«أوباما» يصر على استفزاز العرب ويمنح «بيريز» ميدالية الحرية
لماذا يصر الغرب.. والولايات المتحدة تحديدًا على استفزاز الشعوب العربية؟
 تاريخ النشر : الخميس ٧ يونيو ٢٠١٢
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
هذا السؤال سيتبادر إلى ذهن كل عربي حين يقرأ في الصحف أو يشاهد على شاشات التلفاز نبأ قيام الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» بتكريم قاتل أطفال «قانا» الرئيس الإسرائيلي «شيمون بيريز» ضمن ١٣ شخصية أمريكية بمنحه ميدالية الحرية التي هي أرفع وسام مدني أمريكي.
وتزيد حالة الاستفزاز حين نعلم أن هذه الميدالية لا تمنح إلا للأمريكيين المتميزين في أعمالهم فقط، والأكثر من ذلك أن «بيريز» سيمنح الجائزة في حفل تكريم منفصل، وبعيدًا عن حفل التكريم الذي سيقام في ١٣ يونيه للشخصيات الـ١٢ الأخرى.. ليبدو «بيريز» أكثر تميزًا وتفردًا عن غيره من المكرمين.
إن ما سبق في حقيقة الأمر يطرح سؤالين مهمين، الأول: ما هي مناسبة هذا التكريم وطبيعة الانجاز الذي قدمه «بيريز» حتى يبادر الرئيس «أوباما» إلى منحه أعلى وسام أمريكي.. وبالتالي يساويه بمن قدموا خدمات جليلة للولايات المتحدة؟ والثاني: لماذا تم اختيار هذا التوقيت بالذات لإعلان منحه الجائزة؟
بداية، إن قيام الرئيس «أوباما» بتكريم شخصية مثل «بيريز» لا يختلف عن تكريم الغرب له بمنحه جائزة نوبل عام ١٩٩٤، فهو يكشف وبصورة كبيرة عن حالة من النفاق لا مثيل لها.. كما أنه يبين كيف أن الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية لا وجود لها في المعايير الأمريكية والغربية عمومًا في تقييم والحكم على السياسات والمواقف.. ويوضح كيف أن الغرب - نظرًا لغياب هذه الاعتبارات - على استعداد لتكريم ومكافأة أعتى مجرمي الحرب لاعتبارات سياسية ومصلحية بعد أن ارتدوا قناع المصلحين ورجال السلام.. رغم أن شعوب العالم عن بكرة أبيها تعرف حقيقة أمرهم.
وإذا كان هناك من يمكن أن يبرر تكريم «شيمون بيريز» أمريكيٌّا بأنه أسهم في توطيد العلاقات بين أمريكا وإسرائيل على مدى العقود الستة الماضية من عُمر الدولة العبرية.. فإن هناك كثيرين باتساع العالم يرون أنه هو ومعه العديد من المجرمين لا يستحقون سوى المحاكمة على جرائمهم بحق العرب والفلسطينيين، التي تجعل مكانه الطبيعي.. هو السجن خلف القضبان.فـ«شيمون بيريز» منذ أن وطئت قدماه أرض فلسطين (التي كانت واقعة تحت الانتداب البريطاني) عام ١٩٣٤، كان له دور واضح في تخطيط وتنفيذ المؤامرة الصهيونية لاغتصاب أرض فلسطين من أهلها.. وكان ضالعًا في أغلب ما وقع من مجازر بحق العرب والفلسطينيين على مدى سنوات الصراع مع إسرائيل.. وبنظرة سريعة على تاريخ «بيريز» غير المشرف.. سنجد أنه في سن مبكرة انضم إلى قيادة عصابات «الهاجاناه» التي شاركت بتفريعاتها «أرجون» و«شتيرن» في مذابح عديدة ضد الفلسطينيين كان أشهرها وأكثرها فظاعة مذبحة دير ياسين في ابريل عام ١٩٤٨، وحيث كان بيريز هو المسؤول عن الموارد البشرية وشراء العتاد.
وخلال فتره عمله في وزارة الدفاع في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كانت مهمته الأولى هي جمع السلاح اللازم لدولة إسرائيل الحديثة، وإليه يرجع الفضل في حصول إسرائيل على الطائرة الفرنسية ميراج «٣»، فضلاً عن كونه مهندس المشروع النووي الإسرائيلي في «ديمونة» بالتعاون مع فرنسا.. هذا غير دوره في تنظيم التعاون العسكري مع فرنسا خلال العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر عام .١٩٥٦
وفي المناصب القيادية كافة التي تولاها سواء كوزير أو رئيس وزراء أو كرئيس دولة، كان «بيريز» دائمًا نموذجًا للمسؤولين الإسرائيليين الذين تجاهلوا القانون الدولي الإنساني على مدار سنوات تقلدهم المسؤوليات الرسمية البارزة.. فضربوا عرض الحائط باتفاقيات جنيف وخرقوها بشكل مستمر وبصورة صارخة في كثير من الأحيان، مما كبد الآلاف من المدنيين حياتهم ونزعت منهم حقوقهم.
