الجريدة اليومية الأولى في البحرين


رسائل


ماذا بقي من فلسطين بعد 45 سنة من نكسة 1967؟

تاريخ النشر : الاثنين ٤ يونيو ٢٠١٢



قد يجدر بنا اليوم أن نرسم الصورة الحالية التي أصبح عليها الصراع الذي ظل قائما منذ حرب الأيام الستة في يونيو 1967 بين إسرائيل والفلسطينيين، إضافة إلى الدول العربية التي لا تعترف بالدولة اليهودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية التي يدعو الملالي الحاكمون فيها إلى القضاء على الدولة العبرية وإزالتها من خريطة الشرق الأوسط.
يجب القول إن عدد القتلى في حرب يونيو 1967 من الجانبين كان قليلا نسبيا مقارنة على سبيل المثل بملايين القتلى الذين سقطوا في سريلانكا أو جمهورية الكونجو الديمقراطية. تبلغ مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة خمسة آلاف وخمسمائة كلم مربع وقد كانتا في الفترة ما بين سنتي 1949 و1967 تحت سيطرة الأردن ومصر.
يعتبر اليهود أن فلسطين هي الأرض الموعودة وقد أصبحت اليوم منقسمة ما بين الجزء الذي قامت عليه دولة إسرائيل داخل الخط الأخضر من ناحية والأراضي الفلسطينية المحتلة من ناحية ثانية.
لقد كثر الحديث في الأعوام العشرين الماضية على وجه الخصوص عن حل الدولتين وهو التسوية التي ظلت أطراف المجتمع الدولي تدعو إليها وقد انضمت إليها الدول العربية نفسها، التي طرحت مبادرة السلام العربية التي تقوم على أساس مبادلة الأرض بالسلام والتطبيع الكامل مع إسرائيل.
يقوم هذا الصراع بين اليهود الذين منحهم الغرب وخاصة البريطانيين الوطن القومي الذي يبحثون عنه في فلسطين من ناحية، والعالم العربي والفلسطينيين من ناحية أخرى. العالم العربي عانى مرارة الإذلال جراء المشاريع الاستعمارية الغربية اذ قطعت أوصاله معاهدة سايكس بيكو. أما الفلسطينيون فخسروا الوطن وهم يسعون اليوم يائسين إلى إقامة دولتهم فوق ما تبقى من هذا الوطن.
تمتد إسرائيل الى 78% من مساحة فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني (قرابة 20 ألف كلم مربع). أما قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس فهو يمثل 1,3% من مساحة فلسطين تحت الانتداب البريطاني علما أن عدد سكانه يفوق اليوم مليونا وستمائة ألف نسمة ما يجعله واحدا من أكثر مناطق العالم كثافة ديمغرافية. تكاد تكون غزة معزولة عن العالم في حين أن مصر تعد اليوم متنفسها ونافذتها الوحيدة على العالم.
يوجد اليوم في إسرائيل خمسة ملايين وخمسمائة ألف يهودي إضافة إلى قرابة مليون وثمانمائة ألف من «عرب إسرائيل». تشكل الضفة الغربية المحتلة نسبة 20,3% من أرض فلسطين تحت الانتداب البريطاني، اي قرابة 5000 كلم مربع وهي مقسمة اليوم إلى المناطق «أ» و«ب» و«ج». يعيش في الضفة الغربية (بما في ذلك القدس) قرابة ثلاثة ملايين فلسطيني، إضافة إلى 660 ألف مستوطن يهودي، يعيش منهم 320 ألف يهودي فيما يسميه اليهود «القدس الكبرى». أصبحت المنطقة «أ» تحت إدارة السلطة الفلسطينية بمقتضى اتفاقيات أوسلو. تخضع المنطقة «ب» أيضا للسلطة الفلسطينية غير أن الجوانب الأمنية لاتزال بأيدي إسرائيل من دون سواها. أما المنطقة «ج» فهي تتعلق بالمساحة المتبقية من الضفة الغربية وهي تشمل المستوطنات اليهودية المقامة فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة. خلاصة الأمر يعيش الفلسطينيون اليوم فوق قرابة ثلث مساحة الأراضي المحتلة التي تمثل 22% من مساحة فلسطين تحت الانتداب البريطاني.
