قضايا و آراء
عبدالناصر في صورة من قريب
في ذكرى عدوان 5 يونيو 1967م
تاريخ النشر : الثلاثاء ٥ يونيو ٢٠١٢
منذ عام 1952م والاستعمار يعمل ليل نهار تارة يهرول وتارة أخرى يركض إلى ان وصل إلى المطاف عام 1956م فكان العدوان الثلاثي على مصر.
هذا المستعمر الغربي كان ومازال يتآمر دون ان يهدأ لانه لا يريد للشعوب التي أطلق عليها شعوب العالم الثالث ان تتعلم وتعمل وتنهض، وهذا المستعمر يرى نفسه وصيا على شعوب الأرض المستضعفة يمتص خيراتها ولا يشبع وعندما يريد استحواذ كل شيء يشمر عن ساعديه ويبدأ إما بالاعتداء وإما ينيب عنه آخرين ليفرق بين هذا البلد وجاره كل هذا كان سببه غضبه من قيام ثورة يوليو 1952 بقيادة الزعيم العربي الخالد جمال عبدالناصر وعندما فشل في عدوانه في 29 نوفمبر 1956 على مصر بدأ يخطط لعدوان أكثر ضراوة، وقبل ذلك بقليل تعرض عبد الناصر للعديد من محاولات التخلص منه حتى وصل الأمر إلى الاغتيال وكانت المخابرات المركزية الأمريكية ضالعة في أكثر من محاولة لاغتياله وقد انتهت جميع هذه المحاولات بالفشل، لذا كان الخيار هو في الحل المتبقي للتخلص من عبدالناصر وذلك عبر شن عدوان 5 يونيو ولتبقى الولايات المتحدة الأمريكية وكأنها الحمل الوديع بعد ان أسندت هذه المهمة إلى اسرائيل بمساعدة (حلف الأطلنطي) لضرب عبدالناصر في يونيو .67 وكان الهدف أولا: انزال هزيمة مشينة بالجيش المصري تكون بمثابة العار والمأساة لكل عربي، ثانيا: إسقاط عبدالناصر بهذه الصورة لتحقيق هدف انهيار النظام الثوري بكل ما يمثله وما قام من اجله.
هذا المستعمر والمعتدي يبقى كذلك إلى يومنا هذا فقد أطلق على خطة القضاء على عبد الناصر (اصطياد الديك الرومي).ان الهجوم الإسرائيلي على مصر يوم 5 يونيو 1967، بدأ في الساعة 8,45 صباحا بضربة الطيران بينما كانت البداية فعلا في الساعة الخامسة و12 دقيقة صباح يوم 5 يونيو بهجوم بري تقدمت فيه القوات الصهيونية مسافة 12 كيلومترا داخل الأراضي المصرية واحتلوا منطقة ام بسيس الساعة 7,15 صباحا ثم بعد ساعة ونصف من احتلالهم (ام بسيس) بدأت ضربة الطيران.
أيها العرب انظروا الآن او تذكروا يا من عايشتم تلك الحقبة من الزمن وانتم يا من ولدتكم أمهاتكم في يونيو 1967 او بعد حين، كيف كان كبار الرؤساء يكذبون، اذ طلب الرئيس الأمريكي (جونسون) لقاء السفير المصري الدكتور مصطفى كامل وحذره من قيام مصر بأي هجوم، ثم اتصل (جونسون) برئيس الوزراء السوفيتي كوسجين وابلغه ان ناصر ينوي شن هجوم على إسرائيل يوم 29 مايو، وطلب فيه إبلاغ عبد الناصر بأن أمريكا لن تسمح للطرفين القاهرة او تل أبيب بشن هجوم على الآخر، وضرورة التقيد باتفاقيات الهدنة.
