بريد القراء
عبدالناصر والسادات.. بين الاستراتيجية والتكتيك
تاريخ النشر : السبت ٢ يونيو ٢٠١٢
اتبع عبدالناصر خلال حياته السياسية منذ أن أصبح رئيساً للجمهورية عام 1954حتى وفاته عام 1970 سياسات استراتيجية، فبعد خيبة أمله في السياسات الأمريكية وتوقف الدعم الاقتصادي لتمويل مشروع السد العالي الذي يعتبر مشروعا استراتيجيا وحيويا للاقتصاد المصري أعلن عبدالناصر تأميم قناة السويس وهو قرار استراتيجي تستعيد من خلاله مصر سيادتها الوطنية على أكبر مشروع اقتصادي وحيوي، وإعادة الحقوق إلى أصحابها بالإضافة إلى أن قناة السويس تعتبر رافدا مهما للاقتصاد المصري حيث انها تمد الاقتصاد المصري آنذاك بمائة مليون دولار سنويا، وقد كان من أبرز نتائج التأميم أفول الاستعمار القديم (بريطانيا وفرنسا) بعد العدوان الثلاثي على مصر وبروز القطبين العالميين أمريكا والاتحاد السوفييتي السابق. كذلك فكت مصر عبدالناصر الارتباط بالمنظومة الغربية قبل التأميم عندما عقدت صفقة السلاح التشيكية بعد العدوان الاسرائيلي على غزة وعلى الرغم من قوة العلاقات التي نشأت بين مصر عبدالناصر والاتحاد السوفييتي السابق الا أن عبدالناصر أنضم إلى حركة عدم الانحياز كقرار استراتيجي للحياد الايجابي وعدم الدوران حول أي من الفلكين الغربي الرأسمالي أو الشرقي الشيوعي. كذلك شرعت مصر عبدالناصر في بناء اقتصاد اشتراكي ذو خطط تنموية خمسية كاستراتيجية لها لبناء اقتصاد وطني والتخلص من التبعية للغرب.
وقد كانت القومية والوحدة العربية رؤية استراتيجية لعبدالناصر وتوجها بالوحدة مع سوريا عام 1958 لكن للأسف لم تكتمل التجربة الوحدوية وحدث الانفصال عام 1961لأسباب يطول شرحها. بالطبع كانت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية غير راضية عن تلك الاستراتيجيات التي تتبعها مصر عبدالناصر لذلك قررت ضرب المشروع الناصري من خلال العدوان الاسرائيلي على مصر عبدالناصر وهزيمتها عسكريا عام 1967 وإثارة الخلافات العربية- العربية في سبتمبر 1970. على كل حال انتهى عصر الاسترتيجيات في مصر عقب وفاة عبدالناصر وتسلم السادات السلطة أواخر عام 1970. لقد اعتبر ان السادات رجلا تكتيكيا وليس رجلا استراتيجيا وقد اتضح هذا منذ البداية في حركة مايو التصحيحية حيث جرى التخلص مما اعتبرهم رجال عبدالناصر في السلطة. ونستطيع الزعم بأن حرب أكتوبر 1973 كانت تكتيكا بالنسبة له لعودة العلاقات مع الولايات المتحدة والسلام المزعوم مع اسرائيل. كما كان اعلان الانفتاح الاقتصادي ونقد بل نبذ الحقبة الاشتراكية السابقة لمصر عبدالناصر تكتيكا، حيث لم تكن هناك أي خطة استراتيجية لمرحلة انتقالية من الاقتصاد الموجه في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي إلى اقتصاد السوق. وقد وصف هذا الانفتاح من المثقفين المصريين بأنه «انفتاح سداح مداح». وقد كان رد فعل السادات على مظاهرات الطعام في 17 و18 يناير 1977 التي وصفها بأنها «انتفاضة حرامية» بأن اعتمد تكتيكا جديدا وهو السماح للقوى الدينية المتطرفة بالنزول إلى الشارع المصري والتصادم مع القوى اليسارية والناصرية، مما أدى في نهاية الأمر إلى تراجيديا اغتياله من نفس هذه القوى التي احتضنها ونماها.
ان من المؤسف له ان عصر الاستراتيجيات قد انتهى بغياب عبدالناصر وان عصر التكتيكات يبدو انه انتهى أيضاً بنهاية السادات، أما بالنسبة للثلاثين عاما التي قضاها خليفة السادات في الحكم فهي لم تكن إلا عصر السكون والجمود السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولهذا الموضوع حديث آخر.
إبراهيم الصباح