عالم يتغير
التمييز بين المواطن الصالح والمواطن الطالح ضرورة
تاريخ النشر : الأربعاء ٦ يونيو ٢٠١٢
فوزية رشيد
} في كل دول العالم التي تعتمد مفهوم (المواطنة) أساسا أو مقياسا أو ميزانا لتحديد الحقوق والواجبات، فإنها تفرق وتميز أيضا بين المواطنة الصالحة والمواطنة الطالحة، بناء على ذات المنطلق، حيث (الوطنية) جوهر أصيل في تحديد المعايير واكتساب حقوق المواطنة مقابل أداء واجباتها والتزاماتها. وبهذا المقياس لا تهم الفروق الدينية أو المذهبية أو العرقية، وإنما المهم أولاً وقبل أي شيء هو (الولاء للوطن) باعتباره فوق كل شيء، وأي اخلال بهذا الولاء، وأيا كان المبرر، يدخل فورا في باب (الخيانة الوطنية)، وعليها تتحدد الاجراءات والعقوبات والخصم من امتيازات المواطنة التي تم الاخلال بها حسب القانون والدستور، فإذا أصبح مثلا الولاء العرقي فوق الولاء الوطني، فذلك اخلال بميثاق العهد الوطني الذي يجمع المواطنين كافة في بلد معين، ومثله إذا أصبح الولاء المذهبي فوق الولاء الوطني حدث ذات الاخلال بالمفهوم الاساس الذي بناء عليه تنصهر وتنحصر وتتبوتق كل الانتماءات والولاءات والمذهبيات والعرقيات لتكون مجرد تنويعات أو تعددية وطنية يجمعها الإطار الأشمل الذي هو الوطن.
} في البحرين وحدها هناك فئة تقود طائفتها بشكل فيه الكثير من التضليل السياسي والتلاعب الديني والاخلال بالمفهومين «الوطن والمواطنة»، لتجعل المذهب فوق الدين والطائفة فوق الوطن، أي أنها تخل عن سابق إصرار وتعمّد بكل المفاهيم الوطنية وخاصة في ظل ولاءاتها للمرجعيات السياسية والعقدية الخارجية أو العابرة للحدود، وتعمل على خلخلة كل الثوابت الوطنية بل الانقلاب عبر العنف والارهاب على العقد الاجتماعي والدستور اللذين يشملان كل المكونات الشعبية على أساس المواطنة ثم بعد ذلك الاخلال الخطر بمسئوليات وواجبات المواطنة الصالحة تطالب تلك الفئة ذاتها بالحقوق كاملة وفتح أبواب الحريات كافة لها، بل تطالب بتمييزها عن بقية المكونات التي تمثل غالبية الشعب البحريني، ونموذج تلك المطالبة «الحوار الانفرادي» بين الدولة وبين بعض أو احدى الجمعيات السياسية التي تقود الحراك الانقلابي طوال سنوات كثيرة مضت ثم ترفع بعد ذلك (ملف التمييز)، باعتبار ان التمييز ضدها يتم على أساس طائفي وليس على أساس منطلقاتها وسلوكاتها السياسية المشينة في حق الوطن والشعب.. كل الشعب.
