دراسات
هجمات قرصنة متبادلة بين واشنطن وبكين في الحرب الإلكترونية
تاريخ النشر : السبت ٢ يونيو ٢٠١٢
تتواصل هجمات القرصنة الالكترونية المتبادلة بين الدول التي تملك احدث وسائل التقنية والمعلوماتية، وفي طليعتها الصين والولايات المتحدة بحيث يمكن كتابة فصول مطولة عن بعض الهجمات التي سجلت بين هذين البلدين وأسفرت عن اصابات مباشرة لكليهما.
لطالما كانت الصين هي السباقة في شن هجمات القرصنة على أهداف أمريكية متفرقة، وقد تمكنت من سرقة الكثير من الأسرار والملفات الامريكية وعدد من الملكيات الفكرية والخبايا التكنولوجية. لكن في العام الحلي يبدو ان الطاولة ستنقلب على الصينيين بعد الكشف عن سلسلة هجمات نفذها قراصنة محترفون ضد مؤسسات دفاعية وتقنية ومعلوماتية صينية.
«أورينت برس» أعدت التقرير التالي:
فوجئ الوسط الإلكتروني أخيراً بنبأ قيام هاكر مجهول الهوية يطلق على نفسه اسم «هاردكور تشارلي» بالاستيلاء على الآلاف من الملفات والمستندات الداخلية الخاصة بإحدى الشركات الكبرى في الصين التي يدعي أنه حصل عليها من خلال اختراق شركة الاستيراد والتصدير الوطنية الصينية «سييك»، وهو اختراق يعد الأبرز من نوعه نظراً للحماية الالكترونية المتشددة التي تتبعها الشركات والمؤسسات الصينية.
على الرغم من ان تشارلي المتشدد ينفي انه امريكي بل يقول انه يعيش في بلد قريب من الولايات المتحدة فان جهات صينية سرعان ما وجهت أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة بأنها تقف وراء هذا الاعتداء، علماً أنه لم يصدر موقف مماثل عن الحكومة الصينية والتزم المسؤولون الصمت رافضين توجيه الاتهامات.
الهاكر المجهول تمكن من الاستحواذ على جملة ملفات تتعلق باستخبارات صينية في دولة ميانمار ودول آسيوية أخرى، وأيضا بمراقبة لعمليات الجيش الأمريكي في الشرق الأقصى، وقد أعرب عن أنه يخطط لاختراق شركات صينية أخرى في المستقبل القريب الأمر الذي دق نواقيس الخطر في بكين التي أعلنت حالة من التأهب الالكترونية.
قرصنة ضد الصين
بحسب التقارير الصينية فإن الشركة التي تعرضت للقرصنة، هي شركة «سييك» الرسمية التي تتولى عقود الدفاع لجمهورية الصين بالإجمال. لذلك فقد تراوحت الملفات المسروقة من قبل هاردكور تشارلي بين مذكرات عمل داخلية وبيانات حول تنقلات وقواعد الجيش الأمريكي في شرق آسيا بما فيها معلومات عن الجهود الأمريكية في الحرب على أفغانستان وغيرها.
وعلى طريقة ويكيليكس قام الهاكر بنشر هذه الملفات على شبكة الانترنت ضمن جزأين: يحوي الأول منها 78,277 ميجابايت من المستندات والثاني 3,228 ميجابايت ورفعها إلى موقع مخصص لاستضافة الملفات، ورغم ان الاطلاع المبدئي على الملفات لا يتيح التأكد من صحتها وموثوقيتها فان جهات معينة في الصين أكدت ان الهاكر اخترق أجهزة كمبيوتر الشركة بالفعل.
مجهولون في عالم القرصنة
في السياق عينه، كانت تقارير صينية قد تحدثت عن عمليات قرصنة تتعرض لها مواقع شركات ومؤسسات وإدارات صينية عدة، وأكدت التقارير أن مجموعة «أنونيموس» أو «مجهولون» التي نفذت عمليات قرصنة في دول عدة ليس اقلها بريطانيا والولايات المتحدة، بات لديها الآن فرع مخصص للهجوم على مواقع صينية وقرصنتها بحيث قرصنت المجموعة 485 موقعا تابعا للحكومة والشركات الحكومية الصينية معظمها عاد إلى العمل مجددا ولكن عددا كبيرا منها أعيد تشويه صفحته الرئيسية مرة أخرى بعد إعادتها إلى العمل.
ومن خلال الرسائل التي خلفتها على المواقع، يبدو ان المجموعة تحاول اطلاق ثورة في بكين ضد النظام الحالي، وفي احدى الرسائل اكدت «انونيموس» انه «طوال هذه السنوات فرضت الحكومة الصينية قوانينها على الناس بطريقة غير عادلة وغير صحية، أيها الشعب كل واحد منكم يعاني طغيان هذا النظام، ناضلوا من أجل العدالة والحرية والديمقراطية». وجاء في رسالة أخرى «اليوم يتم اختراق المواقع وغدا يأتي دور نظامكم الدنيء، لا شيء سيوقفنا، لا غضبكم ولا أسلحتكم. أنتم لا تخيفونا، لأنه ليس بإمكانكم إخافة فكرة».
كذلك، كشف تقرير حول أمن شبكة الإنترنت أصدره مركز التنسيق الصيني للاستجابة للطوارئ عن أن الصين عانت الكثير بسبب هجمات خارجية لقراصنة الكمبيوتر عام 2011، حيث تعرض 8,9 ملايين جهاز كمبيوتر صيني لهجمات استهدفت شبكة المصارف ونظام مراقبة الأمن الصناعي، بالإضافة إلى أمن الهاتف النقال.
