رسائل
هيمنة إيرانية سياسية واقتصادية على بغداد في ظل حكومة المالكي
تاريخ النشر : السبت ٢ يونيو ٢٠١٢
كما تفعل الصين بالولايات المتحدة، بحيث تصدر إليها منتجات رخيصة بأكلاف زهيدة لتنافس البضائع الأمريكية بحدة، بدأت إيران تحذو حذو بكين وتفعل المثل بالعراق. فقد ارتفعت صرخات التجار والصناعيين العراقيين بعدما شهدت بلادهم موجة تدفق منتجات رخيصة ومتدنية الجودة من إيران إلى أسواقهم، ما يفرض منافسة شديدة على السلع المحلية الصنع وان كانت جودتها اكبر، وبالتالي يصعب أن تدخل السلع العراقية في المنافسة.
وفي المقام الأول، تركز الواردات الايرانية على قطاعي البناء والتجزئة في المدن حيث النفوذ الإيراني كبير، كجزء من استراتيجية طهران لفرض نفوذها في العراق ليس سياسياً فحسب بل تجارياً أيضاً.
انطلاقا من هنا يحاول العراق اليوم البحث عن شركاء جدد، ويبدو ان دول الخليج تأتي في طليعة اهتماماته.
«أورينت برس» أعدت التقرير التالي:
يتذمر الكثير من العراقيين من سطوة إيران الكبيرة على العراق، ومحاولاتها المستمرة لاستغلاله نفطياً واقتصادياً وسياسيا. وقد تفاقمت حدة الاستنكارات للهيمنة الايرانية في العراق ولاسيما بعدما بدأت الجمهورية الاسلامية تصدر سلعا وبضائع باكلاف وأسعار زهيدة ومتدنية الجودة لتنافس فيها قطاع الصناعة العراقي الذي يلملم انفاسه ويحاول الوقوف على قدميه مجددا والعودة إلى سابق عهده بعد الحرب الدامية التي اقعدته لسنوات.
استياء خليجي
يدرك الجميع أن نفوذ إيران في العراق يشهد نموا متزايدا، وفي حين يظن البعض أن ميل الكفة السياسية العراقية إلى إيران هو أمر طبيعي ولا مفر منه، نظراً إلى الميول الطائفية هناك، وقرب المسافة بين البلدين. يرى البعض الآخر انه لابد من التدخل لمساعدة العراق للخروج من تحت السيطرة الايرانية التي يحاول نظام ولاية الفقيه تعزيزها. وهناك بعض الدول الخليجية التي تسعى إلى توسيع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع بغداد.
وفي مقابلة حديثة، صرح وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أن العلاقات مع الخليج تتجه إلى إحراز تقدم ملحوظ. وإذ أكد حدوث بعض التقدم نحو حل النزاعات القديمة. بحسب قوله، تعهدت قطر بالتفكير في احتمال استئناف علاقاتها الدبلوماسية خلال سنة، ومن المتوقع أن تفتح المملكة العربية السعودية معبر عرعر الحدودي لتعزيز التجارة مع العراق، أما الدول المتبقية فلديها تمثيل ديبلوماسي في العراق أصلاً.
وقد عينت السعودية سفيراً غير مقيم في بغداد في فبراير من العام الحالي، لكنها رفضت مع دول الخليج الأخرى إرسال وفود عالية المستوى إلى قمة جامعة الدول العربية التي عقدت هناك في آذار/مارس المنصرم. بسبب قلة الثقة والشكوك المتبادلة التي ترسخت خلال عهد رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي الذي أقام في إيران طوال عشر سنوات وابتعد في سياساته عن دول الخليج. إلا ان الضباب في العلاقات بدأ ينقشع تدريجياً في الآونة الاخيرة وقد نشهد تغيراً في المشهد العام اذ تتعدد الأسباب التي تبرر ضرورة أن تتقرب دول مجلس التعاون الخليجي من العراق بدلاً من أن تبتعد عنه.
أسباب التقارب
هناك أسباب عدة قد تدفع العراق إلى التقرب من دول الخليج وإرساء علاقات طبيعية ومتينة معها لعل اولها ضعف النظام السوري الراهن جراء الاضطرابات التي تعصف في بلده. وبالتالي، سيحتاج العراق إلى إعادة التواصل مع الخليج، ولا يعود ذلك حصراً إلى حجم التبادل التجاري السنوي الذي يصل إلى ملياري دولار بين العراق وسوريا، بل لأن النظام الذي سيخلف بشار الأسد سيكون أكثر وداً مع الخليج على الأرجح. أما في حال عدم سقوط نظام الاسد فعلى الارجح ان التبادل التجاري سينخفض جراء الازمات التي عصفت بالاقتصاد السوري.