ففي فترة تولي بيريز رئاسة الحكومة الإسرائيلية من ١٩٩٥-١٩٩٦ وجه بصفته التنفيذية قوات الجيش الإسرائيلي إلى ارتكاب مجزرة «قانا» الأولى في ١٨/٤/١٩٩٦ (أي بعد عامين من نيله جائزة نوبل للسلام) فيما عرف باسم عملية «عناقيد الغضب»، تلك المجزرة التي سقط خلالها ١٠٦ مدنيين أغلبهم من النساء والأطفال بعد قصف مبنى كانوا يختبئون فيه تابع لقوات الأمم المتحدة «اليونيفيل».
ومن ينسى أنه خلال رئاسته لإسرائيل التي تولاها في ١٥/٧/٢٠٠٧، وقعت أكبر مجزرة في حق قطاع غزة، حين نفذ الجيش الإسرائيلي عملية «الرصاص المصبوب» ضد القطاع في الفترة من ٢٧/١٢/٢٠٠٩-١٨/١/٢٠٠٩، التي أسقطت ١٤٥٠ قتيلاً فلسطينيٌّا أغلبهم من المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ، فضلاً عما يقرب من ٥٠٠٠ جريح، وقد تولى «بيريز» خلال وبعد الحرب مهمة تبريرها بشكل متكرر وقام بدور مركزي في الدعاية لها، ولم تصدر عنه أي إدانة سواء أثناء الحرب أو بعدها للانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق سكان غزة ومازال متمسكًا بدفاعه عنها وتبرير الجرائم المرتكبة.
ولقد نسب تقرير لجنة تقصي الحقائق بشأن جرائم الحرب في غزة المعروف بـ«تقرير جولدستون» إلى قرارات صناع القرار الإسرائيليين رفيعي المستوى مسؤولية ارتكاب خروق لقوانين الحرب؛ حيث «إن الحوادث وأنماط الأحداث التي أخذت بعين الاعتبار في التقرير هي نتاج تخطيط عمدي وقرارات سياسية».
وبعيدًا عن مجازر «قانا» و«غزة»، فإنه في ظل رئاسة «بنيامين نتنياهو» للحكومة الإسرائيلية يتصرف «بيريز» من موقعه برئاسة الدولة بطريقة تكرس الأداء والسياسة المتطرفين لهذه الحكومة، إذ لم يبد معارضة لسياسة التوسع في بناء المستعمرات بالقدس الشرقية والضفة الغربية، وكان موقفه متواطئًا في تشييد جدار الفصل العنصري الذي يواصل الاحتلال بناءه في الضفة والقدس رغم رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري في ٢٠٠٤، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام ٢٠٠٥ ضد إقامة هذا الجدار.
ما سبق فيض من غيض يؤكد أن «شيمون بيريز» من أعتى مجرمي الحرب وأن جرائمه بامتداد عمر دولة إسرائيل، فهو شريك فيها جميعًا بحكم المسؤولية سواء أمر بها أو بررها أو سكت عنها.. وهو ما يكفي لمحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي أو غيرها من المحاكم الجنائية الدولية الأخرى.
ومعنى ذلك أن تكريم «بيريز» سواء بمنحه جائزة «نوبل» عام ١٩٩٤ أو بمنحه ميدالية «الحرية» من جانب الرئيس «باراك أوباما» هو تزوير وعدم اعتراف بتاريخه الدموي، ذلك التاريخ الذي ينكره الغرب وأمريكا، ويحاولان تجميله مجاملة لإسرائيل وقادتها، وهو ما يشجعها دومًا على المضي في جرائمها مادامت لا تجد من يحاسبها، بل تجد من يكرمها ويكرم قادتها أيضًا من مجرمي الحرب.فالأمر إذًا لا يخرج في النهاية عن كونه تعبيرًا عن حالة الزواج غير الشرعي بين الغرب (والولايات المتحدة تحديدًا) وإسرائيل، فالعلاقة بينهما هي علاقة مصالح لا تنفصم، بحيث تبدو فوق القيم والاعتبارات الأخلاقية والإنسانية، حتى ان الإسرائيليين أنفسهم وصفوا منح «بيريز» وسام «الحرية» في احتفال خاص في البيت الأبيض بأنه «حفل لدعم إسرائيل»، كما وصفه محللون بأنه جزء من الحملة الانتخابية لـ«أوباما» ردا على ادعاء منافسه الجمهوري «رومني» الذي يتهمه بالإساءة إلى إسرائيل إرضاءً للعرب.
