عالم يتغير
الضغط الأمريكي: دولة لا تمارس حقوقها
ومعارضة لا تعترف بواجباتها
تاريخ النشر : الأحد ٣ يونيو ٢٠١٢
فوزية رشيد
} في مقالنا الأخير (حتى لا نزايد بديمقراطيتنا على ديمقراطية دول المصدر) طرحنا فكرة مفادها أن الديمقراطية الغربية تضع وبشكل واضح سواء أمام مواطنيها، أو أمام معارضيها خطوطا حمرا، على الرغم من الحريات والديمقراطية، لا يمكن تجاوزها بأي شكل، وان كل حق ديمقراطي مكتسب يقابله واجب أصيل تجاه الوطن وحقوق وحريات الآخرين، وأن لا مجال لاستغلال أي من آليات الديمقراطية بما يمس أو يهدد الأمن الوطني أو الأمن القومي، أو إثارة النعرات المهددة للسلم الأهلي أو الاستقرار، مثلما لا مجال للولاء لغير الوطن سواء في الديمقراطية الغربية أو غيرها، ولا مجال للتلاعبات أو التجسس أو الخيانة في حق الوطن، أو الإضرار بمصالح الدولة والناس، أو تعطيل الخدمات، أو ضرب الاقتصاد، أو ممارسة العنف والإرهاب أو التمويل الخارجي للعمل ضد البلاد، فكل تلك الممارسات تدخل فورا في باب الجريمة والجنايات والإرهاب وعلاجها (الأمن + القانون + إسقاط حقوق المواطنة) لأنه باختصار الديمقراطية في الغرب أو في أي مكان آخر هي آلية لبناء الوطن وتطويره وليست لهدمه أو إعاقته عن النمو والتطور، وهكذا يبرز إلى السطح المعياران الأخلاقي والقانوني لتصنيف المواطنين ما بين مواطن صالح ومواطن طالح، والأخير تتعطل حقوقه تلقائيا مادام لا يقوم بواجباته ولا يتحمل مسئولياته، وبالتالي فلا الحريات ولا الآليات الديمقراطية فضاء مفتوح في الغرب، لكي يستغلها من يريد استغلالها من المواطنين للإساءة إلى الوطن ثم يأتي بعدها ليتشدق بحقوق الإنسان أو حرية التعبير، بعد أن ينتهك حقوق وحريات الآخرين أيضا وليس الوطن وحده.
} إذاً السؤال إذا كانت الديمقراطية البحرينية لا تنتمي في جوهرها إلى الديمقراطية الغربية، التي للغرابة تبتز دولها الدولة البحرينية بطلب المزيد، على الرغم من «السيولة الديمقراطية البحرينية» فإلى أي ديمقراطية هي تنتمي في ظل الممارسات وليست النظرية أو المبادئ النظرية أو الكلام المسهب؟
ببساطة ومن زاوية ما نراه على أرض الواقع وحسب تعبيري، تنتمي ديمقراطيتنا إلى «الديمقراطية المفتوحة» أو «الديمقراطية الفوضوية»، وهذا النمط المناقض للديمقراطيات الغربية تماما، هي للعجب الديمقراطية التي يعمل الغرب وتعمل أمريكا على ترسيخها في البحرين وفي بلدان عربية أخرى، تعاني خلل العلاقة بين حقوق الدولة ومسئولية المعارضة، وبالتالي هي ذات الدول التي تعتبر ما تمارسه «المعارضة الراديكالية الشيعية» في البحرين من تخريب وفوضى وإرهاب وديكتاتورية وخيانة وعمالة وولاء للخارج، أنها تدخل في بند حقوق الإنسان وحرية التعبير، فيما ذات الممارسات عينها تعتبرها في بلدانها إن حدثت داخلة في باب الإرهاب والجرائم، وبما يستحق الأمر معه أقصى وأشد أنواع العقوبات، وإسقاط حقوق المواطنة.
} من هنا فإن البحرين أمام مفترق طريق ديمقراطي حقيقي اليوم، فهي إما أن تصنف نفسها في إطار الديمقراطيات المعروفة والمشهود لها في العالم وتتمسك بحقوقها كدولة في إطار الديمقراطية والإصلاح، اللذين يعتبران آلية ثابتة لنمو الوطن وتطويره وتطوير حياة المواطنين، ومن بينها حقوق الإنسان وحرية التعبير وبما يقابلهما من أداء واجبات «المواطنة الصالحة» وتحمل المسئوليات، وإما أن تستمر تحت النفاق السياسي الغربي، وتحت ضغوط بعض دوله وعلى رأسها أمريكا، وتحت ابتزازهم لمعايير الديمقراطية والحريات وأداء المعارضة الصحيحة، وكما هي في الغرب، وإما أن تعمل الدولة بما يخالفها في البحرين، وبما يؤدي إلى الوصول إلى (الديمقراطية الفوضوية)، التي تعجز معها الدولة البحرينية عن ممارسة حقوقها كدولة، ومعاقبة الجهات التي تتنوع إساءاتها إلى المواطنين وللوطن، لمجرد أنهم يُسمون أنفسهم معارضة مدعومة من الخارج، وهذا ما يحدث اليوم.