ثم يبرز العامل الاقتصادي. فمن المنتظر أن يتحول العراق إلى ثاني أهم مصدر للنفط بعد السعودية، متفوقاً بذلك على إيران، في نهاية هذا العقد. إذا حدث ذلك فسيتغير ميزان القوى، وسيصعب على إيران أن تفرض نفوذها في العراق. إلى حين حصول ذلك، يحتاج العراق إلى الدول الخليجية المجاورة له كونها في موقع يخولها الاستثمار في البلد ولاسيما في قطاع الطاقة والنفط التي تعرفه جيدا.
من المعروف أن التجارة بين إيران والعراق أهم من التجارة القائمة بين العراق وأي دولة خليجية كونها تبلغ 10 مليارات دولار سنوياً، لكن تتراجع الاستثمارات الإيرانية إلى مستويات أدنى بكثير إلى نصف مليار دولار في عام 2009، و200 مليون دولار في عام .2010 وقد تصدرت الإمارات العربية المتحدة، وهي الدولة الخليجية الوحيدة التي تستثمر بنسبة هائلة في العراق، لائحة المستثمرين الخارجيين في عام 2009 بقيمة تتجاوز 37 مليار دولار، وارتفعت هذه النسبة إلى 66 مليارا في السنة الماضية. ولم يفت الأوان كي تحذو الدول الخليجية الأخرى حذوها.
يشتكي العراقيون من تدفق منتجات رخيصة ومتدنية الجودة من إيران إلى أسواقهم، ما يصعب أن تدخل السلع العراقية في المنافسة، وتركز الاستثمارات الإيرانية على قطاعي البناء والبيع بالتجزئة في المدن الشيعية كجزء من استراتيجية طهران لفرض نفوذها داخل العراق. فلا تفوت جمهورية إيران الإسلامية أي فرصة لفرض سيطرتها وسطوتها في العراق. وتعتبر طريقة تعامل إيران مع القوة السياسية في العراق خير مثال على ذلك. وقد بدأت نسبة تأييد إيران في استطلاعات الرأي تتراجع، ولا يحصل ذلك في أوساط السنة حصراً، بل بين فئات الشيعة أيضاً. ويوماً بعد يوم يزداد عدد العراقيين الذين يعتبرون أن إيران تبالغ في التدخل في بلدهم.
الدين ايضاً
أخيراً، نصل إلى عامل الخصومة الدينية. فالمؤسف ان إيران بدأت تفرض سطوتها حتى في مجال الدين. وهنا الحديث لا يتعلق بالمسلمين العراقيين عامة بل بالشيعة العراقيين الذين يعانون من هيمنة إيران الدينية. ويقاوم رجال الدين الشيعة في العراق النفوذ الإيراني أصلاً، إذ تحاول «حوزة النجف» وهي أقدم مركز تعليمي للشيعة في العالم استعادة نفوذها، بعد أن غطت عليها «حوزة قم» في إيران منذ عام .1979
هذا ومن الجدير ذكره انه تختلف مدينتا النجف وقم حول مفهوم القيادة الدينية. من المعروف أن النجف تمثل تقليدياً الحوزة الصامتة التي تعتبر أن دور رجال الدين يقتصر على حشد المؤمنين من دون قيادتهم سياسياً. في المقابل، تعتبر مدينة قم أن رجل الدين يستطيع قيادة المؤمنين حتى مجيء الإمام المنتظر لذلك هم يولون المرشد الاعلى جميع شؤون البلاد.
بسبب هذه الخصومة، يقال إن إيران تستعد لتنصيب آية الله محمود هاشمي شاهرودي المقيم في مدينة قم وهو رجل دين عراقي يتبنى مبادئ حركة الخميني لقيادة الشيعة في العراق خليفة آية الله علي السيستاني، وهو المرجعية الاولى في حوزة النجف. وقد التقى رئيس الحكومة العراقية المالكي شاهرودي خلال زيارته الرسمية لإيران في الشهر الماضي.
لا شك في أن الانتماءات الطائفية تلعب دوراً أساسياً في تحديد معالم السياسة العراقية، لكن يجب فهم أسباب ذلك في هذا السياق. بالنسبة إلى العراقيين بكافة اطيافهم وطوائفهم، لاتزال الجروح التي خلفتها الحرب المدمرة التي خاضوها ضد إيران حية في ذاكرتهم، ولايزال الألم الجسدي والنفسي يطارد آلاف الرجال والنساء هناك. فضلاً عن ذلك، تبرز المشاعر الوطنية المتأججة في المنطقة غداة الربيع العربي.
لكن في المحصلة لابد من التأكيد على ان العراق ليس أداة بيد إيران كما يظن البعض، من هنا لا ينظر الخليج إلى العراق انطلاقاً من روابطه مع إيران. أمام الدول الخليجية خيار اليوم في اعادة العلاقات مع العراق إلى مجراها الطبيعي لتبعده تدريجياً عن المحور الإيراني عبر عملية التواصل والتعاون.