في ذكرى خطاب القاهرة..
أوباما والتجاذبات الحزبية
 تاريخ النشر : الثلاثاء ٥ يونيو ٢٠١٢
بقلم: د. جيمس زغبي
قبل سنة من الآن، وفي الذكرى الثانية للخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في جامعة القاهرة والذي توجه فيه للعالم الإسلامي نشرنا نتائج الاستطلاع الذي أجريناه في العالم العربي لسنة .٢٠١١ لقد كانت النتائج مذهلة رغم أنها كانت متوقعة. لقد أظهرت نتائج استطلاع الرأي المذكور أن شعبية الولايات المتحدة الأمريكية عبر العالم العربي كانت سنة ٢٠١١ أقل مما كانت عليه في آخر سنة أمضاها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في البيت الأبيض. لقد كانت النتيجة حقا مذهلة.
لم يتوان خصوم الرئيس باراك أوباما في استغلال تلك النتيجة كمطية للتعبير عن الفرح والتشفي نكاية في إدارة الرئيس باراك أوباما، رافضين بذلك الاعتراف بأن تبدد الأمل في التغيير كان ناجما في جانب كبير منه عن السياسات التخريبية التي كانوا يمارسونها. لم يبد هؤلاء أي تخوف من الانعكاسات التي قد تنجم عن تآكل تلك الثقة بقدرة الولايات المتحدة الأمريكية على التحرك في منطقة الشرق الأوسط. والأهم من كل ذلك مدى التأثير السلبي لتراجع شعبية الولايات المتحدة الأمريكية على قدرتها على لعب أي دور بناء في الشؤون الإقليمية.
نحن نعيش اليوم فيما يمكن أن نسميه «البيت الذي بناه جورج بوش» فسواء في الداخل أم في الخارج ظلت سياسات إدارة بوش وما اتسمت به من عدم اكتراث ولا مبالاة واضحة للعيان في كل مكان تقريبا.
لقد شهدنا في منطقة الشرق الأوسط وحدها: حربين فاشلتين كبداتنا ثمنا باهظا سواء في الأرواح البشرية أو في الأموال، إضافة إلى الممارسات الشائنة التي مرغت سمعة الولايات المتحدة الأمريكية في التراب (تعذيب، معتقل جوانتنامو، سجن أبوغريب، السجون السرية، تسليم المعتقلين قصد تعذيبهم في بلدان أخرى ... الخ)، وقد نجم عن ذلك ازدياد تشدد وصلف الحكومة الاسرائيلية وانهيار السلطة الفلسطينية وفشل مسار السلام وتنامي السياسات العدوانية الإيرانية حيث إن سلطات طهران راحت تستعرض عضلاتها في كامل منطقة الشرق الأوسط. يجب ألا ننسى أيضا تنامي التيارات المتطرفة مما ادى إلى زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط.
تلك هي الفوضى العارمة التي كانت في انتظار الرئيس الأمريكي باراك أوباما عندما دخل إلى البيت الأبيض يوم ٢٠ يناير .٢٠٠٩ إن ما يثير الاشمئزاز أن خصومه الذين أيدوا تلك السياسات الكارثية قد راحوا يعبرون عن معارضتهم لكل خطوة يخطوها الرئيس الأمريكي باراك أوباما من أجل تصحيح المسار قدر الإمكان.
لقد ندد هؤلاء الخصوم ايضا بسحب القوات القتالية الأمريكية من العراق وهاهم اليوم يطالبون بشدة بضرورة بقاء القوات العسكرية الأمريكية في أفغانستان فترة غير محددة. لقد انتقدوا الرئيس باراك أوباما لأنه أدان التعذيب ولأنه «اعتذر باسم الولايات المتحدة الأمريكية»، كما أنهم سعوا إلى عرقلة كل ما يبذله من جهد لإغلاق سجن جوانتنامو، ابدوا تأييدهم العلني والقوي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وانحازوا إلى صف الزعيم الليكودي المتطرف ضد رئيسهم في الوقت نفسه الذي سعوا فيه إلى قطع المساعدات الأمريكية عن الفلسطينيين.
