الجريدة اليومية الأولى في البحرين


إشارات


الانعتاق من الغرب

تاريخ النشر : الأحد ٣ يونيو ٢٠١٢

عبدالرحيم فقيري



في الاستطلاع الذي أجريناه أمس مع عدد من الخبراء الاقتصاديين حول قدرة الاقتصادات الخليجية على الصمود أمام أزمة اقتصادية عالمية جديدة متوقعة، دعا بعض من شملهم الاستطلاع القادة الخليجيين، إلى الانعتاق من قيود (الزواج الكاثوليكي) الذي يربط الاقتصادات الخليجية بالاقتصادين الأوروبي والأمريكي، على الرغم مما تنطوي عليه هذه (المصاهرة الأبدية) من مخاطر أثبتت الأزمات الاقتصادية العالمية على تباين أسباب وقوعها، أن الغرب هو (عش الغراب) الذي لا يفرّخ إلا لعنة النظام الرأسمالي.
وفي مرة سابقة أجريت حوارا مع خبير مالي ومصرفي يشغل منصبا إداريا كبيرا في مصرف أوروبي، حول سر إصرار الدول الخليجية على ربط عملاتها بالدولار، وما يضيفه ذلك من مكاسب على اقتصاداتها، فأجاب بالنفي القاطع على ألا فائدة اقتصادية مباشرة أو غير مباشرة تنطوي على ذلك، اللهم إلا لكونه قرارا سياسيا جمعيا لا شأن له بأي تفسير أو تبرير اقتصادي، وهو أمر لست أنت أول المستغربين له، بل إن مصرفيين غربيين أبدوا قبلك اندهاشهم بتحميل الاقتصاد الخليجي تبعات قرارات ومواقف سياسية لا تكسب الاقتصاد أي مكسب.
كثير من أصحاب القرار في دول الخليج، واصلون إلى حد القناعة بأن ربط عملاتهم بالدولار هو قرار عاطفي، لا يلتفت إليه أصحاب القرار في الغرب كثيرا، ولا يعيرونه اهتماما من أي نوع، فهم عمليون جدا، وبالتالي فإنه لا يهمهم مطلقا، أغرق الاقتصاد الخليجي في أعماق الأزمات التي يتسببون بها، أم صعد به إلى نجم زحل، بل على العكس من ذلك، فإن سياسة (الاحتلال الأمريكي في صورته الجديدة)، تسعى إلى إضعاف اقتصادات في الشرق الأوسط لتسهل عملية ابتلاعها دفعة واحدة.
في الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة، كانت الهند من أكثر الدول والمنظومات الاقتصادية، ضررا من تبعات الأزمة، وذلك لأنها كانت حذرة جدا في تعاملها مع معطيات الاقتصاد الرأسمالي. وبدرجة أقل من الهند، كانت كل من اليابان والصين تحيطان اقتصاديهما بقدر كبير من الحيطة والحذر، وبالفعل، فقد عادت نتائج هذه السياسات الحذرة على هذه الدول الآسيوية الثلاث بالنفع والفائدة.
يوم أمس، أعلنت كل من اليابان والصين انعتاقهما من قيود احتساب الدولار (كوحدة حساب مقدسة) ينبغي المرور عبره، وإقحامه في عمليات التبادل التجاري بينهما، وبدأتا بالفعل نظام التعامل بالـ (ين/يوان)، محققتين مليارات الدولارات من الفوائد، وهو نموذج ينبغي أن يسود بين دول الخليج ودول شرق آسيا كمنظومة اقتصادية لها أثرها وتأثيرها البالغ في الاقتصاد العالمي.
ونعتقد أن بداية العلاقة الجريئة التي قامت بين اليابان والصين، في تهميش وتحجيم وتقليص دور الدولار في اقتصاديهما، سيكون بادئة لاتباع باقي النمور الآسيوية (تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ، وكوريا الجنوبية) هذا النهج، ونعتقد أن دول الخليج عليها أن تبحث عن موضع قدم في هذه المصاهرة الآسيوية الجديدة، وتحاول تفكيك العقود التي تربط اقتصاداتها بالاقتصادين الأمريكي والأوروبي، وربطها بالاقتصادات الآسيوية.
ونقول ذلك لأسباب نعتقد أنها وجيهة بعض الشيء، أولها لأن الاقتصاد الأوروبي مازال محفوفا بمخاطر كبيرة جدا، ويترقب الكثيرون أن (فيروس التحلل والتفكك) بدأ ينخر عظام الاتحاد الأوروبي، فاليونان أول المرشحين من الانسحاب من الـ (يورو زون)، قد تتبعها كل من إسبانيا والبرتغال وتتواصل سلسلة الانهيارات في اقتصاد بلغ حده من الإرهاق، وأصبح غير قادر على التعافي من تبعات الأزمة المالية الأخيرة، على أن الولايات المتحدة التي بدأ اقتصادها يتعافى مؤخرا، دولة مليئة بمشكلاتها المالية حد الانهيار، وهو ما سوف يبرز قويا وجليا مع بدء الأمريكان في الترويج لانتخاباتهم الرئاسية، وبداية الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين، حيث تقدر بنحو 14,5 تريليون دولار، وبالتالي فإن الغرب لا يشكل البتة مصدر أمان للاقتصادات الخليجية، ويبقى الخيار الأفضل لدول التعاون تعظيم علاقاتها الاقتصادية مع الدول الآسيوية التي ليست لها أجندات استيطانية مبطنة كما هو الحال في الغرب.



عبد الرحيم فقيري