إن التيارات اليهودية الأرثودكسية الراديكالية زادت من سطوتها واستطاعت أن تتجاوز تلك الأحزاب العلمانية والنخب الصهيونية التي تولت إنشاء دولة إسرائيل سنة .1948 إنه عصر الأحزاب الدينية في إسرائيل، وهو السمة التي نشهدها أيضا في فلسطين (حركة حماس) وفي أغلب الدول العربية أيضا، فاليهود الأرثودكس هم المحظوظون، فهم ينجبون الكثير من الأطفال بتشجيع من الدولة من أجل استيطان الأراضي الفلسطينية والتصدي للقنبلة الديمغرافية الفلسطينية الموقوتة كما أن الرجال منهم معفون من الخدمة العسكرية إلا في حالات نادرة.
أما الأراضي التي تقع تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية فهي أشبه بالكتابة المعقدة لكثرة ما فيها من نقط تفتيش وحواجز عسكرية وشبكة من الطرق الالتفافية التي تعتبر حكرا على المستوطنين اليهود من دون سواهم، الأمر الذي حول القرى الفلسطينية إلى كانتونات معزولة عن بعضها بعضا في الضفة الغربية.
على المستوى الاقليمي تأثرت إسرائيل بالتطورات الأخيرة التي هزت عدة دول عربية، غير أن عزلتها ليست بتلك الأهمية التي قد يصورها بعض المحللين الاستراتيجيين. لا شك أن إسرائيل فقدت في تركيا حليفا استراتيجيا من الوزن الثقيل، فقد ظلت الدولة العبرية إلى وقت غير بعيد تشارك مع تركيا والأردن في مناورات عسكرية مشتركة. لقد أصبحت الدبلوماسية التركية الجديدة تركز سعيها في إيجاد موقع بارز في الشرق السني لتعود بذلك إلى انتهاج ذات السياسة التي كانت تتبناها الدولة العثمانية في القرن السادس عشر.
تغير الدور المصري مع نهاية عهد الرئيس السابق حسني مبارك وصعود حركة الإخوان المسلمين وبقية التيارات الإسلامية. صحيح أن مصر من البلدان العربية القليلة التي تمتلك تقاليد الدولة العريقة غير أنها تعاني اليوم وضعها الاقتصادي الحرج.
رغم أن الفلسطينيين يشكلون 70% من سكانها فإن المملكة الأردنية نجحت كثيرا في الحفاظ على استقرارها. وبالمقابل فإن العراق لايزال يثير الكثير من المخاوف الاقليمية جراء المشاكل الداخلية التي يعانيها، أما سوريا المجاورة فهي تشهد الآن حربا أهلية غير معلنة ستؤدي في مستقبل قريب إلى سقوط نظام بشار الأسد العلوي المتحالف مع إيران وحزب الله اللبناني. أما تركيا فهي تظل قادرة على القيام بدور حاسم بشرط أن تحصل على التفويض الدولي اللازم من أجل التعجيل بسقوط نظام بشار الأسد وإيقاف حمام الدم في سوريا.
تبدي إسرائيل مخاوف كبيرة من إيران على خلفية البرنامج النووي الذي تقوم سلطات طهران بتطويره والذي يعتقد أنه ينطوي على جانب عسكري خفي هدفه إنتاج سلاح نووي. لا شك أن نجاح إيران في امتلاك السلاح النووي من شأنه أن يجرد إسرائيل من السلاح الردعي النووي الذي ظلت تحتكره، كما أن مثل هذا التطور الخطر من شأنه أيضا أن يذكي سباقا نوويا محموما وخطرا في منطقة الشرق الأوسط.
لا شك أيضا أنه لا الولايات المتحدة الأمريكية ولا الدول العربية ولا الدول الغربية تقبل بامتلاك إيران للسلاح النووي، غير أن إسرائيل هي التي تبدي أكثر المخاوف وهي التي تعتبر أن البرنامج النووي الإيراني يمثل خطرا داهما يتهدد مستقبل وجودها في منطقة الشرق الأوسط.
لقد ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطابا على منبر منظمة الأمم المتحدة طالب فيه المجتمع الدولي بتشديد العقوبات على إيران وإجبار نظام طهران على وقف برنامجها النووي، وفعلا تقرر فرض عقوبات غير مسبوقة استهدفت على وجه الخصوص المصارف والبنوك والصناعة البترولية الإيرانية من أجل تجفيف منابع تمويل البرنامج النووي. يريد الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية تكبيل الاقتصاد الإيراني الذي يواجه بدوره تحديات كبيرة متراكمة على مدى الأعوام الماضية.
