الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٩٠ - الأحد ٣ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١٣ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافة السياسية

حرية التعبير والأخبار الكاذبة





دائماً ما ينظر إلى حرية التعبير على أنها تتم في وسائل الإعلام المختلفة سواءً كانت تقليدية أم غير تقليدية، وبالتالي فإن حرية التعبير لا تعني قدرة الفرد على إبداء آرائه ومواقفه تجاه مختلف القضايا عبر وسائل أخرى. فهذه وجهة نظر خاطئة، إنما حرية التعبير تشمل إبداء الآراء والمواقف حول مختلف القضايا عبر جميع الوسائل وبشكل منضبط لا يسيء إلى الآخرين، ولا يؤدي إلى خلق الفوضى داخل المجتمع.

البعض يرى أن حرية التعبير تتيح للجميع هامشاً واسعاً من الحرية من دون التقيد بضوابط أو قيود تجاه التعبير عن الرأي، وهذا ليس صحيحاً، فالحرية وُجدت لتنضبط وتنظم العلاقات داخل المجتمع، سواءً بين الأفراد والأفراد، أو بين المؤسسات والأفراد، أو حتى بين المؤسسات والمؤسسات نفسها.

وإذا كانت حرية التعبير أساساً لضبط وتنظيم حرية الأفراد فإنها تقتضي أيضاً أن يتم تنظيم كل المجالات المرتبطة بها وتحديداً مظاهر هذه الحرية، وتشمل: وسائل الإعلام المتعددة، القوانين والأنظمة، جميع مظاهر حرية التعبير الأخرى مع تطور الوسائل التكنولوجية المتعددة.

في ضوء ذلك جاء قانون العقوبات البحريني الصادر في عام ١٩٧٦ لينظم حرية التعبير وفقاً للحقوق المُقرّة في الدستور. اللافت في تلك الفترة أن وسائل التعبير عن الرأي كانت محدودة في سبعينيات القرن العشرين، فعلى سبيل المثال لم تكن وسائل الإعلام مثل الفضائيات موجودة، باستثناء القنوات التلفزيونية الأرضية، بالإضافة إلى عدم وجود شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). ولذلك كانت فرصة نشر الأخبار الكاذبة والبيانات غير الحقيقية محدودة، ولكن مع تطور وسائل الإعلام المتعددة اليوم بفضل التطور التكنولوجي الكبير خلال العقود القليلة الماضية، ظهرت وسائل إعلامية متطورة صار من الصعب التحكم فيها وضبط حرية التعبير من خلالها، لأن تطورها التكنولوجي يفوق القدرة على التحكم والضبط.

هذه الظروف خلقت واقعاً جديداً يتطلب إعادة النظر في القوانين الوطنية لضمان عدم إساءة استخدام وسائل التعبير المختلفة في التعبير عن الرأي بنشر الأخبار والبيانات الكاذبة.

ويلاحظ أن قانون العقوبات نظم عقوبة إساءة استخدام حرية التعبير بنشر أخبار أو بيانات كاذبة، حيث ينص في المادة ١٦٨ على المعاقبة بـ «الحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالغرامة التي لا تتجاوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من أذاع عمداً أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة إذا كان من شأن ذلك اضطراب الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة».

كما تنص المادة ١٦٩ على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالغرامة التي لا تجاوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من نشر بإحدى طرق العلانية أخبارا كاذبة أو أوراقا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا إلى الغير إذا كان من شأنها اضطراب السلم العام أو الاضرار بالصالح العام أو بالثقة المالية للدولة. فإذا ترتب على هذا النشر اضطراب السلم العام أو الاضرار بالصالح العام أو بالثقة المالية للدولة كانت العقوبة الحبس».

مثل هذه النصوص القانونية قد تكون مناسبة لأجواء وظروف السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، ولكن تطور المجتمع البحريني يتطلب تحديثاً تشريعياً وتطويراً لهذه النصوص بما يتناسب مع الوضع الحالي. لذلك طرح المشاركون في حوار التوافق الوطني الذي أقيم خلال صيف ٢٠١١ مجموعة من المرئيات بهدف إعادة تنظيم هذه العقوبة وتطويرها بما يتناسب مع منع استغلال وسائل الإعلام المختلفة لبث أخبار كاذبة أو بيانات غير حقيقية لضمان الحفاظ على السلم العام والأمن الأهلي.

وبعد انتهاء حوار التوافق الوطني أعلن مجلس الوزراء موافقته على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالمرسوم بقانون رقم (١٥) لسنة ١٩٧٦، حيث يهدف التعديل إلى تنظيم ممارسة الحق في حرية التعبير وتجريم إذاعة الأخبار الكاذبة بشكل متعمد التي من الممكن أن تحدث ضرراً بالأمن الوطني أو بالنظام العام أو بالصحة العامة أو تحرض على العنف أو النشر بإحدى الطرق العلانية لمحررات أو أوراق أو صور مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذباً إلى الغير إذا كان من شأنها اضطراب السلم الأهلي أو الإضرار بالصالح العام أو بالثقة المالية للدولة.

وقد أكد وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف أن الحكومة حرصت على أن تكون هذه التعديلات الجديدة متماشية مع متطلبات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صدقت عليه مملكة البحرين في ١٢ أغسطس ٢٠٠٦ وخاصة ما يختص بالحق في حرية التعبير في الإطار الضروري اللازم لمجتمع ديمقراطي.

ما زال مشروع قانون تعديل قانون العقوبات تحت البحث والدراسة في أروقة السلطة التشريعية (البرلمان)، ولكن المهم هنا فهم عمق العلاقة بين حرية التعبير والأخبار الكاذبة، فالحرية لا تعني أنها مطلقة وغير منظمه أولا يمكن تنظيمها وتقنينها لترشيد استخدامها وممارستها. بل يجب أن يكون هناك وعي لدى الأفراد والمؤسسات بأن استخدام الحرية لا تعني الفرصة لاستغلالها بشكل خاطئ حتى وإن تطورت أدوات التعبير عن الرأي ووسائل الإعلام بفضل التكنولوجيا الحديثة.

أيضاً من المهم أن تكون هناك استمرارية في ضبط وتنظيم حرية التعبير دائماً والقوانين المنظمة لها مع تغيّر الظروف وتبدلها لضمان وجود توازن بين حرية التعبير وممارساتها وبين ضبطها وتنظيمها. ولكن هذا الضبط لا يعني المساس بحرية الأفراد وحقهم في استخدام حرياتهم لتحقيق مصالحهم وإبداء آرائهم بحرية تامة، فحرية التعبير كبقية الحريات تنتهي عندما تتعدى على حريات الآخرين.

معهد البحرين للتنمية السياسية

للتواصل info@bipd.gov.bh







































.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

    الأعداد السابقة