} مشكلة البحرين أن تلك القيادة الانقلابية سواء عبر المظاهر السياسية أو عبر سلوكات العنف والارهاب، تقود طائفتها وبشكل طائفي فج للانقلاب على الوطن وعلى الحياة البحرينية الآمنة، أي تقود طائفتها للعزل السياسي والاجتماعي في ظل استهجان الغالبية الشعبية للدور الذي تقوم به، ومن أجل ذلك تقوم أيضا في إطار (فهلوة سياسية) باتت مكشوفة للجميع بالتحدث عن الشعب والمطالبة باسم الشعب، لتدخل العالم في التمويه اللفظي السياسي في الوقت الذي تختزل فيه الشعب في طائفة واحدة، في حالة نكران لحقوق وحريات المكونات الاخرى كافة، ثم لتختزل في إطار السلوك العملي كل الطائفة في نفسها، فهي تقوم باختزالين خطرين حيث تصبح المعادلة (ان هذه الفئة الانقلابية أو المعارضة الراديكالية هي الشعب البحريني كله)، وعلى هذا الاساس هي تتحرك وتتصرف في كل المحافل العربية والاقليمية والدولية، والاغرب ان على هذا الاساس ايضا تتصرف الادارة الامريكية مع الدولة البحرينية وجميع المكونات التي تتجاهل هذه الادارة ارادتها بل وجودها وتحاول بذلك فرض القيادة الانقلابية على الوطن وعلى الناس كافة رغم ان هذه الفئة تحديدا ليست لها أي مشروعية في المطالبة بأي حقوق بعد ان أخلت بجميع الالتزامات الوطنية وأسس المواطنة الصالحة.
} الاغرب من كل ذلك ان ذات الفئة تسمم الاجواء الوطنية حتى الآن بعد ان نجحت في تقسيم الشعب منذ انقلاب الدوار الفاشل وتجعل من ملف التمييز ضدها أو ضد عناصرها الانقلابية، أنه (تمييز طائفي) وخاصة وهي تسعى بكل جهد ومنذ سنوات طويلة إلى إدخال عناصرها الموالية لتيارها العقدي أو السياسي الانقلابي القائم على ولاية الفقيه تسعى بكل «حيلة وفتيلة» إلى ادخال تلك العناصر في المناصب القيادية في «الجيش» أو «قوة الدفاع» وفي «وزارة الداخلية»، وتعتبر ان عدم السماح بذلك هو تمييز طائفي، وليس تمييزا بين مواطن وطني قادر على تحمل مسئولية تلك الوظائف الحساسة التي اهم اسسها (الولاء للوطن) وبين مواطن طالح ولاؤه لخارج الوطن ويعمل في إطار الانقلاب على الدولة وعلى الشعب وعلى الدستور، ويجاهر بذلك الانقلاب وإسقاط ليس النظام فقط وإنما كامل الحياة البحرينية في كل جوانبها الوطنية والدستورية والاصلاحية والسياسية.
} وفي هذا تحديدا وبخصوص تلك الفئة أو القيادات الانقلابية وبخصوص الموالين لهم ولأجندتهم فإن من حق الدولة البحرينية (ممارسة التمييز) على أساس المواطنة إن كانت صالحة أو طالحة وان كانت وطنية أو غير ذلك، وليس على أساس طائفي كما يتم الترويج له، فليس ذنب الشعب أو ذنب الدولة أن كل الموالين تقريبا للأجندة الانقلابية الطائفية هم من طائفة واحدة بعينها لتتم بعد ذلك ترجمة سلوك الدولة ناحيتها بما يخص المراكز الحساسة في الجيش أو في الداخلية بأنه تمييز طائفي. الحقيقة تقول والواقع يقول انه لا يمكن لمن يوالي مرجعية سياسية أو عقدية خارجية ذات أطماع في الوطن تاريخية ومعاصرة، وتضع لمواليها أولئك وعملائها داخل البحرين أجندة خاصة بكيفية التسرب إلى المراكز الحساسة في الدولة وعلى رأسها الجيش والداخلية، ثم ينتظر أولئك العملاء ـ ورغم وضوح الأهداف والاجندة ـ ان تفتح الدولة كل مراكزها الحساسة تلك لاستقطاب أولئك العملاء أو الخونة حسبما اتضح منذ الانقلاب الاخير تحديدا، أو تفتح الابواب للمعارضة الانقلابية، لتنفذ بعدها بأريحية مطلقة الاجندة الخارجية، فإن لم تنفتح الابواب بالكيفية التي تريدها اتهمت الدولة بالتمييز الطائفي. هل هناك أغرب مما يحدث في البحرين اليوم؟!
وللحديث تكملة.