وفي الساعة الثالثة والنصف من صباح يوم 27 مايو حمل السفير السوفيتي في القاهرة رسالة مماثلة من كوسجين رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي إلى الرئيس عبدالناصر، وهكذا تحولت هذه الرواية من قبل الرئيس الأمريكي جونسون إلى كذبة مصدرها رئيس اكبر دولة في العالم ولو كان رئيس دولة أخرى ليست ذات نفوذ لكان الأمر هينا بعض الشيء، وهذه حكاية أخرى من بقايا الاستعمار في تلك الحقبة يذكر انه ابان العدوان الثلاثي عام 1956 ارسل الزعيم البريطاني (تشرشل) رسالة إلى (ايزنهاور) أكد فيها ان أي انتصار لعبد الناصر سيكون انتصارا اكبر للاتحاد السوفيتي، وللقارئ نص الرسالة لتكون الرؤية أكثر وضوحا: (إنني اكتب هذه الرسالة لمعرفتي بالمكان الذي يقع فيه القلب، فأنتم الآن الشخص الوحيد الذي يمكنه التأثير في الأحداث، سواء في الأمم المتحدة او في العالم الحر، فلا تضيع القضايا الجوهرية في مهاترات بين الأمم فان مسؤوليتكم هي في الحقيقة، مسؤولية كبرى، وليس هنا من يؤمن بجدارتكم بتحمل العبء أكثر من هذا الذي يرسل لكم أفضل التمنيات، صديقكم القديم (وينستون تشرشل).
وبالرغم من ان عدوان 1967 خدعت فيه أمريكا القيادة المصرية ثم ساندت وساعدت إسرائيل في هذا العدوان، قالت جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل بكل عنجهيتها الصهيونية التي تضخمت بطبيعة الحال في أعقاب يونيو 1967، ان مصر فقدت في يونيو 1967 أكثر من 90% من أسلحتها المختلفة في الوقت الذي اعتبرت فيه المحاولات العربية لتحرير الأراضي المحتلة نوعا من القتل والتدمير لإسرائيل!! وخاصة ان عبدالناصر كان قد اعلن بعد العدوان استراتيجيته بصراحة عندما رفع شعاري (إزالة أثار العدوان، وما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة) إذاً كانت هذه العجوز (جولدا مائير لم تكن فرحة بالانتصار، بل كانت مشاعرها مشوبة بالخوف من عبدالناصر الذي لم تفقده الهزيمة إرادة الصمود والتحدي بعد ان ظنت إسرائيل كلها انه تم القضاء على عبد الناصر في الخامس من يونيو 1967، وفي الحقيقة كلما وجدت نفسي اكتب عن هذا الرمز الشامخ (رمز الأمة العربية) الذي جاء في موعده مع القدر في 23 يوليو .1952 تجول بخاطري مواقف عديدة لهذا الزعيم الخالد اخترت للقراء الأعزاء هذا الموقف.
فقد روي ان الدكتور عزيز صدقي رئيس الوزراء السابق انه حين كان وزيرا للصناعة وجه إليه عبداللطيف البغدادي، أثناء اجتماع لمجلس الوزراء عبارة اعتبرها عزيز صدقي إهانة له فانسحب من اجتماع مجلس الوزراء.. وخرج ليتصل بعبد الناصر في بيته لكي يقدم له استقالته وهنا رد عليه محمد احمد سكرتير عبدالناصر الخاص قائلا: ان الرئيس نائم فطلب منه ان يوقظه لان لديه امرأ اخطر من ان يحتمل الإمهال، وأيقظ محمد احمد الرئيس فطلب منه أي عزيز صدقي ان يحدد له موعدا عاجلا يراه فيه وحين ذهب إلى مقابلته بدأ عبدالناصر بقوله: (خير يا عزيز؟) ورد الدكتور عزيز صدقي بان ناول عبدالناصر ورقة مطوية سجل فيه استقالته وبهدوء شديد، فتح عبدالناصر الورقة وراح يقرأها.. ثم بهدوء اخذ الدكتور عزيز إلى جانبه وقال له أريد ان اعرف السبب، فروى له عزيز صدقي ما جرى بينه وبين عبد اللطيف البغدادي فإذا به يغرق في الضحك ويقول لعزيز، إذا كنت أنت تقدم استقالتك من اجل عبارة كهذه، فماذا افعل انا إذن، وقد قذفني صلاح سالم في احد اجتماعات مجلس الثورة بدواة الحبر؟ أنت يا عزيز تعلمت أشياء كثيرة، لكنني أرى انه ينقصك ان تتعلم الصبر، وأكمل الدكتور عزيز صدقي روايته بعد ذلك ماسكا بيده استقالته.
وفي الختام هذه عبارة رأيت ضرورة تسطيرها عن الزعيم الخالد جمال عبدالناصر: (الى روح جمال عبد الناصر.. انت الشهاب الذي توهجَ في سماء الوطن العربي الكبير فأنار دروبه).