الجريدة اليومية الأولى في البحرين


يوميات سياسية


ليس صراعا بين الشيعة والسنة

تاريخ النشر : الاثنين ٤ يونيو ٢٠١٢

السيد زهره



قبل فترة, نظم مركز الأمير الوليد بن طلال للتفاهم الاسلامي المسيحي في جامعة جورج تاون الأمريكية حلقة نقاشية حول الطائفية في المنطقة, حاضر فيها الباحث ولي نصر, أستاذ العلاقات الدولية الأمريكي.
ولي نصر هو صاحب نظرية ما اسماه «الصحوة الشيعية» في المنطقة التي روج لها على نطاق واسع في امريكا بعد غزو واحتلال العراق, وهو في مقدمة المحللين والباحثين الذين قادوا الدعوة في السنوات الماضية الى ان تتحالف امريكا مع القوى الشيعية في المنطقة باعتبار ان هذه مصلحة استراتيجية امريكية.
وفي محاضرته الاخيرة اعاد تكرار نفس مواقفه المعروفة هذه, واعتبر ان الصراع بين السنة والشيعة هو الصراع الأساسي في المنطقة اليوم, وانه سوف يتصاعد في المستقبل, وتحدث عما اسماه «حربا باردة» جديدة بين الشيعة والسنة ستشهدها المنطقة.
مثل هذه الأفكار لا يتبناها هو وحده. مثل هذه الأفكار حول الصراع بين الشيعة والسنة في المنطقة يتبناها محللون وباحثون كثيرون في الغرب. وفي الفترة الماضية, قرأت عددا كبيرا من الابحاث والتحليلات كلها تتحدث عن هذه القضية تحديدا. كلها تتحدث عن الصراع بين الشيعة والسنة في المنطقة العربية, وعن ابعاده واسبابه ومستقبله وهكذا. وهي في مجملها تعتبر الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة هو الصراع الاكبر في المنطقة اليوم.
وفي نفس هذا السياق, قرات في الفترة الماضية عددا كبيرا ايضا من التحليلات تتحدث عن البحرين تحديدا من المنظور ذاته. أي تتحدث عن الصراع بين الشيعة والسنة في البحرين وتسهب في تقديم أبعاده المختلفة من وجهة نظر كتاب هذه التحليلات بالطبع.
هذه القضية بحاجة الى توضيح .
بغض النظر عن آراء الغربيين في هذا الشأن, يجب ان تكون هذه القضية بأبعادها وحدودها الحقيقية واضحة بالنسبة لنا هنا في البحرين وفي المنطقة العربية كلها.
حقيقة الأمر ان هذا الطرح للقضية, وهذا الحديث عن الصراع بين الشيعة والسنة كصراع ديني طائفي واعتباره الصراع الاساسي في المنطقة الآن وفي المستقبل, هو حديث خاطئ جملة وتفصيلا. هو ليس خاطئا وحسب. هو طرح مغرض يحمل في طياته نوايا خبيثة, ويعبر عن تخطيط استراتيجي شرير, كما سأوضح لاحقا.
الأمر هنا باختصار ان ما تشهده المنطقة ليس صراعا طائفيا دينيا بين الشيعة والسنة. الذي تشهده المنطقة هو صراع سياسي حول اجندات سياسية, اطرافه قوى اقليمية ودولية, وقوى محلية ايضا.
وكما كتبت مرارا من قبل, هناك قوتان هما المسئولان اساسا عن اطلاق هذا الصراع السياسي, وعن محاولة تصويره على انه في جوهره صراع طائفي ديني بين الشيعة والسنة في المنطقة.
القوة الاولى, هي ايران بمشروعها العنصري التوسعي في المنطقة الذي تخطط له منذ سنوات طويلة, والتي تتخيل انه عبر هذا المشروع من الممكن ان تفرض هيمنتها السياسية في المنطقة وتتحكم في مقدراتها.
ايران تعتبر ان الشيعة في المنطقة احد اكبر اوراقها الرابحة في سعيها لتنفيذ مشروعها هذا. وايران تعبتر ان القوى الشيعية المنظمة في المنطقة احد اكبر ادوات تنفيذ مشروعها.
بعبارة اخرى, الحديث عن صراع طائفي بين الشيعة والسنة في المنطقة هو بالنسبة الى ايران يوفر مناخا وظروفا مواتية لها لتنفيذ مخططاتها الاستراتيجية.
والقوة الثانية, هي امريكا. لنلاحظ ان امريكا هي التي لعبت دورا رئيسيا في اطلاق الفتنة الطائفية في المنطقة بما فعلته في العراق بعد الغزو والاحتلال, وبفرضها وعن تخطيط وعمد مسبق نظاما سياسيا يقوم على اسس طائفية بحتة.
والحادث ان المخططين الاستراتيجيين في امريكا اكتشفوا قبل سنوات طويلة ان الصراع الديني الطائفي في المنطقة هو احد المداخل الكبرى لتحقيق الاهداف الاستراتيجية الامريكية.
بعبارة اخرى, يعتبر المخططون الامريكيون ان تأجيج هذا الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة هو في حد ذاته مصلحة استراتيجية امريكية.
وبين ايران وامريكا, هناك قوى محلية في الدول العربية هي قوى طائفية لديها اجندات سياسية من مصلحتها ايضا ان يتكرس هذا الاعتقاد العام بوجود صراع طائفي شيعي سني.
وهذه القوى الطائفية المحلية بالاضافة الى اجنداتها الخاصة, هي في نفس الوقت اشبه بقطع شطرنج تحركها ايران او امريكا او قوى اجنبية اخرى في اطار الحسابات والخطط السياسية لهذه القوى الاجنبية.
اذن, القضية كما ذكرت ان دولنا ومجتمعاتنا العربية لا تشهد صرعا بين الشيعة والسنة على اسس طائفية دينية. دولنا ومجتمعاتنا تشهد صراعا حول اجندات ومخططات سياسية.
الوعي بهذه الحقيقة له اهمية كبرى اليوم, وتترتب عليه مواقف محددة يحجب ان نتبناها في دولنا.
وهذا حديث آخر بإذن الله.