الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٩٢ - الثلاثاء ٥ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١٥ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

في الصميم


عشنا زمنا يدمر فيه الآباء الأبناء!





لوحظ أن مجلس الوزراء في جلسته يوم أمس الأول برئاسة سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس الوزراء قد خصص الجانب الأكبر من جلسته لمناقشة قضية الناشئة.. ومقصود بالناشئة هنا هم الأطفال والشباب.. وهذه القضية هي الملعوب بها من قبل بعض الجمعيات السياسية المناوئة.. فتارة تطالب في استماتة رفع سن دائرة الطفولة حتى سن ١٨ سنة لتوسيع نطاق من يدخلون في دائرة الأحداث ليسهل استغلالهم ضد الوطن وتنفيذ الأعمال الارهابية والحرق والتخريب وقطع الطرق وتدميرها.. وتارة أخرى يطالبون بخفض سن الرشد والسماح لصغار السن بأن يكونوا أعضاء بالجمعيات السياسية، والسماح لهم أيضا بالادلاء بأصواتهم في الانتخابات..والأهداف الخبيثة مكشوفة!

كانت كل هذه الالتواءات ومحاولة اللعب بالتشريع وتسخيره لتحقيق أهدافهم تفضح مكرهم السيئ من خلال جلسات مجلس النواب في الفصل التشريعي الثاني وبدايات الفصل التشريعي الثالث. لكن يقيني أن أهدافهم - التي لا تتغير أبدا - وهي ضرب الوطن بأيدي أطفاله وبراعمه وتحقيق الزعامات، وتسديد فاتورة ما يحصلون عليه من الطامعين في ذلك الوطن من خلال استغلال الأطفال أبشع الاستغلال، وكل ذلك مع تعمية أبصار أولياء الأمور, وتغييب عقولهم عن ادراك حقيقة أن هذا الاستغلال البشع لأبنائهم سيدمر حياتهم وينحرف بمستقبلهم عن الطريق المأمول.. والحقيقة المرة هي انه لن تكون هناك وسيلة بعد ذلك لاصلاح الاعوجاج والعطب الذي يصيب شخصيات هؤلاء الأطفال جراء هذا الاستغلال الذي يفسد شخصياتهم.

ناقش مجلس الوزراء هذه القضية المجتمعية باعتبارها واحدة من أبرز قضايا الوطن.. وحاول أن يحمّل أولياء الأمور المسئولية، ولكنه في ذات الوقت أراد أن يحمل الآباء وأولياء الأمور وحدهم كل المسئولية.. وخاصة عندما قال بيان المجلس «ان مجلس الوزراء يدعو الآباء وأولياء الأمور الى تحمل مسئولياتهم في الحفاظ على الأطفال والشباب من التغرير بهم وإبعادهم عن كل ما يضر مباشرة بأمن وطنهم واستقراره، ويهيب بهم ايلاء اهتمام خاص بتربية أبنائهم بشكل يحول دون استغلالهم في أعمال تضر بوطنهم ومستقبلهم».

ولكن المجلس رأى ألا يحمل أولياء الأمور وحدهم تبعات هذه المسئولية الخطرة ما دامت هناك أطراف أخرى متورطة في هذه القضية، وانها أشد خطرا عندما قال: «يدعو المجلس الى أن تنأى المنابر والجمعيات السياسية والمؤسسات الأهلية بنفسها عن استغلال الأطفال والشباب وعن تحريضهم على القيام بأعمال مخالفة للقانون وللعادات البحرينية الأصيلة».

الحقيقة أن مجلس الوزراء لم يُـرد أن تتوقف جهوده في هذه القضية الخطرة عند حد توجيه الدعوة الى الأطراف المسئولة عن حدوثها، بأن تعود الى رشدها والى صوابها لانتشال الأطفال من الغرق في أوحال الجريمة والإساءة الى الوطن وإدمان الإجرام، وضياع مستقبلهم.. ومن بين هذه الأطراف الآباء وأولياء الأمور والمنابر والجمعيات السياسية العابثة بمقدرات الوطن.. وانما آثر المجلس ألا يترك هذه القضية من دون أن يرسم خطط العلاج والتقويم وحماية أطفال الوطن.. ويقيننا أن هذا هو قدر المجلس وواجبه الأول، لذا أبدى كل اهتمامه - ومن خلال الجلسة أيضا - فباشر في بحث استراتيجية الحكومة في مجال الطفولة والشباب، وفي تنظيم برامجها بشكل يفضي الى الحيلولة دون جنوح الأطفال والشباب نحو سلوكات مضادة للمجتمع، أو الاستجابة الى محاولات استغلالهم في الأنشطة غير المشروعة أو الضارة.. كما تناول المجلس عددا من المحاور والخيارات التي تضمنتها مذكرة وزيرة حقوق الانسان الشارحة لكيفية تحصين الناشئة من مثل هذا الاستغلال من خلال المسئولية الوالدية والبيئة الأسرية المحيطة، والدعم والارشاد النفسي.

ورغم هذا الجهد الظاهر الذي بذله مجلس الوزراء خلال جلسة امس الأول.. فإنه أراد الا يترك الأمور هكذا عند هذا الحد من التشخيص للمشكلة أو تحديد المسئولين عن حدوثها.. فقام ببلورة هذا الجهد الطيب المبذول بإصدار قراره بتشكيل لجنة عليا برئاسة وزيرة حقوق الانسان والتنمية الاجتماعية.. تضم ممثلين عن الوزارات والجهات الحكومية ذات الصلة لوضع خطة شاملة لمعالجة قضية انحراف الناشئة ووصمة مشاركتهم في أعمال العنف ضد وطنهم والإساءة الى أمنه واستقراره.. والعمل على وقايتهم من التغرير بهم.

والمصيبة في هذه القضية ان هناك ما هو أبشع من هذا كله, وخاصة عندما يحاولون تدريب الأطفال والشباب على أن يكونوا مأجورين ويقبلوا بالحصول على الفتات.. رغم الملايين التي يحصل عليها غيرهم.. وكل ذلك نظير تدمير الوطن بأياديهم وتصوير الأمور على أن تدمير الأوطان له الأجر والثواب عند الله!

ورغم أنني لم أعد أستريح كثيرا الى جدوى تشكيل اللجان العليا أو غير العليا.. ذلك لأنها تأتي محمولة عبر الشكل والمظهر أكثر من الحرص على الجوهر، كما انه لو عدنا الى الوراء سنوات عدة فسوف نكتشف ان مئات اللجان العليا وغير العليا شكلت واجتمعت ودبجت التقارير التي لم يجن ثمار أي منها حتى الآن..

المهم رغم ذلك فأنا أرى أن الأطراف الأخرى المعنية بهذه القضية والقادرة على سبر أغوارها ستكون بمقتضى نص قرار المجلس غائبة عن تشكيل هذه اللجنة المهمة.. الأمر الذي سوف يدمغ توصياتها وقراراتها بالبطلان!



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة