«الإعلام الفضائي العربي» والأخطاء المهنية
 تاريخ النشر : الاثنين ٤ يونيو ٢٠١٢
بقلم: د. فاضل البدراني
لم يعد الإعلام الذي هو جزء من علم الاتصال يمارس بطرق عشوائية، فنظريات الاتصال والإعلام طبقت قبل عشرات السنين وحتى لو كان هذا العلم حديث عهد بالقياس مع بقية العلوم الإنسانية، لكنه أصبح يتطور بقفزات نوعية تتسابق مع عقرب الساعة، لسبب هام انه يتشارك مع باقي العلوم الأخرى في المفاهيم المعرفية، ولا يمكن لطرف ان يفك هذا الارتباط الذي تفرضه الحرفية الاتصالية.
أن الإعلام بحكم المشاركة والفاعلية المجتمعية والمسؤولية الإنسانية التي يتبوؤها اليوم يتشكل في إطاره الكثير من القضايا التي تشغل عالم اليوم، وبحكم هذه الأهمية يفترض به أن يكون متبوعا لا تابعا، لأنه مصدر المعلومة وهو من يدفع بعجلة التطور الحياتي نحو الأمام، فرسالة القائم بالاتصال لابد أن يحسب لها ألف حساب كونها تخاطب عقول الناس جميعا ولا يحدده جنس أو هوية أو ساحة جغرافية. من هذا المنطلق العلمي هنالك العديد من المثالب والأخطاء التي وقعت فيها وسائل إعلام عدة في أنحاء العالم وربما في منطقتنا العربية تكررت الأخطاء كثيرا.
ونحن نعيش زمن الإعلام كما يحلو للبعض أن يسميه أو زمن العنف الشعبي أو حتى زمن البحث عن التنمية بجميع أشكالها، فالإعلام عد وسيلة للتخاطب بين الناس والمجتمعات عبر رسالة تحمل مضمونا يبحث في حيثيات تلك المفردات التي تحدثنا عنها، ومع زيادة الزخم الاتصالي وقعت المنابر الإعلامية في أخطاء جسيمة، لم تتداركها أو تجري تصحيحا لها، متخذة من مسألة الأخطاء الشائعة ذريعة للاستمرار بهذه الوظيفة الاتصالية العشوائية.
بهذا التبرير يكون الخطأ مركبا، وعلى سبيل المثال تشغل الفضائيات ساعات الليل والنهار بالمواد الإخبارية والبرامج المتنوعة، وخلالها يقع الخطأ الجسيم في كل ساعة من ساعات البث الفضائي، واعتدنا أن نشاهد كبريات القنوات العربية عندما تستضيف محللا سياسيا للحديث عن سياسة الدولة التي يتبع لها، فنفاجأ بأنه بوق لنظام الحكم ويدافع عنه بطريقة قتالية وكأنه جزء من النظام، ودوافع ذلك معروفة إما لكسب الحماية لنفسه وإما انه يبحث عن مجد جديد من خلال جلب أنظار قيادة النظام لإيجاد منصب رفيع له، فترتكب المؤسسة الإعلامية خطأ خطيرا لأنها انحرفت عن مسارها المهني وبقدر ابتعادها عن عامة الناس المتابعين لها فإنها تتحول إلى وسيلة دعاية لشخص لا يستحق هذا القدر، بل تعد قضية استغفال واستغلال للمؤسسة الإعلامية ومن ثم للمشاهدين أو المستمعين أو القراء حسب نوع الوسيلة.
إن تفعيل مسالة التحليل السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أوالثقافي، تعد تجربة حديثة عهد على وسائل إعلامنا وساهمت الفضائيات بشكل اكبر في تفعيلها لتكون جزءا من مادة إعلامية هامة للناس، إنما الذي أضعف هذه التجربة هو سوء الاستخدام في اتباع سياقات العمل الصحفي، فإن حدثا سياسيا على سبيل المثال، إذا ما أرادت الفضائية أن تجعله مادة مفيدة يقضي معها المشاهد أمتع الأوقات لكسب الفائدة المعلوماتية.
لا بد أن يبنى على طرفي معادلة للحوار والنقاش على أن تأتي بوجهتي نظر مختلفتين، كل طرف يتحدث بالحقائق والآراء التي يملكها، وأن يمنح كل طرف حقه في الوقت المخصص في عرض وجهة نظره، إنما الخلل الذي يؤشر في كثير من الحالات هو استضافة محلل سياسي ولاؤه محسوم لحزب أو نظام حكومي أو مؤسسة معينة، بينما يتم تقديمه على انه محلل مستقل هذا أمر مخالف تماما للهدف المطلوب، واستشرت هذه الأخطاء في مرحلة ما تسمى «ثورات الربيع العربي» التي وقعت في عدد من البلدان العربية ووقعت في شركها فضائيات بارزة ومنها الجزيرة والعربية.
والأمر الآخر كثيرا ما تقع وسائل الإعلام في أخطاء تمس المضمون الإعلامي، بما ينسحب على قيمة المصداقية وقواعد المهنة الصحفية، من خلال نقل معلومات عن شخصية في حزب أو تيار أو حتى حكومة، وتعطي إقرارها حول أهمية التصريح الذي ربما يفجر الأوضاع ويحدث خللا في منظومة العلاقات الفردية أو الجماعية أو الدولية، وعلى سبيل المثال لكل حزب أو تجمع أو نظام حكم متحدث إعلامي، هو المخول بالقيام بالتصريحات وعقد المؤتمرات الصحفية.
لكن ما يحدث اليوم أن كثيرا من المواقف يتحدث عضو لا يملك تخويلا ولا الإمكانية للتحدث بالنيابة عن الجهة التي ينتمي إليها، ولو كانت وسائل الإعلام قد تحلت بالتقاليد المهنية لما لجأت إلى هؤلاء «المتطفلين» والتعامل معهم. أن المحلل أو المراقب لابد أن يتحلى بأعلى درجات المهنية وربما ينطبق عليه وصف «الملائكي» عند تقديم رؤيته حيال القضية مثار الجدل فآراؤه ملك للناس جميعا عندما تتحلى بلغة الحقائق، وليس بالضرورة أن يكون مقبولا عندهم، لكن لطالما أعطي الفرصة فينبغي أن يكون قدر المسؤولية، وبالتالي فالخطأ إذا ما حصل مرة فإن معاودة تكراره من قبل المؤسسة الإعلامية يعد تجاوزا على حقوق الناس قبل الحقوق المهنية.
* كاتب وإعلامي عراقي
.