الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


سوريا.. الحل السياسي أم الحرب الأهلية؟

تاريخ النشر : الاثنين ٤ يونيو ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



على مدى أكثر من خمسة عشر شهرا وآلة القتل في سوريا لم تتوقف عن حصدها عشرات المواطنين المدنيين والعسكريين، بل تصاعدت هذه الأعمال في الآونة الأخيرة وتحولت إلى مجازر جماعية حقيقية كما حدث في بلدة الحولة التي راح ضحيتها أكثر من مائة شهيد بمن فيهم أطفال ونساء وشيوخ، فهذه التطورات المأساوية في سوريا دفعت بالعديد من المراقبين وزعماء عدد من الدول إلى التحذير الجدي من انزلاق البلاد في أتون حرب أهلية ستكون لها تداعيات خطرة على المنطقة برمتها وفي المقدمة من ذلك لبنان الذي تجمعه بسوريا ـ رسميا وأهليا ـ علاقات خاصة، وأجمعوا على أن المخرج الوحيد أمام المأزق السوري هو التمسك بإنجاح خطة المبعوث الأممي كوفي عنان والتمسك بالحل السياسي وليس الأمني أو العسكري.
في اعتقادي أن التمسك بمطلب إسقاط النظام في سوريا يمثل العقبة الكأداء أمام ايجاد حل سياسي للأزمة السورية، فالنظام وبرغم الضغوط الدولية الاقتصادية والسياسية فهو حتى الآن متماسك ومدعوم من الجيش السوري الذي يعتبر من الجيوش القوية في المنطقة، وبالتالي فإن المعارضة لا يمكن لها مهما تدفقت عليها الأٍسلحة والأموال من الخارج فإنها ستبقى بعيدة كل البعد عن تحقيق خلل حقيقي في ميزان القوى بين الجانبين، ثم ان عناد المعارضة، مدعوما من أطراف لها مصلحة في زعزعة الاستقرار في سوريا والمنطقة، من شأنه أن يقود إلى المزيد من سفك الدماء وتساقط الشهداء من المدنيين بنيران القوات السورية والمعارضة أيضا.
فأخطر ما يواجه الشعب السوري الشقيق الآن ليس الصدامات المسلحة اليومية بين الجيش وقوى الأمن السورية من جهة والمعارضة المسلحة المدعومة من الخارج من جهة أخرى، وإنما النتائج التي سوف تتمخض جراء استمرار هذه الصدامات، أي تحولها إلى حرب أهلية شاملة، فهذه النتائج ليست مستبعدة الحدوث في ظل التصاعد الخطر في أعمال العنف ودخول قوى إرهابية متطرفة، مثل تنظيم القاعدة، إلى ساحة الصراع وقيامها بتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف المؤسسات المدنية والأماكن العامة كالأسواق، مثل هذه النتائج الوخيمة ليست في مصلحة أي مواطن سوري ينشد الإصلاح والتطوير السياسي لبلده، بل هي في مصلحة أعداء الشعب السوري.
فلا خيار أمام السوريين سوى الجلوس حول طاولة المفاوضات ومناقشة شأنهم الداخلي وتحديد طبيعة النظام السياسي الذي يختارونه بعيدا عن أي املاءات أو وصايا خارجية، فالأطراف الخارجية التي تتظاهر في دعمها المطالب العادلة للشعب السوري، سواء تركيا أم الغرب أم غيرهما، ليسوا صادقين في ذلك، فهناك شعوب كثيرة محرومة من الحرية والديمقراطية اللتين يتحدث عنهما الغرب، لم نسمع أصواتا غربية تطالب بدعمها، فتركيا التي تبدو «حريصة» على مصلحة الشعب السوري، هي نفسها تقمع وتصادر الحقوق القومية المشروعة للأكراد الأتراك، فهذه الأطراف لن تحقق للشعب السوري الشقيق مطالبه المشروعة، بل الشعب نفسه هو صاحب المصلحة الحقيقية في نيلها.
فتدمير الوطن السوري ـ على غرار ما حصل للعراق بعد جريمة الغزو الأمريكي لهذا البلد في شهر مارس من عام 2003ـ من شأنه أن يلحق أضرارا فادحة وجسيمة بجميع مكونات الشعب السوري العرقية ودعائمه الاقتصادية والاجتماعية حتى السياسية، فتفجر نزاعات مسلحة بين هذه المكونات ليس مستبعدا في ظل تطور وتصاعد أحداث العنف من قبل مختلف الأطراف الفاعلة على الساحة السورية، فهو سيقود إلى هذا التدمير حتى لو لم يحدث تدخل عسكري من قبل القوى الداعمة للمعارضة السورية، ذلك أن الحرب الأهلية وحدها كفيلة بتدمير الوطن السوري تدميرا شاملا، ومن شأنها أن تطيل أمد الصراع بين هذه المكونات.
المطلوب من عقلاء الشعب السوري، في النظام وفي المعارضة، أن يضعوا مصلحة وطنهم وشعبهم فوق كل الاعتبارات السياسية، وأن يتحركوا بجدية وحزم من أجل انقاذ وطنهم من الهوة السحيقة التي تعد له في مطابخ صنع السياسات التدميرية في الخارج، فهذه المطابخ لا تنتج على الإطلاق زادا يفيد الشعوب بشيء، بل على العكس من ذلك تقدم السموم المعسولة على أطباق من ذهب لإغراء الشعوب المتعطشة للحرية والعدالة والديمقراطية، وهو بالضبط ما حصل للعراق مثلا، حيث قادت أمريكا وحلفاؤها الدوليون والإقليميون غزوا مدمرا لايزال الشعب العراقي بمكوناته كافة، يعاني اثاره ويدفع أثمانه إلى أجل غير منظور.