الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين

قراءة في خطاب رئيس الوزراء أمام منتدى الآسيان
سموه شديد الاهتمام بمستقبل العلاقة بين مجلس التعاون ودول شرق آسيا

تاريخ النشر : الأحد ٣ يونيو ٢٠١٢



شكلت كلمة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء التي ألقاها أمام المنتدى الاقتصادي لشرق آسيا «الآسيان»، الذي عقد في تايلند في 31/5/2012 بحضور رؤساء دول وحكومات من رابطة الآسيان بلورة لرؤية حقيقية لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول رابطة الآسيان؛ وخاصة أن كلمة سموه تزامنت مع اتخاذ خطوات جادة في بلورة الاتحاد الخليجي الذي سيكون عاملا مؤثرا في زيادة وتيرة التعاون مع الآسيان. حيث أكد سموه ان دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الآن بصدد الوصول إلى مرحلة الاتحاد بما يحقق لهذا التجمع افاقا اقتصادية وسياسية كبيرة وينعكس ايجابا على شعوب المنطقة ويفتح آفاقا جديدة للتنمية الاقتصادية ويحقق للمنطقة كتلة اقتصادية تقـدر بـ 1 تريليون دولار.
ولم تأت دعوة سموه للمشاركة في هذا المنتدى العالمي المهم من فراغ، إذ أن سموه أحد الشخصيات الدولية التي حققت لوطنها سمعة طيبة في مجال التنمية البشرية والمستدامة، مما جعل مملكة البحرين في صدارة تقارير التنمية البشرية الاقليمية والدولية، وأصبحت نموذجا في مجال النهضة والتطوير.
ومن هذا المنطلق، جاءت الكلمة الشاملة والجامعة التي ألقاها سموه أمام المنتدى لتتضمن قراءة عميقة لواقع الاقتصاد الدولي، والتحديات التي تواجهه، ونظرة مستقبلية لما يجب على المجتمع الدولي إنجازه من أجل تحقيق آمال الشعوب في الرخاء والتنمية، ولذلك كان محور كلمة سموه عن الأزمات التي يواجهها الاقتصاد العالمي من حين لآخر وأهمية التعامل معها بشكل جاد وموضوعي للتخفيف من أضرارها السلبية وبما يضمن الاستمرار في تنفيذ الأهداف التنموية لمكافحة الفقر، وزيادة معدلات فرص العمل، وتطوير الرعاية الاجتماعية والصحية.
وأشار سموه إلى الأهمية التي يحظى بها تكتل الآسيان كتكتل اقتصادي عالمي وأهمية إعادة صياغة مستقبله، كما حدد طبيعة الظروف الاقتصادية الدولية التي تفرض على دول التكتلين العمل على تحقيق شراكة اقتصادية وتنموية تعود بالنفع على شعوب المنطقتين، أيضًا حرص على استعراض المميزات الاقتصادية التي يتمتع بها كل تكتل والتي تحفزهما على المضي قدمًا في طريق التعاون.. ذلك التعاون الذي ستتضاعف ثماره بالتأكيد للجانبين إذا ما انضمت الصين واليابان وكوريا الجنوبية الى الرابطة بحسب ما هو مقرر.
والواضح من كلمة سمو رئيس الوزراء أن هناك إدراكا كاملا من جانبه لأهمية أن يكون هناك تعاون بين دول مجلس التعاون وبين التكتلات الاقتصادية الكبرى في العالم والتي يعد الآسيان واحدًا منها سواء تحركت هذه الدول فرادى في اتجاه هذه التكتلات أو تحركت بصورة جماعية في إطار منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية.. فالتحديات والأزمات الاقتصادية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة كان لها تأثيراتها على اقتصادات كثير من الدول.
ومن الصعب على أي دولة محدودة الإمكانيات أن تواجه تداعياتها بمفردها، بل إن التكتلات الاقتصادية الكبيرة نفسها لم تسلم من آثارها، وبالتالي أصبح من الضروري مواجهتها بصورة جماعية سواء داخل التكتل الاقتصادي الواحد أو بالتعاون مع التكتلات الاقتصادية الأخرى.
ولعل ذلك الإدراك لأهمية التعاون مع التكتلات العالمية والتوجه إلى الآسيان هو الذي جعل البحرين تبادر بالتعاون مع تايلاند إلى طرح مبادرة التعاون بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا.. تلك المبادرة التي كانت بمثابة البداية لتدشين التعاون بين الجانبين والذي مر بعد ذلك بعدة محطات مهمة ربما يعد أهمها تلك المشاركة من سمو رئيس الوزراء في منتدى الآسيان الذي نحن بصدده وإلقائه الكلمة التي نالت اهتماما واسعا في اوساط المنتدى وخارجه.
وعند القراءة المتعمقة بشكل أكثر تركيزًا لمضامين كلمة صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر، نجد أنها اتسمت بالتالي:
1- أهمية الآسيان كتكتل اقتصادي عالمي: فقد ركز سمو رئيس الوزراء على صياغة مستقبل الآسيان والذي وصفه بأنه مصدر إلهام للدول النامية وأنه يعد واحدا من التكتلات الاقتصادية والتجارية المؤثرة في العالم، وأن هذا الدور سيتعاظم باستكمال بناء رابطة الآسيان عام 2015.
2- تأثير الأزمات المالية والاقتصادية كمحفز على التعاون: فهذه الأزمات التي تتسبب فيها الدول الصناعية الكبرى لم تسلم من آثارها الدول والتكتلات الاقتصادية الإقليمية، وتصبح مضاعفاتها بصورة أكبر على الدول النامية في صورة انخفاض معدلات النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية.
ويرى سمو رئيس الوزراء أن تلك الأزمات المالية والاقتصادية التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي من المتوقع استمرارها وهو ما يستلزم التعاون من أجل التعامل الجدي معها من أجل التخفيف من آثارها السلبية على دول العالم، وضمان عدم تأثيرها على معدلات النمو الاقتصادي وجهود تحقيق الأهداف التنموية.. وذلك من خلال التنسيق بين الدول وفتح آفاق جديدة للتبادل التجاري وإلغاء الحواجز المقيدة للاستثمار.
3- ان دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كنموذج ناجح على طريق الوحدة، قطعت مشوارًا طويلاً استغرق 30 عامًا على طريق التعاون السياسي والاقتصادي، وهذه الدول في الوقت الحالي تعمل على الوصول إلى مرحلة الاتحاد وبما يحقق لها آفاقًا اقتصادية وسياسية كبيرة تنعكس بصورة إيجابية على شعوب المنطقة وبما يجعل منها تكتلاً اقتصاديًا يتجاوز إجمالي الناتج القومي لدوله التريليون دولار.
4- أن «الحلم الخليجي» لا يفارق مخيلة سموه باعتباره أمرًا مصيريًا لدول وشعوب المنطقة، ولذلك ركز سموه في كلمته على أهمية توسيع علاقات التعاون بين «الآسيان» ودول مجلس التعاون، حيث أكد سموه «أن العلاقة بين المنطقتين هي علاقة تكاملية يمكن أن تؤدي إلى زيادة رفاهية المواطنين من خلال الازدهار المشترك، وأن تحقيق هذا يتطلب تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الاجتماعات الوزارية المشتركة، والمضي قدما لترسيخ التعاون وفتح مجالات جديدة يسهم فيها القطاع الخاص بدور كبير».
5- الرؤية المشتركة أساس تطوير الشراكة بين الجانبين: فالرؤية المشتركة التي خرج بها اجتماع المنامة 30/5- 1/6/2009 بين وزراء خارجية الآسيان ومجلس مجلس التعاون، كما قال سمو الأمير «خليفة بن سلمان» هي رؤية قابلة للتحقيق، كما أنه من الممكن تطوير علاقات التكتلين لتحقيق مصالحهما المشتركة.. ويعزز ذلك أنهما يمثلان تجارب تنموية ناجحة وتمتلكان إمكانات اقتصادية، فضلاً عن تقارب مستويات النمو (5% لدول الآسيان، و4% لدول مجلس التعاون الخليجي) في عام 2012.
6- محفزات التعاون بين مجلس التعاون والآسيان: فدول الخليج كما يؤكد سمو رئيس الوزراء تملك إمكانات اقتصادية هائلة تعزز تعاونها مع دول رابطة الآسيان حيث تنتج 20% من إنتاج النفط العالمي، و9,5% من إنتاج الغاز العالمي، فضلاً عن 50% من قيمة صناديق الثروة السيادية، كما أن دول الخليج أحد أهم الأسواق لدول الآسيان ولاسيما في مجال تصدير المواد الغذائية.
7- التحليل الدقيق لأسباب انتشار الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية، إذ أن سموه أكد أنها تبدأ من الدول الصناعية في العادة ثم تنتقل آثارها ومضاعفاتها الى الدول النامية، ويكون لها أسوأ الأثر على معدلات النمو الاقتصادي، وإحداث خلل في موازين المدفوعات وتخفيض قيمة العملات وازدياد معدلات البطالة نتيجة للترابط الوثيق بين اقتصادات الدول في إطار العولمة والانفتاح، وتلك الرؤية من سموه تضع كل طرف أمام مسئولياته الدولية والأخلاقية في أهمية وجود تعاون دولي في رسم أطر الاقتصاد الدولي، لأن الأزمات حين تحدث تكون تداعياتها الضارة على الجميع، ولا تفرق بين دولة كبيرة أو صغيرة، والمتضرر الرئيسي يكون هو الشعوب في مختلف أنحاء العالم.
وخلاصة القول، إن وجود صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر وإلقاءه كلمة باسم مملكة البحرين في هذا المنتدى المهم أمام عدد من القادة ورؤساء الحكومات لهو تأكيد بأن سياسة مملكة البحرين الخارجية النشطة قادرة على أن تصل إلى أبعد الآفاق عبر الاستفادة مما يتميز به سموه من احترام وتقدير دولي.