الجريدة اليومية الأولى في البحرين


الثقافي


عبدالله السعداوي ذلك الشيخ المفتون بحكاية المسرح (1-2)

تاريخ النشر : السبت ٢ يونيو ٢٠١٢



حوارٌ داخل نص مسرحي
عبدالله السعداوي ذلك الشيخ الخارج من قطر النار الذاهب نحو فردوس الحياة، سألته مرة: أيها الشيخ لماذا نحن البشر نكتظ بأخلاقياتنا، ونذهب نحو النار من دون أن نعي أنها نار حارقة؟
نظر إليّ بعينين ساهمتين، وأشار بأصبعه نحو السماء.
ثم خرجت بعض الكلمات من بين شفتيه قائلاً: الحياة مسرح كبير ونحن أن أردنا أن نجعل من هذا المسرح فضاء يسع المحبين، استطعنا.
قلت له يا شيخ: أنت تحدثني بلغة المسرح وأنا أحدثك بلغة البشر، أريد أن تكون قريباً من تفكيري.
ابتسم وعيناه تراقب ملامح وجهي، ثم قال: من قال لك إني ابتعدت عن تفكيرك؟
قلت له: إحساسي قادني إلى ذلك.
ابتسم: والكاميرا تتحرك وفي طريقها، تمر على المحلات التجارية حيث ترينا مجموعة البضائع والصور للإعلانات نرى ماكينات فتيات ورجال.
نسمع صوتاً صادراً من مجموعة من البشر لا نعرف ماذا يقال، الكاميرا مازالت تستعرض في مجمع، نرى فتيات، نساء، شباباً، جنساً ثالثاً، نساء محجبات، نساء سارحات، فتيات يلبسن القصير، مجموعة أطفال في مكان المأكولات السريعة.
تقف الكاميرا، تستعرض مقاهي ومطاعم المأكولات السريعة، يثير انتباهي شابٌ يجلس على طاولة يرتدي نظارات طبية يقرأ كتاباً في حالة اندماج، فجأة نرى فتاه تقف عند طاولة الشاب.
رفعت من صوتي عالياً يا شيخ: أدخلتني في لعبتك، وأنا الذي كنت أعتقد أنك معي!
اقترب مني السعداوي وهو يربت على ظهري: أنا معك، وما أردت إلا أن أشعرك أن الحياة مكتظة، وما نحن إلا لعبة هذه الحياة.
قلت بألم يا شيخ أحب وطني.
بحلق في عينيّ ويداه تمسح على شعري، مثلك أحب وطني، ولأجل هذا أردت أن أوقظ فيك الشيء نتفق عليه ولا نختلف.
فقلت: أتعني حب الوطن هو الشيء الذي تحب أن تذكرني به؟
قال نعم: أيوجد حباً اكبر من الوطن؟
قلت: لا.
اقترب مني السعداوي أكثر ممسكاً بيدي نحو فضاء الكاميرا، وهو يردد بصوت عالٍ: نحبك أيها الوطن.
لم يكن الشيخ يوماً حساساً بقدر ما هو فيه اليوم من أحساس مفرط، حدثني عن الحمام الأبيض وعن القلوب المتحابة وعن الأطفال وعن الشيوخ وعن الأسماك وعن النخل وعن البيوت الطينية وعن المدن المفتوحة أبوابها على أبواب القرى وبالعكس، حدثني عن أمي زهرة وعن جدتي عائشة، حدثني حتى منتصف الليل، وقبل أن يتركني قال لي الشيخ عيناك يجب أن تكون مفتوحة على سماوات لا تغلق فيها القلوب على الكره ولا تساوم على أوطانها.
نظرت إليه وهو يبتعد عني شيئاً فشيئاً، ثم أغمضت عينيّ، فحلمت بجمع من الحمام الأبيض يعتلي كل سطوح البيوت، وبالقرب من هذه الجموع ذلك الشيخ يلاعب مجموعة من الأطفال ويعلمهم فن المسرح، ويكتب على راحة كل طفل »بحرين.. بحرين«.
ابتسمت وأنا اردد في حلمي: من كان له شيخ حنون يؤذن ليلاً ونهاراً بلغة المحبين لا تنضب أرضه.
في الشجرة الخضراء سر لحكايات الثمر، وفي قلب المخرج المسرحي عبدالله السعداوي سرٌ لحدث مسرحي جديد، يكشف فيه لعبة جديدة من لعب الزمن الجديد.
في كل عمل جديد، لهذا المخرج لابد للمتتبع نشاطه أن يكتشف سر النشاط الذي لا ينتهي بانتهاء الحدث، فحدث السعداوي في كل عمل له، أصبح إدراكاً لفعل فني يتجدد بتجدد ضجر أو فرح السعداوي.
هي الحياة: قال لي السعداوي، فلم انتبه، لأن زمني التفكيري مختلف في تعاطيه مع زمن السعداوي لكنني قد أوشك أن أسقط في عمق لعبة السعداوي الفنية وأدركت سر الحكاية من تجدد السعداوي كمخرج في كل عمل جديد.
بعد كل هذه الأعمال في تاريخ شجرته الفنية الذي قدم فيها الكثير من الأعمال المسرحية مخرجاً وممثلاً: ومن ضمن هذه الأعمال العديدة أوقف في أحد أعماله التي قدمها في السنوات الأخيرة والمسمى: »الصفحة الأولى من الجريدة« في عام 2010 بمشاركة 38 ممثلاً.
وكانت التجربة من الجدية بحيث عالج فيها المخرج السعداوي بعض السلبيات عبر توليفة من 19 نصاً مختلفاً متنوعاً من حيث الموضوع والجنس الأدبي، في كونها نصوصاً مسرحية، وقصصاً قصيرة ونصوصاً شعرية ونصوص الجرائد إلى جانب الارتجاليات الشبابية.
توليفة كاملة ومختلفة لكنها لا تبتعد عن أجواء الكتابة اليومية التي نقرأها في الجرائد الصادرة كل صباح.
هكذا كان عمله المسرحي »صفحة في جريدة«، ولأن السعداوي من المخرجين المخلصين للمسرح فلا يمكن أن ينفصل عنه.
فكم من الليالي والأيام جمعتني بهذا الفنان المتجدد، إما في مقر مسرح الصواري وإما في إحدى المقاهي، وفي كل مرة اراه يفاجئني بالجديد، أنه عاكف على التدريب لمسرحية جديدة، فما كان مني إلا أن أحمل أوراقي وقلمي واذهب إليه، وافضح ما به من حكايات مسرحية جديدة.
وقد جمعني أكثر من حديث معه، وجل هذه الأحاديث التي جمعتني به دارت عن الحياة وعن المسرح بالخصوص، وعن أعماله الجديدة قال لي: إنني أعمل على نص جديد، وكان الكلام يومها عن نصه الذي اختاره من الأدب الفارسي للكاتب المسرحي الايراني »جوهر مراد«.