لقد ندد هؤلاء الخصوم أيضا بكل جهود إدارة الرئيس باراك أوباما الرامية إلى التفاوض مع إيران من أجل كبح برنامجها النووي مطالبين بتوخي مقاربة أكثر قوة في الوقت نفسه الذي يؤيدون فيه «حق» إسرائيل في توجيه ضربة عسكرية لهذا البلد. لقد رفضوا أيضا أن يدعموا أيا من البرامج التي طرحها الرئيس باراك أوباما والتي من شأنها المساهمة في بناء قدرات الدول العربية التي تعيش الآن تحولات ديمقراطية.
لقد حاول هؤلاء المنتقدون الاستفادة من كل مصيبة من أجل إلقاء اللوم على سلطات البيت الأبيض. لقد عمدوا إلى عرقلة كل سعي للتغيير عندما كان التغيير ممكنا في الوقت نفسه الذي دعوا فيه الإدارة الأمريكية إلى مواصلة انتهاج السياسات الفاشلة نفسها التي كانت متبعة في الماضي.
يمكن أن نرى النهج التدميري نفسه في الجدل والسجالات الحزبية التي تنامت في ظل فظائع العنف التي تتفاقم في مختلف المناطق السورية.
أمام تفاقم الوضع المأساوي السوري في الأسبوع الماضي، أوضحت السفيرة الأمريكية لدى منظمة الأمم المتحدة سوزان رايس أن فظائع العنف المرتكبة في سوريا قد تتفاقم وتصبح أكثر سوءا. لقد كانت على حق أيضا عندما حذرت من اللجوء إلى القوة العسكرية لإنهاء الصراع الدامي في سوريا واعتبرت في الوقت نفسه أن «إيصال» المزيد من الأسلحة قد يتسبب في انزلاق البلاد في حرب أهلية شاملة تعود بعواقب وخيمة على كامل المنطقة.
قالت سوزان رايس المتحدثة باسم الإدارة الأمريكية ان سلطات واشنطن تعارض نظام الأسد غير أنها تعتبر أنه لابد من إيجاد حل دبلوماسي وتفاوضي للأزمة السورية الراهنة من أجل إنهاء القتل وسفك الدماء، كما أكدت موقف سلطات واشنطن التي تفضل نظام الأسد على نشوب حرب إقليمية في كامل منطقة الشرق الأوسط حيث إن الأطراف الخارجية قد تزيد من صب زيت على النار.
تدرك الإدارة الأمريكية مدى أهمية سوريا من الناحية الاستراتيجية وهي تعي جيدا مدة هشاشة سوريا وبقية جيرانها كما تدرك أيضا انحدار شعبية الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة. لذلك فإن آخر ما تحتاج اليه الولايات المتحدة الأمريكية وبقية دول المنطقة حاليا هو الدخول في حرب برية جديدة في قلب الشرق الأوسط، فالنتائج ستكون مدمرة والعواقب ستكون وخيمة لا يستطيع أي أحد أن يتكهن بمداها.
أما خصوم الرئيس باراك أوباما فإنهم من جهة أخرى يسعون إلى الاستفادة من السخط الشعبي العارم على الفظائع التي ترتكب في سوريا وذلك من أجل تحقيق مكاسب سياسية بعيدا عن أي مسؤولية، فالمرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة ميت رومني على سبيل المثال انتقد سلطات البيت البيض في الأسبوع الماضي واعتبر ان الرئيس أوباما «ضعيف وغير قادر على اتخاذ قرارات حاسمة».
لم يطرح هؤلاء أي سياسة بديلة بل اكتفوا بتوجيه سيل من الانتقادات اللاذعة. لقد ذهب أنصار ميت رومني إلى ابعد من ذلك حيث إن السيناتورة ليندسي جراهام راحت تطالب الولايات المتحدة بالقيام بقيادة عملية عسكرية فيما طالب السيناتور جون ماكين الإدارة الأمريكية بالعمل فورا على تسليح المعارضة السورية وإقامة ملاذات آمنة داخل سوريا يلجأ إليها الثوار للتخطيط لعملياتهم التي تستهدف نظام دمشق.