ولعل المتابع للساحة السياسية الأمريكية يمكنه التأكد مما سبق؛ حيث يوجد تسابق بين النواب الديمقراطيين والجمهوريين في الكونجرس لزيادة الدعم لإسرائيل من خلال تقديم مساعدات اقتصادية وأمنية وبصورة لم يسبق لها مثيل.. والضحية هم الفلسطينيون.
ذلك التسابق على مساندة إسرائيل وتقديم أشكال الدعم كافة لها والمسارعة في تكريم قادتها بمنحهم الجوائز والميداليات الرفيعة.. يؤكد أن تلك الجوائز فاقدة القيمة الإنسانية والأخلاقية ومن يمنحها شريك في جرائم القتل، لأن منحها لا يستند إلى معيار التاريخ المشرف ولا تشترط فيمن يحصل عليها ألا تكون يداه ملطختين بدماء الأبرياء، بل هي في أغلب الأحوال تستند في منحها لهذا الشخص أو ذاك إلى اعتبارات سياسية تنسجم مع الهيمنة الغربية الصهيونية، ولا تستند إلى معايير موضوعية حقيقية في عملية التقييم.
فمنح أي جائزة دولية - كما في حالة «بيريز» - يستلزم أن يُراعى في عملية اختيار من يحصل عليها تاريخه، وما إذا كان هناك ما يشينه وأيضًا متابعة مواقفه وأعماله وسياساته إن كان من الزعماء والسياسيين بعد منحه إياها، وسحبها منه إذا اقتضى الأمر ذلك، لأنه لا يصح أن يحصل عليها متورط في أعمال قتل وإبادة، أو أن يستمر في الاحتفاظ بها متورط في مثل هذه الأعمال المشينة.
ويكفي هنا أن نسوق شهادات لأعضاء في لجنة جائزة نوبل الدولية تابعوا شاهدوا ما ترتكبه إسرائيل من مجازر في غزة ضد الأطفال والنساء والشيوخ في ظل رئاسة «شيمون بيريز» صاحب جائزة نوبل للسلام لدولة إسرائيل؛ فـ«برغ فوري» عضو لجنة نوبل أكد أنه وأعضاء اللجنة يشعرون بالخزي لمنح الجائزة لـ«بيريز» لأن الجائزة تمنح من أجل السلام والعمل على إحلاله، بينما الكوارث التي يشاهدها «بيريز» لا تدل على وجود هذا السلام.
ليس هذا فحسب بل إن جمعية حقوقية أوروبية هي «جمعية الحقوق للجميع» السويسرية تقدمت بدعوى في ٢٨/٣/٢٠١١ تطالب السلطات السويسرية باعتقال «بيريز» فور وصوله (في يوم تقديم الدعوى
نفسه) على خلفية ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني بعدما أدان تقرير «جولدستون» الأممي تل أبيب وقادتها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بعد قتل ١٤٥٠ فلسطينيا غالبيتهم نساء وأطفال في ٢٢ يومًا.
إن ما قاله «بيرغ فوري» عضو لجنة نوبل وما أقدمت عليه الجمعية السويسرية من إجراء بحق «بيريز» يدلان - بعيدًا عن المواقف الرسمية للحكومات الغربية المساندة لإسرائيل ؟ على أن هناك حالة وعي بدأت تنمو ويقودها بعض الرجال الشرفاء مثل «فوري» وكذلك بعض منظمات المجتمع المدني الأوروبية، بأن جرائم إسرائيل وقادتها لا يمكن السكوت عليها، لأنها تشكل جرائم بحق الإنسانية تستلزم المحاسبة عليها وإخضاع المسؤولين عنها لأشد العقاب.
وإذا كانت إسرائيل وقادتها يستأهلون المحاسبة والعقاب أمام المحاكم الجنائية.. فإن من يشجعونها على المضي في غيها وجرائمها من قادة دول الغرب يجب أن يحاسبوا أيضًا، بسبب تقديمهم الحماية لها ولقادتها ومنعهم يد العدالة الدولية من الوصول إليهم.. ولسنا هنا في حاجة إلى الإشارة إلى إقدام بعض الدول الغربية ومنها بريطانيا على تغيير قوانينها التي تبيح لها محاكمة مجرمي الحرب الذين ارتكبوا جرائم حرب خارج إقليمها.. وذلك لحماية قادة إسرائيل من الملاحقة الجنائية إذا قدموا إليها.
ولما كان الغرب والولايات المتحدة تحديدًا يقدمون كل أشكال الدعم لإسرائيل ولا يتوانون عن الدفاع عنها، بل توفير الحماية لها ولمسؤوليها من المحاسبة، فلا عجب إذًا في ألا تكتفي بذلك وتقوم بتكريم قادتها بمنحهم الجوائز والميداليات، مادامت قد نحت القيم الأخلاقية والاعتبارات الإنسانية جانبًا وارتضت أن تحمل عن إسرائيل أوزارها.
.