قضايا و آراء
الأمن الغذائي والثروة السمكية
تاريخ النشر : الأربعاء ٦ يونيو ٢٠١٢
طالعتنا الصحف قبل اسبوع (31 مارس) بتصريح للادارة العامة للثروة السمكية حول انخفاض المخزون السمكي في المياه الخليجية بنسبة 30%، وفي اليوم نفسه صرح وزير الصناعة والتجارة، بان الوزارة تبذل جهودا لتأمين الامن الغذائي وكأنه يطمئن المجتمع عن آثار تصريح الثروة السمكية. ولكون الامن الغذائي هو مرتكز للامن القومي فان هذا الخبر يطرح سؤالا حول اهمية البحث في أسباب انخفاض نسبة الثروة السمكية ومعالجة نتائجه ومساءلة المسئولين عن هذا التدني فيها والعبث بأمننا القومي.
تصريح المدير العام للثروة السمكية يعزي ذلك إلى سببين، الاول التوسع العمراني عبر مشروعات الدفان والثاني الصيد الجائر. وفي كلتا الحالتين فإنها مسئولية الحكومة من خلال منح أراض والسماح بدفنها، وفي الحالة الثانية في عدم تقنين الصيد ومنح رخص اكثر من استيعاب البحر والسماح لغير البحرينيين بالعمل في هذا المجال.
فيما يتعلق بالدفان نتذكر جميعا التحقيق الذي أجراه مجلس النواب في عام 2009 برئاسة النائب السابق ناصر الفضالة وخلص إلى نتائج مذهلة حول تأثير الدفان بالردم والتجريف في الثروة السمكية. تبين في هذا التحقيق ان العبث بالبحر كان من خلال دفان أراض موهوبة تتحول إلى جزر صناعية في معظمها سكن فاخر لأجانب، يستفيد من هذه المشاريع عدد قليل جدا ويتضرر المجتمع البحريني. يتم ذلك على مرأى من الدولة وبموجب قوانين تم وضعها لتسهيل العملية والسماح للخليجيين بالتملك (لم تكن دول الخليج، في ذلك الوقت، تسمح للبحرينيين بالتملك)، وكذلك السماح للأجانب بالحصول على الاقامة. ماذا فعل البرلمان بذلك التقرير؟ لم يتمكن إلى الآن محاسبة أو مساءلة احد، فهل هذا بسبب ضعف الصلاحيات ؟
نتيجة لهذا التدمير للحياة البحرية والثروة السمكية ضج الصيادون من الضرر الذي وقع عليهم. وقبل شهر تقريبا نشرت إحدى الصحف تحقيقا مع صيادي المحرق حول الثروة السمكية وتحدث في هذا التحقيق احد البحارة وبين كيف ان البحر هو مصدر رزق للعديد من الاسر البحرينية.
كما اوضح العديد من التجاوزات التي تحدث واهمية التصدي لها ومن هذه التجاوزات استخدام وسائل صيد جائرة وممنوعة في دول خليجية بسبب تدميرها لقاع البحر. والسبب الثاني هو كثرة العمالة الاجنبية التي لا تكترث بسلامة البحر واستدامته. فعلى خلاف الصياد البحريني الذي اظهر تاريخيا وعيا بأهمية العناية والاهتمام بالبحر وعدم الجور في الصيد وضرورة استخدام وسائل صيد مناسبة لا تدمر البيئة ولا تقضي على استدامة التنوع الفطري. والسبب الثالث هو زيادة عدد رخص الصيد التي تمنحها الادارة.
بالاضافة إلى تدمير البحر فقد نُشر مؤخرا ان هناك تدميرا لخليج توبلي يجري تحت أنظار السلطات مما يعرض أشجار القرم، التي تمثل حماية للبيئة، للتدمير. ويناشد الصيادين الثروة السمكية بحمايتها وحماية ما تبقى من خليج توبلي. فماذا فعلت الهيئة العامة لحمايته؟
ازاء كل ذلك ترى الادارة العامة للثروة البحرية ان الحل يكمن في الاستزراع وهي تتعاقد مع بعض الشركات لهذه الغاية. هذا الاستزراع قد يكون حلا مؤقتا وخطوة في الاتجاه الصحيح ولكنه لن يعالج المشكلة لان منظومة سوء الإدارة سوف تجتاح حتى هذا الاستزراع إما بتدميره وإما بعرقلته كما حدث لمشروع استزراع بحريني استمر أربع سنوات وإلى الآن لم ير النور.
إذا نظرنا إلى العوامل المؤثرة على هذه المشكلة وغيرها من مشاكل البيئة والزراعة التي تؤثر في حياة المواطن نجد انها تتركز في أولا: تدمير البحر من خلال الدفان بالردم والتجريف لأراضي البحر من اجل استملاكها من قبل فئة صغيرة على حساب المجتمع، ثانيا: الصيد الجائر وضعف الرقابة والتقنين، ثالثا: تدمير الاراضي الزراعية بالإنشاءات بدلا من استخدام الاراضي الصحراوية المتوافرة، رابعا: توزيع اراض على البعض ومن ثم دفع تعويض لاستملاكها لمشاريع اسكانية، خامسا: زيادة سكانية كبيرة من جراء استقدام العمالة الاجنبية بسبب كثرة الاعمار الاستثماري الموجه إلى الاجانب والسكن البذخي.
خامسا: تدمير البيئة البحرية في المحميات الطبيعية واقامة مشاريع قريبة من السواحل. سادسا: استخدام المال العام لاصلاح ما تدمره قرارات وسلوكات خاطئة .
جميع هذه السلوكات بما فيها مشروع تعويض العقاريين عن الخسائر التي لحقت بهم والخطط التي تضعها الجهات المختلفة ما هي إلا علاجات لمشاكل اوجدها إتجاه المحاباة في تطبيق القوانين لحماية البيئة، وجميعها تسير على الوتيرة نفسها.
مشاريع تستفيد منها فئة ، هذه المشاريع تسبب مشاكل اقتصادية وبيئية واجتماعية تقوم الدولة بصرف المال العام لمعالجتها إما بالتعويض المباشر، كما في حالة الاستملاك والتعويض العقاري، وإما بشكل غير مباشر في حالة الاستزراع، ومعالجة تدمير البحر.
أما الامن الغذائي ، فلا يعدو كونه توفير مواد غذائية يتم بالتعاقد مع شركات اجنبية. هذا الاجراء وان كان هاما فانه وقتي ولا يعالج المشكلة الاساسية الا وهي أننا نعبث بمقدراتنا وأمننا القومي لمصلحة فئة تتربح من معاناة الشعب.
الحل الجذري لهذا المشكلة يجب ان يبدأ من خلال المشاركة السياسية وتعزيز قدرة المجتمع على المساءلة والمحاسبة الحقيقية واستقلالية القضاء والنيابة العامة وصلاحيات برلمانية قادرة ، ويُتوج ذلك بهيئة مستقلة لمكافحة الفساد تتبع البرلمان.