كيف يمكن القيام بكل هذا من دون توافر غطاء الشرعية الدولية؟ ثم كيف يمكن القيام بكل هذا أيضا في الوقت الذي لا نملك فيه معلومات كافية عن الثوار الذي يطالب هؤلاء الخصوم بتسليحهم وخاصة فيما يتعلق بقدرتهم على الانتصار في مواجهة النظام ومن ثم الاضطلاع بشؤون الحكم، عدا حقيقة نياتهم في حالة تولي السلطة عقب سقوط النظام الحالي في دمشق؟
وفوق ذلك كله، كيف سينظر العرب إلى اعتداء عسكري جديد تقوده الولايات المتحدة الأمريكية على دولة عربية أخرى؟ فرغم كراهيتهم لنظام دمشق فإن العرب لا يثقون كثيرا بالولايات المتحدة الأمريكية بسبب الجراح الغائرة التي خلفها الغزو العسكري الأمريكي للعراق.
ثم كيف ستكون تداعيات كل ذلك على الشعوب العربية التي تعاني هشاشة كبيرة في سوريا أو في لبنان أو العراق أو الأردن، إضافة إلى تركيا؟ إن هذه الأسئلة الحساسة تتطلب أجوبة أيضا، غير أنها تظل أسئلة غير ذات أهمية لأولئك المنتقدين الذين لا يهمهم سوى توجيه الانتقادات.
لإن هذه الدعوات المطالبة بتحرك عسكري أمريكي قوي قد تلقى لها آذانا صاغية وقد تسمح لبعض الأطراف بتحقيق مكاسب سياسية، لكن في العالم الواقعي الذي نعيش فيه فإن مثل هذه الدعوات المطالبة بضربات عسكرية عقابية لا تعدو أن تكون ضربا من المغامرة الخطرة التي سبق أن أوقعتنا في الفوضى التي مازلنا نعاني حتى اليوم تبعاتها.
يجب ألا نلوم خصوم الداخل ونحملهم بمفردهم المسؤولية عن انحدار شعبية الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ففي الكثير من الحالات نجد أن ادارة الرئيس باراك أوباما هي التي أضرت نفسها بنفسها، فقد خضعت على سبيل المثال للضغوط السياسية وهنا نذكر على سبيل المثال الخطابين اللذين ألقاهما الرئيس باراك اوباما في كل من الأمم المتحدة ولجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك)، الأمر الذي ألحق ضررا كبيرا بمكانته في العالم العربي.
قد نتفهم عدم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في التورط في تصعيد الحرب في اليمن وباكستان، غير أن الاعتماد على الطائرات من دون طيار لاغتيال العناصر المشتبه فيها قد جعل شعبي هذين البلدين أكثر راديكالية فيما سفه المزاعم التي تسوقها سلطات واشنطن بأنها تحترم القانون الدولي.
هذا هو إذًا الوضع الذي نوجد فيه اليوم بعد مرور ثلاثة أعوام على ذلك الخطاب الرائع الذي ألقاه الرئيس باراك أوباما في القاهرة. إن العالم العربي يشهد الآن تغيرات مهمة وهي تغيرات تصل أحيانا إلى حد زعزعة الاستقرار. كذلك مازلنا ننتظر التغيير الذي وعد أوباما بإدخاله على السياسة الخارجية الأمريكية. نحن اليوم في منتصف سنة انتخابية. لذلك فإننا نتوقع مزيدا من الهجمات الحزبية كما أن الجهود الرامية إلى إحداث التغيير الحقيقي ستظل معلقة حتى انتخابات شهر نوفمبر .٢٠١٢
* رئيس المعهد العربي الأمريكي
.