وأكد التقرير ان الولايات المتحدة كانت مصدر معظم الهجمات، وأن 65 في المائة من الهجمات تمت ببرمجيات خبيثة بما في ذلك فيروسات و«أحصنة طروادة».
الضحية الامريكية
ورغم محاولة الصين الظهور بمظهر الضحية فانها من جهتها نفذت سلسلة عمليات قرصنة للاستيلاء على مواقع وأسرار أمريكية عدة، ليس آخرها قيامها بالاستيلاء على بيانات شركة أدوية أمريكية، بحيث قام القراصنة بنسخ برنامج أبحاثها الذي امتد إلى مدى عشر سنوات والذي كلف مليار دولار في ليلة واحدة.
وقد قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي روبرت مولر: إن الاعتداءات الإلكترونية ستصبح قريبا أبرز مصدر قلق بالنسبة إلى الوكالة بدل الإرهاب لأن القراصنة الخارجيين، تحديداً من الصين، يخترقون حواسب الشركات الأمريكية ويسرقون كميات هائلة من البيانات القيمة والملكيات الفكرية.
في الواقع، حتى لو علمت الجهات الرسمية بهجوم القراصنة في وقت مسبق فإنها لن تتمكن من التدخل بشكل مباشر لوقف الاعتداء لأن جميع الوكالات الفيدرالية الامريكية لا تملك اليوم الإذن بالتحرك، وجل ما بإمكانها ان تفعله هو ان تخطر الشركة المستهدفة بالعملية قبيل وقوعها على امل ان تتمكن الجهة الضحية من اتخاذ تدابير وقائية فاعلة. لكن المؤسف في مجال القرصنة هو ان معظم الشركات والإدارات لا تعرف أنها تعرضت للقرصنة إلا في حال تم تسريب المعلومات والملفات التي سرقت من قبل القراصنة، وفي بحث أخير، تبين أن 94 في المائة من الشركات الامريكية التي تشغلها شركة «مانديانت» المختصة بأمن الحواسب لم تعرف أنها وقعت ضحية القرصنة، فحثت لجنة الأوراق المالية والبورصات الشركات على الكشف عن الحالات التي تتعرض فيها للتجسس الإلكتروني، لكن معظم الشركات لا تلتزم بذلك تخوفاً من أن تفقد ثقة العملاء والزبائن. في المقابل، اعترف بعض الشركات مثل «سوني، وسيتي تيك» و«لوكهيد» و«بوز الن» و«جوجل» و«اي ام سي» و«ناسداك» بأنها وقعت ضحية القرصنة. إلى ذلك، تم اختراق المختبرات الوطنية التي تملكها الحكومة ومراكز الأبحاث الممولة من الدولة.
تبرير الفشل
وفي تبرير لعدم قدرتها على التصدي لهجمات القراصنة ولاسيما الصينيين، تقول إدارة الرئيس الامريكي باراك أوباما انها تخشى ان تعتبر الرقابة الحكومية غطاء للتجسس غير الشرعي وانتهاكاً لخصوصية المواطنين، لذا لم تحاول إعداد اقتراح لرصد ووقف عمليات التجسس الصناعي الواسعة النطاق. كذلك، تشعر الإدارة الأمريكية بالقلق من صدور ردة فعل سلبية عن المدافعين عن حق الخصوصية وحرية الإنترنت كونهم لا يؤيدون أن تراقب الحكومة حركة الإنترنت. على صعيد آخر، يخشى البعض في الإدارة الأمريكية تضرر العلاقات مع الصين. ومن ناحية أخرى يخاف مسؤولون امريكيون آخرون من أن تؤدي المواجهة الالكترونية مع الصين إلى إطلاق اعتداءات خطرة على البنى التحتية الأمريكية الهشة التي تعمل على الحواسب.
لكن من خلال الامتناع عن التحرك، تقدم واشنطن مستلزمات البحث التي تحتاج إليها الصين بينما تسهم في فقدان الأمريكيين وظائفهم اذ ان القراصنة الصينيين يسرقون الكثير من الملكيات الفكرية وبراءات الاختراع وتفاصيل المناقصات. لذا هناك فئة كبيرة في الداخل الامريكي تعتبر انه يجب أن يواجه الرئيس أوباما هذا التهديد الإلكتروني وهو لا يحتاج أصلاً إلى أي صلاحية جديدة من الكونجرس للقيام بذلك.
وتعتبر هذه الفئة انه «وفق صلاحيات مصلحة الجمارك الأمريكية، يمكن أن تراقب وزارة الأمن الوطني ما يدخل إلى الولايات المتحدة ويخرج منها في الفضاء الإلكتروني. وتبحث مصلحة الجمارك أصلاً على الإنترنت عن المواقع الإباحية للأطفال وتتجاوز الحدود الافتراضية للولايات المتحدة، لذلك يمكنها أن توسع نطاق عملها لحماية الشركات الأمريكية. ووفق قانون الاستخبارات، يمكن أن يصدر الرئيس قراراً يسمح للوكالات الأمنية الأمريكية بمسح حركة الإنترنت خارج الولايات المتحدة ومصادرة الملفات الحساسة المسروقة من داخل الحدود الأمريكية. ولا داعي لأن تهدد هذه التدابير خصوصية المواطنين، فيمكن أن يفرض أوباما تدابير وقائية مثل تعيين مُدافع عن الخصوصية لوقف الانتهاكات أو أي نشاط يتجاوز حدود منع سرقة الملفات المهمة. إذا لم يتحرك الكونجرس لحماية الشركات الأمريكية من التهديدات الإلكترونية الصينية، فيجب أن يتحرك الرئيس أوباما».