} هنا تصبح مثل هذه المعارضة قادرة بالطبع على ممارسة كل أشكال وأنواع الإرهاب التي تمارسها بحماية أمريكية أو غيرها، وبما لا تسمح أمريكا نفسها بذات الممارسات في بلدها، فيما تكون الدولة عاجزة عن تطبيق حقوقها عبر القانون والردع والمحاسبة ووفق الإطار الديمقراطي، لتضيع معها هوية الديمقراطية ذاتها، فتنتقل من كونها آلية للبناء والتطوير ـ كما قلنا ـ لتصبح آلية للهدم والإعاقة والفوضى وإسقاط الدولة، وفي خضم ذلك تضيع بالطبع حقوق وحريات الغالبية من المواطنين، الذين من أبسط حقوقهم ألا تتعدى أي فئة، مهما كانت، أو جماعة تحت مسمى المعارضة، على أمنها وحريتها واستقرارها وحقوقها.
} اليوم تضغط الولايات المتحدة على الدولة لفتح أبواب الحوار مجددا، لذات الجماعات وعلى رأسها «الوفاق» بعد كل الجرائم وأشكال الإرهاب التي تمت ممارستها من جانبهم، من دون أي قيد أو التفات إلى ما عليها من واجبات ومسئوليات ومن دون عقاب، ليتم إجبار الدولة باعتمادها مجدداً كمعارضة رشيدة وصالحة، فيما الغالبية الشعبية ترفض رفضا باتا كل وجوهها وسلوكاتها، وتدرك أن المسألة هي الضغط من أجل «تمكين» هؤلاء في مسارب الدولة، أي مكافأتهم بدلا من معاقبتهم ونبذهم وحصارهم، للتأكيد أن الديمقراطية المطلوبة أمريكيا في البحرين هي «الديمقراطية الفوضوية» التي ستفتح الباب يوما بعد يوم للتذمر الشعبي العام، في حالة مكافأة الخونة والعملاء، ومن شوهوا صورة البحرين وأساءوا إليها بكل الإساءات، فذلك وحده كفيل بإشعال نار هذا «التذمر الشعبي الكامل» لدى المواطنين الشرفاء، بما يعني أن الضغط الأمريكي هو اليوم يريد دفع البحرين مجدداً إلى زاوية الأزمة المكثفة فيما الأمريكي يُصور نفسه بأنه يدفع إلى الحلول.
هو فخ أمريكي جديد بامتياز لا يقبله شرفاء هذا الوطن، فلا «الوفاق» ولا أتباعها معارضة رشيدة أو صحيحة، بل هم يريدون بعد الفشل الذريع لانقلاب فبراير2011 ، أن يتوغلوا مجددا بشكل مفتوح إلى مرافق البلاد ووزاراتها ومناصبها، لكي يقوموا مجددا بتنفيذ ذات الأجندة الانقلابية، وهذا يدفعنا إلى أن نهمس بصدق في أذن من يمتلك القرار: «الميزان في صالحكم كدولة فلا تقلبوه ضدكم مهما بلغ الابتزاز الأمريكي أو الغربي، ومهما بلغت ضغوطهم، ومهما تلونوا اليوم أمامكم باللون الوردي، فهؤلاء كالحرباء يتلونون حسب الحاجة، ليعيدوا الكرة مجددا.. وقد سقط القناع وبان الوجه الحقيقي للجميع: أمريكا وإيران والعملاء والأتباع، ومن حق الدولة أن تميز بين المواطن الصالح وما يستحقه وبين المواطن الطالح وما يناله من عقاب، فالغرب نفسه يميز بين مواطنيه على هذا الأساس، ولم يرفع هناك أحد ملفا اسمه ملف التمييز، وهو في البحرين لمجرد الابتزاز، مع انعدام الثقة».
كل الأزمات صادرة عن محاولة استرضاء من لا يقوم بدور المواطن الصالح، ومن لا يتحمل مسئولياته ولا يقوم بواجباته.