قضايا و آراء
الانتماء والوفاء والولاء..
مظاهرها وسبل تعزيزها
تاريخ النشر : الخميس ٧ يونيو ٢٠١٢
لا نضيف جديدا حينما نقول إن الانتماء والوفاء والولاء للوطن والشعب والقيادة من أرقى المفاهيم الإنسانية وأسماها، حيث تتجسد من خلالها مصداقية إيماننا بالقيم العظيمة وفي مقدمتها ديننا الإسلامي الحنيف الذي منح هذه الكلمات بعدا نوعيا وعمقا روحيا خالدا وتجسيدا بنيويا فاعلا، فلم يقصرها على كلمات وأقوال يرددها من يشاء وكيفما يشاء وبأي وقت يشاء، بل جعل منها سلوكا يوميا نعيشه ونتمثله ونسعى إلى تفعيله والارتقاء به واستعدادا للتضحية من اجل الوطن كلما تطلب الأمر، وموقفا حازما لا نساوم عليه مهما تبدلت الأوضاع واهتزت المعايير وادلهمت الخطوب، فماذا نعني بهذه المصطلحات؟ وكيف نعبر عنها؟ وهل من سبل لتعزيزها؟
الانتماء يعني الانتساب، فانتماء الولد إلى أبيه انتسابه إليه واعتزازه به، والانتماء مأخوذ من النمو والزيادة والكثرة والارتفاع فالشجر ينمو وكذلك الإنسان. وهكذا فان انتماءنا للوطن كانتسابنا لابائنا وأهلينا فهو أسرتنا الكبيرة ومثار حبنا واعتزازنا، وينمو انتماؤنا للوطن مع تطورنا العمري والمعرفي والعلمي.
أما الوفاء فانه يعني أن يلتزم الإنسان بما قطع على نفسه من التزامات وعهود ووعود، سواء كان ذلك الإنسان في موقع المسئولية أو مواطنا عاديا.
وعلى صعيد المواطنين فإن الوفاء يعني الالتزام بدستور البلاد وتشريعاتها ونظمها وعدم الاهتزاز حينما تحتدم التحديات وتتشابك الصعوبات والاستعداد للتضحية في سبيلها والانتصار لقضاياها وتقديس ثوابتها والالتفاف حول قيادتها. والاخلاص والابداع في أداء العمل والبحث عن كل ما يسهم في رقي الوطن، واستشعار المنفعة فيه ومعه، وعد المصلحة العامة عنصر الانطلاق في تحقيق المصلحة الخاصة وتحويل المؤهَلات المتاحة إلى طاقات ايجابية تسهم في نهضة الوطن وتقدمه وازدهاره وضمان مستقبل أجياله.
أما الولاء فيعرف في اللغة بأنه الوفاء والإخلاص والمناصرة والتأييد، وهو في القاموس السياسي مبدأ أخلاقي تتمحور حوله الفضائل الوطنية، وتتكامل في بوتقته الولاءات الفرعية كالولاء للأسرة والولاء للقبيلة والولاء للطائفة، والولاء للحزب، يسمو عليها ولا تسمو عليه، يؤطرها ولا تمتد خارج حدوده ،فأن امتدت فقدت مشروعيتها، وأصبحت تبعية مقيتة. لذلك اعتبر الولاء أولوية في علاقة المواطن بوطنه، إذ يجعله أكثر قربا منه ومعيارا لصدق الانتماء للوطن، يتمظهر في السلوك الذي يترجم مشاعر الاعتزاز بالانتماء، ويتنامى لمستوى البذل والاستعداد للاستشهاد في سبيل حماية أمنه واستقراره وكرامته وسيادته، فهو القيمة العليا السائدة التي ينبغي أن تكون متحكمة في وجدان وضمائر الناس، والدافعية المفعمة بالحيوية التي تجعل المجتمعات قادرة على تحقيق غاياتها.
