الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


الائتمان السيادي ومخاطره (2)

تاريخ النشر : الاثنين ٤ يونيو ٢٠١٢



يتبع أفضل تصنيف ائتماني نهجا استشاريا يمزج الحقائق الثابتة بالرأي الخبير والتحليل المقارن بالدول الأخرى.
لقد كشف التحليل العلمي والإحصائي الذي تم خلال منتصف التسعينيات وتحمل الضغوط التي نواجهها اليوم أن «الكشف عن المخاطر بواسطة وكالات التصنيف الائتماني في التسعينيات كان متجانسا مع قواعد الاقتصاد الكلي، وأن الإفصاح عن التصنيف الذي يمكن التنبؤ به من خلال إجراءات هيكلية كان له أثر أقوى من تلك التي لم يتم توقعها» (ريتشارد كانت وفرانك باكر 1996).
يعد التصنيف الائتماني الأساس لاتخاذ قرارات السياسة الاقتصادية على مستوى الدولة ؟ ومن ثم فإن وقوع أخطاء في عملية التصنيف ؟ حتى لو كانت طفيفة قد يؤدي إلى نشوء مشاكل في سياسات الاقتصاد الكلي بالنسبة إلى الدولة، وكذلك أخطاء في القرارات التي تبنتها وكالات دولية مثل البنك الدولي. لاحظ التصنيف الذي صدر بالنسبة إلى ايسلندا واليونان وايرلندا مؤخرا التي فجرت أزمة الديون التي هزت الدول الثلاث، أما عملية تصنيف الولايات المتحدة وهي تعاني مديونية عالية مصحوبة بمدخرات منخفضة ومؤسسات مالية لا يعتمد عليها ومنحها تقدير AAA فلقد نشأ عنه نتائج وخيمة على المستويين المحلي والدولي. نتج عن ذلك التصنيف المضلل أن المديونية الهائلة للولايات المتحدة قد قللت من الاعتماد على الدولار الأمريكي كاحتياطي للنقد الدولي.
كيف وقعت المأساة؟
لقد دفعت الأحداث الأخيرة العديد من خبراء صناعة الائتمان إلى التحقق من موضوعية عمليات التصنيف الائتماني السيادي، فالقضية الجوهرية هي مدى نزاهة أسلوب التصنيف والثقة بالنتائج التي يعرضها علينا بالإضافة إلى الخلل الهيكلي الذي يبدو جليا في بنية صناعة الائتمان.
معايير التصنيف
تبدو قواعد التصنيف الائتماني متماثلة بغض النظر عن وكالة الائتمان. إلا أنها تعاني جميعا بساطة الفكر والقصور الواضح، فهي تركز في الأداء الحالي ولا تفسح مجالا للنتائج المستقبلية أو ما يطرأ من تحولات، ومعظم وكالات الائتمان لا تضع ضمن حساباتها تركيبة الأصول الرئيسية ومدى فرص النجاح والنمو الاقتصاديين في المستقبل.
مقاييس التصنيف
يبدو أن مقاييس التصنيف الائتماني غير موجودة بالنسبة إلى وكالات التصنيف، فبينما كانت مؤشرات تصنيف الديون التقليدية مثل الميزان المالي ومستوى المديونية هي أكثر العناصر إلزاما بالنسبة إلى الدول وذات تأثير ملحوظ في التصنيف الائتماني مؤخرا إلا أنها لعبت دورا أعظم نسبيا في التصنيف الائتماني بصورة سلبية.
وعلى العكس فلقد لعبت ظروف التمويل الخارجي والعوامل السياسية دورا أعظم في تقديم نتائج تصنيف ائتماني لدعم بعض الدول.
احتواء المستقبل
لاتزال التنبؤات المستقبلية في التصنيف مجالا واسعا للجدل والحوار. فعادة ما يتم التنبؤ المستقبلي بتصنيف دولة ما فتقوم وكالات الائتمان بتقديم مؤشرات عن نيتها في تعديل التصنيف فمثلا تقوم الوكالات الثلاث الكبرى «بتقييم أو تحذير سلبي» لتبرهن على توقع خفض تصنيف دولة ما خلال التسعين يوما المقبلة. كما تلجأ الوكالات إلى طرح «توقع» سلبي لتبرهن على احتمالات خفض تصنيف دولة ما خلال عامين (عام واحد في حالة مستوى التصنيف غير المستقر). وكما أثبتت الأحداث خلال العامين الماضيين فلقد أتت التصنيفات بطيئة متأخرة وربما استباقية.
احتكار صناعة التصنيف
تعاني الصناعة شبه احتكار لعمليات التصنيف الائتماني السيادي فالوكالات الثلاث الكبرى تحتكر ما يربو على 80% من اجمالي سوق التصنيف الائتماني (صحيفة جلوبال 13 يوليو 2010)، كما أن التنظيم المحدود للصناعة هو أحد اكبر عيوبها البارزة، ويشجع الهيكل الاحتكاري لسوق التصنيف الائتماني على الصدام كما يدعو إلى تطوير النظام القائم وتبني اتجاهات حديثة لعمليات التصنيف السيادي.
لقد أدى التسيب في قواعد التصنيف إلى تزايد تأثير وكالات الائتمان في السوق الأمريكية. لقد منح قانون إصلاح وكالات الائتمان الأمريكية لجنة سندات البورصة سلطات الإشراف على أعمال وكالات الائتمان مما أسهم في إشعال المنافسة بينها. إلا أن ذلك القانون لم يؤثر في الاحتكار الحصري للتصنيف الائتماني لثلاث وكالات أمريكية فقط.
قراءة المستقبل
حتى تتم عملية التصنيف الائتماني بصورة مثالية يجب أن نتوقع التطورات الاقتصادية إلى جانب رسم خطط لتجنب المخاطر المستقبلية والتدخل إذا لزم الأمر. إلا أن عمليات التصنيف الائتماني في منتصف ونهاية التسعينيات فشلت في التنبؤ بالأزمة المالية التي اجتاحت جنوب شرقي آسيا عام .1997 كان من الضروري الشعور بنذر الخطر عندما انحرفت معدلات سعر الصرف ومعايير تدفقات رؤوس الأموال التي جرت في كل من تايلند وإندونيسيا وماليزيا وأكدت بل عززت الشعور بالخطر.
إلا أن أحدا لم يشعر بالكارثة الوشيكة (رينهارت 2002)، حتى ان التحذيرات بتعديل التصنيف الائتماني قد بدت غير ملائمة شكلا وتوقيتا. حتى ان تحذيرات ستاندرد وبور - وهي الأولى - منذ سبعين عاما من أن التصنيف الائتماني الأمريكي في خطر بسبب تزايد الدين العام كان تحذيرا يشوبه البطء والتردد (الاقتصادي 22 ابريل 2011).