يعتبر الكثير من الإسرائيليين أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يعاني تخبط مواقفه وخاصة فيما يتعلق بحسم الخيار العسكري ضد إيران التي تواصل تطوير برنامجها النووي، الأمر الذي قد يدفع الدولة العبرية إلى توجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية. لا شك أن هذا الملف الشائك سيظل حاضرا على طاولة المفاوضات عدة أشهر أخرى قادمة. على الأرجح فإن الدولة الفلسطينية الموعودة لن ترى النور في مستقبل قريب.
في سنة 1967 كانت مساحة القدس لا تتجاوز 6 كلم مربعة فقط. أما اليوم فإن إسرائيل قد كثفت الاستيطان اليهودي حتى غدت «القدس الكبرى» تمسح 70 كلم مربعا، أي أن مساحة القدس قد تضاعفت أكثر من اثنتي عشرة مرة خلال أقل من نصف قرن من الاحتلال بما في ذلك القدس الغربية.
في مرحلة أولى عمدت الحكومات الاسرائيلية إلى تطويق مدينة القدس العتيقة بحزام يضم مواقع استيطانية تشمل مونت كوبيس و«فرنش هيل» و«أوغيستا فيكتوريا» و«كاموت». في مرحلة ثانية ومن خلال مشروع القدس الكبرى عمدت الحكومات الاسرائيلية إلى إبعاد الوجود الفلسطيني تدريجيا من خلال تشييد المباني ونصب الجدران ومد شبكات الطرق. يمكن أن نرى مدينة رام الله من فوق تلال القدس. في سنة 1996 تم تشييد مستوطنة «حارحوما» في ظل حكومة بنيامين نتنياهو الذي أدى إلى عزل مدينة القدس عن مدينة بيت لحم في الضفة الغربية.
أقامت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة طوقا ثالثا حول مدينة القدس يضم مستوطنة «معالي أدوميم» التي تضم اليوم أكثر من 45 ألف يهودي إضافة إلى مستوطنة «غوش إتشيون» (60 ألف يهودي) ومستوطنة «مودعين إليت» التي يسكنها اليوم 50 ألف يهودي. لقد تمت مصادرة الكثير من المنازل والأراضي الفلسطينية من أجل إقامة مثل هذه المشاريع الاستيطانية، كما أن مئات العائلات الفلسطينية قد فقدت حق الاقامة في القدس.
في الضفة الغربية توجد عشرات المستوطنات اليهودية التي أقيمت بعد حرب الأيام الستة في يونيو 1967 على غرار مستوطنة «ارييل» التي يسكنها اليوم أكثر من 28 ألف مستوطن يهودي ومن بينهم 13 ألف طالب. تم تشييد العديد من المستوطنات اليهودية من دون الحصول على «الترخيص القانوني» على غرار مستوطنتي «نوفي مكهيميا» ومستوطنة «ريشاليم». في تلك المستوطنات يعيش الكثير من اليهود الأرثودكس المتشددين القادمين من الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان الشمال الإفريقي. أما المستوطنون اليهود العلمانيون فهم يمثلون الأقلية. يعمل عشرات الفلسطينيين في المناطق الصناعية الموجودة في تلك المستوطنات وهم يحصلون على رواتب تصل إلى ضعف الرواتب التي تقدمها السلطة الفلسطينية التي تقاطع منتجات المستوطنات.
تحرص سلطات الاحتلال على مد شبكة طرق خاصة بالمستوطنين من أجل تأمين أمنهم والتحكم في حركة تنقل الشعب الفلسطيني.
عمدت إسرائيل منذ بداية الاحتلال إلى تكثيف بناء المستوطنات من أجل إحكام السيطرة على الأرض مع عزل التجمعات والكيانات الفلسطينية وكسر أي امتداد أو تواصل بين القرى والمدن الفلسطينية حتى يسهل عليها فرض الأمر الواقع. أقامت سلطات الاحتلال نقاط التفتيش والحواجز الأمنية والعسكرية إضافة إلى الجدار الفاصل والعمل بنظام التراخيص، الأمر الذي حول الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى سجن حقيقي.
منذ احتلال الضفة الغربية قبل خمس وأربعين سنة فقد أكثر من 130 ألف فلسطيني حقهم في «الإقامة». فرضت إسرائيل على الفلسطينيين نظاما عنصريا أشبه ما يكون مع ذلك الذي طبقته سلطات جنوب إفريقيا العنصرية في الماضي. إن سلطات الاحتلال هي التي تقرر نوعية البضائع التي يتم إدخالها إلى المناطق الفلسطينية المعزولة علما بأن المستوطنين أنفسهم يعاضدون الجنود الإسرائيليين في تضييق الخناق على الفلسطينيين.