وحينما نقارن هذه المفاهيم بما عاشته مملكتنا من محنة بدءا من الرابع عشر من فبراير 2011 حتى السادس عشر من مارس 2011 وما لحقها من تداعيات تستهدف خلط الأوراق وتمزيق البلاد وتدمير وحدتها التاريخية ونهضتها المعاصرة، نجد ان أصدق صيغ التعبير عن الانتماء والوفاء والولاء ما عبر عنه جموع المواطنين غير المسيسين بعفوية واحساس مرهف من رفض الفتنة سواء من خلال ما كتبوه في الصحف وصرحوا به لوسائل الإعلام الأخرى أو من خلال تجمعهم في ساحات مركز ومسجد الفاتح أو عبر تجمعاتهم في مجالس ومنتديات ومساجد المملكة، أو في اصرارهم على استمرار العمل في مؤسسات البلاد الخاصة والعامة، أو في خروجهم لحماية المدن والفرجان واستعدادهم للتضحية بالنفس وبكل ما هو عزيز للدفاع عنها، أو في تطوعهم لسد الشواغر الوظيفية في وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة، وتأكيدهم على خيارهم الوطني المشروع عبر التفافهم حول القيادة رمز وحدة البلاد، وغيرها من الممارسات الوطنية النبيلة، وهم بذلك يعبرون عن إيمانهم وتطبيقهم السليم لتعاليم دينهم الإسلامي الحنيف الذي عظم الوفاء، ومنح الأوفياء مكانة رفيعة في الدنيا والآخرة.
ان مصطلحات الانتماء والوفاء والولاء هي معايير اجتماعية تربوية قابلة للتعزيز والتطوير والتثوير فكيف يتحقق ذلك؟ وخاصة أن العولمة والانفتاح وانتشار منظمات المجتمع المدني ذات الامتدادات والتوجيهات الخارجية ساعدت على اضعاف ان لم يكن تغييب هذه القيم لدى قطاعات لا يستهان بها من المواطنين ولاسيما في بعدها التطبيقي وتحولت لديهم إلى مجرد كلمات تردد بهذه المناسبة أو تلك، دون ان يرافقها أفعال وأعمال معززة.
بدءا لابد من إن نؤكد ان قيادة البلاد ممثلة بجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس مجلس الوزراء رعاه الله وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين كانت واعية ومدركة للمؤثرات والوسائل التي تعزز تلك القيم بأبعادها المتعددة، فمن ناحية الأبعاد التربوية توجه القيادة دائما على أهمية أن نغرس ونعزز قيم الانتماء والوفاء والولاء عند طلبة المدارس عبر تزويدهم بالمعلومات الكافية عن مكونات الوحدة الوطنية كالأرض والشعب والسلطة والسياسة والتاريخ المشترك، والتكامل والترابط في إطار التنوع الثقافي والاجتماعي والقومي والديني، وعد قيم الانتماء والوفاء والولاء للوطن والشعب والقيادة مسلمات وثوابت لا ينبغي المساس بها لنضمن لبلادنا وشعبنا حاضرا متقدما ومستقبلا زاهرا.
ومن ناحية الأبعاد الاجتماعية لا تألو القيادة جهدا في سبيل ضمان حياة مستقرة كريمة للأسرة البحرينية، لذا فإنها تعد توفير السكن للمواطنين أولوية لتأمين العيش الكريم والاستقرار الأسري المترافق مع نشر مظلة الخدمات في مناطق المملكة كافة، بما يؤمن مقومات التنمية المستدامة ويسهم في رفع المستوى المعيشي والاقتصادي والاجتماعي للمواطنين.
ومن ناحية الابعاد الاقتصادية سعت قيادة البلاد إلى توفير العمل للمواطنين والحد من البطالة ورفع مستوى الدخل، ومنح القطاع الخاص الوطني الأولوية في تنفيذ المشروعات الحكومية وبما يوجد لديه الرغبة باستثمار إمكانيّاته المالية والابداعية لخدمة بلاده، منطلقة من بديهة تاريخية تؤكد ان ارتباط مصالح الفرد بوطنه يعزز الانتماء والوفاء والولاء له.
ومما ينبغي ان نشير إليه في هذا المقال ونحذر من خطورته إلى ان هناك مواقف وقرارات تتخذ في بعض الوزارات والمؤسسات لا تتسق مع مرئيات قيادة البلاد ان لم تكن تتقاطع معها، تدور في فلك الانبهار بكل ما هو أجنبي، حتى ان كان الوطني أكثر منه كفاءة وأهمية وخبرة مع تهميش ان لم يكن تجاهل للطاقات والخبرات الوطنية، مما يقود إلى حرمان مملكتنا الحبيبة من القيمة المضافة التي يمكن ان تحققها تلك الطاقات وتنعكس ايجابا في تعزيز قيم الانتماء والوفاء والولاء، وخاصة اننا في مرحلة تتطلب تضافر جهود المواطنين والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني مع الحكومة للشروع في ازالة اثار وتداعيات الأزمة التي عصفت بالبلاد ومنع تكرار حدوثها من خلال تفعيل دور الطاقات والكفاءات الوطنية ووضعها أمام مسئولياتها التاريخية والوطنية.
* أكاديمي وخبير اقتصادي