أخبار البحرين
الشيخ علي مطر في خطبة الجمعة:
لا بارك الله في أحزاب وجمعيات تمزق الأمة
تاريخ النشر : السبت ٢ يونيو ٢٠١٢
قال الشيخ علي مطر في خطبة الجمعة بمسجد أبي بكر الصديق:
لقد تكالبت قوى الشر والكفر والشرك والإلحاد ضد إخواننا المسلمين في سوريا فسفكوا دماءهم، وقتلوا أولادهم، وهدموا بيوتهم وأتلفوا مزارعهم وها هي مجازرهم التي لا تخفى على أحد، كما قال الله تعالى في المفسدين والمنافقين: «وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبلا الْفَسَادَ».
وهذا الذي فعله أهل الشرك والشر من قبل في العراق وأفغانستان فقتلوا وشردوا الملايين من المسلمين، وفي كشمير والشيشان وكوسوفا وغيرها في الزمن الحديث، وكيف تآمرت خفافيش الشر والظلام ضد مسرى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأراضي الفلسطينية وتم احتلالها، وقبل ذلك التآمر على دولة الخلافة العثمانية وكيف تم إسقاطها، ونعرف جميعا مصيبة سقوط الأندلس.
فأسباب هذا الضعف والهوان وتسلط الأعداء كثيرة منها البعد عن الدين وترك تحكيم شرع رب العالمين، والتكالب على الدنيا، وتفرق الأمة وتشتتها وتحزبها.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَللاونَ في جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ».
أي يوقعهم في الخصومات والشحناء والفتن والحروب وغيرها من المفاسد.
وقد حذر الله تعالى عباده من التفرق فقال سبحانه: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ».
وبيان هذه الآية في قول النبي صلي الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَة». وقوله عليه الصلاة والسلام: «الجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ».
فالجماعة بجميع أنواعها وصفاتها إن كانت على الحق والهدى والخير فهي رحمة وبركة.
والفرقة بأنواعها عذاب ولا خير في التفرق والاختلاف أبدا.
قال الله تعالى: «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
فالفرقة مزقت شمل المسلمين وأوهنت قواهم. قال الله تعالى: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ».
ولنعلم أن التحزب والتعصب ومخالفة النصوص الشرعية على رأس أسباب ضعف الأمة وتصدعها وتفرقها:
فقد كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يقول في خطبته: «إِنَّ أَصَدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ».
وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: قال لي معاوية رضي الله تعالى عنه أنت على ملة علي، قلت ولا على ملة عثمان، أنا على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهكذا ينبغي على الأمة وعلماء الأمة ورجالها وأفرادها..
قال شيخ الإسلام: «فَدِينُ الْمُسْلِمِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى اتِّبَاعِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَمَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ، فَهَذِهِ الثَّلاثَةُ هِيَ أُصُولٌ مَعْصُومَةٌ وَمَا تَنَازَعَتْ فِيهِ الأُمَّةُ رَدلاوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ. وَلَيْسَ لأَحَدِ أَنْ يُنَصِّبَ لِلأُمَّةِ شَخْصًا يَدْعُو إلى طَرِيقَتِهِ وَيُوَالِي وَيُعَادِي عَلَيْهَا غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا يُنَصِّبَ لَهُمْ كَلامًا يُوَالِي عَلَيْهِ وَيُعَادِي غَيْرَ كَلامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ بَلْ هَذَا مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ يُنَصِّبُونَ لَهُمْ شَخْصًا أَوْ كَلامًا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الأُمَّةِ».
وقال في موضع آخر: «وَكُللا مَا خَرَجَ عَنْ دَعْوَةِ الإِسْلامِ وَالْقُرْآنِ: مِنْ نَسَبٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ جِنْسٍ أَوْ مَذْهَبٍ أَوْ طَرِيقَةٍ: فَهُوَ مِنْ عَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، بَلْ لَمَّا اخْتَصَمَ رَجُلانِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ فَقَالَ المهاجري: يَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَقَالَ الأَنْصَارِيلا: يَا لِلأَنْصَارِ قَالَ النَّبِيلا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. وَغَضِبَ لِذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا».
وقال رحمه الله أيضا: «وَلَيْسَ لِلْمُعَلِّمِينَ أَنْ يحزبوا النَّاسَ وَيَفْعَلُوا مَا يُلْقِي بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ بَلْ يَكُونُوا نَ مِثْلَ الإخوة الْمُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ والعدوان».
وَلَيْسَ لأَحَدِ مِنْهُمْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أَحَدٍ عَهْدًا بِمُوَافَقَتِهِ عَلَى كُلِّ مَا يُرِيدُهُ؛ وَمُوَالاةِ مَنْ يُوَالِيهِ؛ وَمُعَادَاةِ مَنْ يُعَادِيهِ بَلْ مَنْ فَعَلَ هَذَا كَانَ مَنْ جِنْسِ جنكيزخان وَأَمْثَالِهِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَنْ وَافَقَهُمْ صَدِيقًا مُوَالِيًا وَمَنْ خَالَفَهُمْ عَدُوٌّا بَاغِيًا؛ بَلْ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَتْبَاعِهِمْ عَهْدُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِأَنْ يُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ؛ وَيَفْعَلُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ؛ وَيُحَرِّمُوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ».
وذكر العلماء أنه ليس في الكتاب ولا في السنة ما يبيح تعدد الجماعات والأحزاب، بل إن في الكتاب والسنة ما يذم ذلك، كقول الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ..». وقوله سبحانه: «كُللا حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ».
فإن هذه الأحزاب تنافي ما أمر الله به وحث عليه في قوله سبحانه: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبلاكُمْ فَاعْبُدُونِ».
ولهذا وجب على العلماء والسياسيين وكبار العاملين في الحقل الدعوى والميدان الخيري والوطني تربية طلابهم وأبنائهم والعاملين معهم على العمل للإسلام وما فيه خير المسلمين جميعا والابتعاد بهم عن التعصب للحزب والجمعية والمؤسسة الخيرية أو الدعوية أو السياسية أو الشيخ أوالزعيم وغير ذلك،ويبين لهم أنها وسائل للخير وليست غايات فلا يوالى ويعادى عليها.
ولنخرج بالناس عن الحزبية الضيقة إلى الإسلام الواسع لا أن نخرجهم من سعة الإسلام إلى ضيق التعصب والحزبيات. ولننظر إلى تصارع الأحزاب في الدول التي حصلت فيها ثورات وغيرها، كل يعمل لحزبه وجماعته ونسي مصلحة الأمة الكبرى.. فلا بارك الله في أحزاب وجمعيات تمزق الأمة وتضعفها.
وعلى الآباء الانتباه لأبنائهم الذين يقصدون بعض الجمعيات وتحصينهم ضد التحزب والتعصب.
وعلى كل فرد صغير أو كبير إذا جلس مع شخص أو شيخ أو تردد على جمعية أو. فرأى أنهم يملأون قلبه حبا لجميع المسلمين، ويحثونه على التواصل والتعاون معهم فهؤلاء على خير فليستمر معهم، وأما إذا رأى أن هؤلاء يشحنونه بغضا للآخرين من إخوانه في الدين والعقيدة، ويمنعونه من التعاون معهم على البر والتقوى والتواصل وغير ذلك فليحذر منهم وليبتعد عن تلك الاحزاب والجمعيات والاشخاص.