الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


الرأسمالية العربية وقضايا الديمقراطية (1-2)

تاريخ النشر : السبت ٢ يونيو ٢٠١٢

عبدالله خليفة



يمكن القول: إننا انتقلنا عبر الثورات العربية إلى إمكانياتِ الرأسمالية العربية الحرة كنظامٍ سياسي - اقتصادي، ولكن هذا لا ينطبقُ على الجميع وبالتالي فإن أغلبيةَ البلدان العربية دون ذلك.
ولهذا ان ما أشار إليه بعض المعلقين هو صحيح لكنه محدود، مثلما يعلق الأخ حسن نظام من البحرين حول الرأسمالية الحرة العربية الطالعة بين الدخانين الديني والسياسي:
(مقالٌ جيدٌ وموضوعي ومصيريّ، حتى الأفق المنظور للمرحلة الوطنية الحالية؛ مرحلة الخروج من الاستبداد المزمن (الإقطاعين السياسي والدينيين)، والولوج في تشييد المجتمع المدني(البرجوازي)، ولكن أكيد أن المسألة ليست بهذه البساطة أو الميكانيكية نحنُ نعتقد أن بنية المجتمعات العربية الإسلامية لا تسمح بالبساطة المرجوة لانبثاق البرجوازية الحرة، إلا أن القوة المالية الضخمة قد تساعد في المستقبل؛ وخاصة بعد نضوب النفط أو تراجع أهميته الاستراتيجية، لتأسيس برجوازية حرة ومنافسة قوية للمركز الرأسمالي)، الحوار المتمدن.
نحن لا نتكلم بإطلاق وتعميمات لا ترى مستويات التطور في الدول واختلاف بُناها الاجتماعية، بل نتكلمُ عن بلدان الثورات العربية وخاصة تونس ومصر الأقرب لبنيةِ الحداثة، التي شكلتْ فئات وسطى واسعة وراكمت تجاربَ رأسمالية الدولة التحديثية الشمولية بتماثلها واختلافها وتجاوزاتها.
ويجري الآن في مصر تحديدا وبقوةٍ الصراع بين الإقطاع السياسي والإقطاع الديني بعد أن اغتنيا بثمار الحداثة لكل منهما وبثمار الاستغلال العائد للعلاقات ما قبل الرأسمالية والحديثة كذلك.
إن الإقطاعَ السياسي الذي مثلّهُ الحزبُ الوطني لن يتخلى عن السلطة بشكلٍ تام فركائزه في القطاع العام والإدارة والجيش موجودة ولكن حصل على ضربة واسعة قوية بفضل الثورة وبتكون برلمان منتخب واسع الصلاحيات منقوصها بعض الشيء.
ومن الممكن للإقطاع السياسي أن يواصلَ نفوذَهُ ويستعيدَ بعضَ أشكاله لكن تم قطعُ العلاقةِ بين الدولةِ وتكوّن رأس المال، وهو ما كوّن ذلك الإقطاعَ حيث يتم خلق الفائض من خلال السلطة.
هذه هي النتيجة الحاسمة الاجتماعية السياسية الكبرى للثورات العربية.
لقد وضعتْ الثورتان المصرية والتونسية خاصة حدا للاستغلال السياسي للدولة، لكن لا يمكن وقف بقاياه وقضاياه الفردية بشكل مطلق فهذه قضية تاريخية متصاعدة.
المنتصر السياسي هو الإقطاع الديني، وهو المفارقة التاريخية، لكنها تعبيرٌ عن غياب التطور الديمقراطي الحر في الحياة الاجتماعية والفكرية العربية، وهو أمرٌ يعرقل تطور الحرية والتقدم الاقتصادي المطلوب في حياة النساء والرجال والريف والثقافة.
إن تحجيم الإقطاع السياسي يطرح تحجيم الإقطاع الديني معا، لنمو الرأسمالية الحرة على الجانبين: الدولة، والشعب، فما تحتاج إليه هذه البلدان هو ثورة اقتصادية ترفع مستويات الأغلبية الشعبية وعيشها وثقافتها وعلاقاتها.
وما يميز البلدان العربية غير النفطية هو وجود أغلبية عاملة وفئات وسطى واسعة، وصعوبات إيجاد الفوائض المالية لبناء الصناعات الكبرى الجماهيرية، ومن دون تغيير طابع القوى العاملة وحشد أغلبيتها في هذه المشروعات، والحصول على الفائض وإدارته ديمقراطيا حسب الخطط التحويلية، تتعرقل عملية تطور المجتمع.
ومن هنا تصبح الرأسمالية الحرة ضرورة في حياة العائلة، بإدخال النساء في الصناعة بأشكال جماهيرية، وبتصعيد الثقافة والفئات العاملة الفكرية خلافا لسيطرة الفئات اليدوية والعمل البسيط، فتطور البرجوازية يتطلب تطور الطبقة العاملة كذلك.
وبقاء الطبقة العاملة متخلفة يؤدي إلى هروب الرساميل وغياب الثورة الصناعية العلمية، وهذا من الممكن أن يحدث لعدم فهم الدينيين قضايا التطور الاقتصادية، بحججٍ أخلاقية، هي تعبيرٌ عن استبداد ذكوري مغلف، وبالتالي تغدو المعركة على الجانبين الحكومي ومدى توظيفاته المهمة في بؤر التطور الاقتصادي المطلوبة شعبيا، ومدى حراك الطبقة العاملة وتطورها ونضجها الاجتماعي السياسي لتصعيد هذا التطور.
تقلص الاقطاعين على مستويي الدولة والحياة الاجتماعية، ونشوء حريات سياسية واجتماعية واقتصادية واسعة لن يتما من دون صراعات القوى السياسية ودفاعها عن مصالحها بخطابات ايديولوجية عديدة.
ومن دون وجود الملح تتعفن المادة الاجتماعية والملح هو اليسار الديمقراطي.
فهذا كله ليس موقفا يمينيا لكنه استشراف اليسار الديمقراطي العربي للتحول الممكن، فلم يعد اليسار ذا خطابات عامة مجردة شمولية، بل هو يقدم قراءات متابعة لتطور البُنى الاجتماعية، يوجه الإرادة الاجتماعية السياسية نحو بؤرة المشكلة والتناقض الرئيسي، فكانت المشكلة المحورية هي رأسمالية الدولة الشمولية ويتم تجاوزها، والآن تواجه البنيةَ بؤرةٌ إشكالية أخرى لابد من تجاوزها عبر تراكم الجهود للفهم والتحالفات والتوجه للتغيير.
إزاحة الإقطاعين وفتح الطريق لرأسمالية حرة طريق طويل لابد أن نقرأه في كل خطواته بعمق وتأن.
وبالتالي فإن البلدان العربية ذات بُنى مختلفة متداخلة، فهناك دولٌ متقاربة في مستوى وهناك دولٌ متقاربة في مستوى آخر، وكل منها له مساره، ولابد أن تكون له قراءته النابعة من تطوره التاريخي الخاص.
ما كان قديما من وصفة علاجية «روشتة» عامة، ونموذج مستورد مُعمم، وقفزٍ على التطور الموضوعي، وعدم أخذ مسارات البُنى الاجتماعية للبلدان بظروفها الخاصة المتشابكة مع العام، هو منهجٌ يتمّ تجاوزه لدى بعض الفئات السياسية لكن الطريق لايزال طويلا.