأمن والاستقرار، ولا يمكن الحديث عن المبادئ والقيم في ظل فقدان الأمن والأمان، وهذا ما تنشده المجتمعات المتحضرة، قال تعالى: «فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» (قريش:3،4)، وجاء في دعاء إبراهيم عليه السلام: «رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات» (البقرة:126).
إذا ظهر العنف والإرهاب في أي مجتمع فإنه أذان بزعزعة الأمن، حينها تتداعى الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها تحت مفهوم (حقوق الإنسان)، فتن مستطيرة، وفساد متعاظم، تبدأ بكلمات شيطانية تطلق في خطب منبرية ومقالات صحفية وندوات سياسية ومنظمات حقوقية، لذا يجب التعريف بالعنف لفضحه وكشفه للناس، فأي تطاول أو استهداف للآخرين هو نشر للعنف وزعزعة للأمن، وأي تغاض عن عنف هو إشعال لعنف آخر، فالعنف جريمة في حق الشعوب والأمم، ومسلك من مسالك الظلم والعدوان، وصورة من صور الإفساد والطغيان، والله عز وجل يقول: «ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها» (الأعراف:56)، ويقول: «والله يعلم المفسد من المصلح»(البقرة:220).
ويؤكد ذلك ما نشاهده في الشوارع والطرقات من استهداف المواطنين والمقيمين ورجال حفظ الأمن، حلقات من العنف الممنهج، والخراب المدروس، وجميعها قادمة من إيران وجنوب العراق وسوريا ولبنان، حتى أن الغيور منكم ليرى بعينيه الفتنة الطائفية التي أطلت برأسها بسبب ما تنثره القنوات الفضائية الإيرانية فتنة هاجت وماجت، حتى خرج من بين جوانبها أفراخ صغار السن تغذيهم سموم الفتنة وأدواء المحنة.
يتألم الفرد منكم في اليوم الواحد ألف مرة حينما يرى ويسمع عن العنف والإرهاب في بعض المناطق، وهي أفعال نكراء، لا يقرها دين ولا عقل ولا قانون، فكل عمل يستهدف أرواح الناس، سواءً بالقتل أو السحق أو الترويع، هو مخالف لشريعة الله.
تأملوا معي في الدول التي ابتليت بداء العنف والإرهاب، العراق وأفغانستان والصومال، كيف أجازت الجماعات والمليشيات التي تجوب الشوارع لنفسها أن تستبيح الدماء، وكيف تطور العنف لدى أتباعها حتى أغلقوا الشوارع والطرقات، وتعدوا على الممتلكات العامة والخاصة، فروّعوا المواطنين والمقيمين، فلم يرحموا امرأة أو شيخاً، ولا طفلاً أو مريضاً، حتى تطور العنف لديهم فبلغ درجة الإرهاب المخالف للرسالة المحمدية والوصية النبوية: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم).
ما كان للعنف والإرهاب أن يظهرا في تلك الدول لولا التدخلات الخارجية بنثرها السموم لدى الشباب والنشء، وما كان له أن يستمر إلا حينما أصبح ميراثاً حاقداً تتوارثه الأجيال، لذا الحذر من نقل صور الدول التي أصيبت بذلك الداء إلى بلادنا فتصبح مكاناً للمغامرات السياسية والفتن الطائفية.
لمعالجة ظاهرة العنف والتصدي للإرهاب يجب أن تفتح أبواب الحوار المباشر والصريح بين جميع فئات المجتمع، فالمجتمع اليوم في أمس الحاجة لتعزيز صورة التسامح والتعايش، ولكن عن أي حوار نتحدث وعن أي مصالحة نبحث؟!
هناك خلط كبير في الحديث عن صلب الإشكالية وسبل معالجتها، لذا تراوح القضية مكانها، حاجتنا لقراءة الساحة من جديد، ووضع العلاجات الصحيحة لها، دون إقصاء لجماعة، أو تغاض عن قضية، يجب تناول الإشكالية من جميع جوانبها، والحديث عن أسبابها ومسبباتها وآثارها، لذا من الأولويات التي تسبق أي حوار وطني:
أولاً: نبذ العنف وإدانة الإرهاب، إذ لا يمكن الحديث عن حوار أو مصالحة والجميع يتجرع داء العنف والإرهاب، كيف يكون حواراً ومليشيات الخراب والدمار تجوب الشوارع تدميراً وتخريباً، يجب أولاً نبذ العنف من كل الأطراف، فلا حوار تحت تهديد القنابل الحارقة (المولوتوف)، يجب أن يعود الأمن إلى القرى المنكوبة التي يبكي أبناؤها ليلاً من الأعمال العنفية والإرهابية.
ثانياً: يجب الدعوة للمصالحة الوطنية، إذ كيف يكون حواراً وفي النفوس ما فيها، فقد تحول المجتمع اليوم إلى قلوب تغلي بسبب أعمال العنف والإرهاب، فلا حوار دون إزالة ما في النفوس والقفز بها على ما خلفه دوار مجلس التعاون من أحقاد وكراهية.
ثالثا: الحوار بمشاركة العلماء والدعاة والخطباء، فالجميع يعلم بأن الأزمة اليوم هي أزمة معنيين بالشأن الديني، يجب أن توقف خطابات التهديد والوعيد، وخطابات التأجيج والتحشيد، يجب نبذ العنف وإدانة الإرهاب من على المنابر الدينية، يجب أن يتبرأ الجميع وفي مقدمتهم خطباء المنابر، من الدول والمنظمات الإرهابية، وعلى رأسهم قائدة محور الشر في المنطقة (إيران). هذه مرتكزات رئيسية، دونها يصبح الحوار فاشلاً، والأطروحات تقية، والتوصيات كذباً، ومن أراد الصدق والأمانة لدينه وضميره فإن الأولويات للخروج من هذه الفتنة المطلة، رفض العنف وإدانة الإرهاب ثم المصالحة وأخيراً الحوار بين جميع الأطراف.