تعتبر مدينة الخليل ؟ الواقعة في الضفة الغربية ؟ حالة فريدة من نوعها فهذه المدينة مثقلة برموزها الدينية والتاريخية. يعتبر اليهود أن الخليل هي واحدة من المدن المقدسة لديهم إلى جانب صفد والقدس وطبرية.
في شهر مايو من سنة 1970 أنشأت سلطات الاحتلال الاسرائيلية مستوطنة «كريت أربع» التي يعيش فيها اليوم قرابة ثمانية آلاف يهودي. في سنة 1979، دخل المستوطنون اليهود إلى مدينة الخليل واحتلوا إحدى البنايات. في السنة التالية ؟ أي في عام 1980 على وجه التحديد ؟ قتل سبعة من هؤلاء المستوطنين. بعد مرور أربع عشرة سنة أي في عام 1994 أقدم مستوطن يهودي متطرف يدعى باروخ جولدشتاين على قتل تسعة وعشرين من المسلمين أثناء أدائهم صلاة الفجر في المسجد الابراهيمي. في سنة 1997 تم تقسيم مدينة الخليل الى جزأين.
في قلب مدينة الخليل يعيش أقل من 900 مستوطن يهودي تحت حماية جيش الاحتلال الاسرائيلي إلى جانب أكثر من 175 ألف فلسطيني. بعد المجزرة التي ارتكبها المتطرف باروخ جولدشتاين وخلال فترة الانتفاضة الفلسطينية الثانية اتخذت اسرائيل قرارا تعسفيا بإغلاق سوق اللحوم والفواكه والخضراوات، كما أنها سدت عدة مخارج ومداخل وأفرغت أكثر من ألف شقة سكنية وأغلقت ما لا يقل عن 1800 متجر ملك الفلسطينيين، كل ذلك من أجل أمن هؤلاء المستوطنين اليهود الارثودكس.
لقد تم أيضا إغلاق أبواب مساكن العديد من الفلسطينيين حتى ان بعضهم أصبح يخرج من خلال أسطح المنازل. اضطر الفلسطينيون إلى حماية نوافذهم من الحجارة التي يقذفها المستوطنون اليهود صباح مساء، كما أن اليهود الأرثودكس الذين يسكنون في قلب مدينة الخليل بالضفة الغربية معروفون بشدة عدائهم للفلسطينيين والعرب.
يستطيع الفلسطينيون التنقل على الأقدام في المنطقة الثانية غير أنه يحظر عليهم استخدام السيارات. تم إنشاء العديد من المستوطنات اليهودية الأخرى مثل مستوطنات «جيفات هافوت» و«ابراهام أفينو» و«بيت رومانو» و«بيت حداسة» و«تل رميدا». لعل ما يثير السخط حقا أن حياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين تحولت إلى رهينة بأيدي بضع مئات من المستوطنين اليهود في مدينة الخليل التي تعتبر وصمة عار في جبين الديمقراطية الإسرائيلية.
تتحكم السلطة الفلسطينية في المنطقة «أ» في مدينة الخليل التي يشعر أهلها بقدر كبير من المذلة ومرارة الاحتلال الذي يجثم على صدورهم. يحظر على الاسرائيليين الذهاب إلى هذه المنطقة غير أن الفلسطينيين من أصحاب الجنسية الاسرائيلية يذهبون إلى هناك بكل سهولة.
يراهن الفلسطينيون على قوتهم وقدرتهم على الصمود بقدر ما يراهنون على العامل الديمغرافي.
من سيستفيد في النهاية من عامل الزمن: اليهود أم الفلسطينيون؟
في الوقت الحالي الوقت يلعب في صالح إسرائيل على عكس ما قاله لي ياسر عرفات في الأردن قبل أحداث سبتمبر الأسود، فرغم كل المحاولات ومشاريع السلام فإن مشروع الدولة الفلسطينية لن يتجسد على أرض الواقع في المستقبل المنظور.
أما فيما يتعلق بالمستقبل فإنه لا احد يمكنه أن يتكهن بما سيكون عليه الأمر في منطقة تموج بالتغيرات السياسية والاستراتيجية غير المسبوقة: من الشمال الإفريقي حتى منطقة الخليج.