دراسات
برلمان الإسلاميين يحاصر «تأسيسية» دستور المصريين
تاريخ النشر : الخميس ٧ يونيو ٢٠١٢
تبدو كتابة الدستور الجديد لمصر فيلماً غامضاً مفتوحاً على كل السيناريوهات فعملية تشكيل الجمعية التأسيسية التي سيناط بها صياغته تخرج من أزمة إلى أخرى، مرة بسبب إصرار الكتلة الإسلامية في البرلمان على الاستحواذ على نصيب الأسد من أعضائها المائة ومرة بسبب حكم محكمة القضاء الإداري بحلها وأخرى بسبب تراجع حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين عن الاتفاق الذي سبق أن وافق عليه في اجتماع المجلس العسكري مع الأحزاب والقوى السياسية مؤخراً.. ليعود ويثور التساؤل ما العمل؟
فكيف يمكن للمصريين أن يشكلوا تأسيسية الدستور وخصوصا وهم مقبلون على انتخابات ستأتي برئيس منتخب غير محدد السلطات؟ حتى إذا ما تم التوافق بين القوى السياسية على تشكيل التأسيسية فهل ستنجح في صياغة الدستور متكاملا قبل انتهاء الانتخابات؟
وأكد د. علي السلمي نائب رئيس الوزراء السابق لشئون التحول الديمقراطي أن كل احتمالات التأزم في تشكيل اللجنة التأسيسية واردة وخاصة أن منهج الحرية والعدالة لم يتغير منذ أيام طرح وثيقة المبادئ الدستورية ورفضها بعد توقيعهم اياها وسلوكهم محاولات التعطيل وهذا النهج مازالوا يسلكونه حاليا وخاصة بعد توصل المجلس العسكري مع القوى السياسية مؤخراً إلى صيغة التوافق حول تشكيل الجمعية التأسيسية ونظام التصويت داخلها، ورفضوا هذا بشكل ضمني وصريح أيضاً عندما غاب رئيسا مجلسي الشعب والشورى ورئيس حزب الحرية والعدالة عن اللقاء الأخير الذي تم الاتفاق فيه.
وأعرب السلمي عن اعتقاده أن الإخوان سوف يصلون بنا إلى طريق مسدود بسبب ممارستهم غير الديمقراطية، مؤكداً أن ما يقومون به هو استمرار لمحاولة السيطرة على عملية وضع الدستور وتشكيل الحكومة ومنصب رئيس الدولة وتمكينهم من كل شيء لكن لن يمكنهم الشعب من هذا.
وللخروج من هذا المأزق يرى السلمي ضرورة أن يقوم المجلس العسكري بإصدار إعلان دستوري مكمل للمادة الـ60 يفسرها ويحدد الضوابط لتشكيلها ونظام عملها وذلك في إطار ما تم التوافق عليه من القوى السياسية، لأن ما يقوم به الإخوان هو عمليات مراوغة ونوع من استعراض القوة أمام الرأي العام، للإيهام بأنهم هم الأقدر والأكبر على الساحة السياسية.
وفي نفس الاتجاه نفسه يرى د. وحيد عبدالمجيد من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن أزمة تشكيل اللجنة التأسيسية لن تنتهي بسهولة وأننا مقبلون إلى طريق مسدود، لأن قضية التأسيسية أصبحت ساحة لتصفية الحسابات وساحة لصراعات كبيرة وفيها حالة كبيرة لانعدام الثقة بين كل الأطراف، كما أنها ساحة الاستعراض السياسي واستعراض القوة من جانب البعض، مشيراً إلى أن الاتفاق بين الأحزاب والمجلس العسكري كان نتيجة للحوار وهذه التوصيات التي تم الاتفاق عليها بين الأحزاب من المفترض أن يتبناها النواب الممثلون لهذه الأحزاب في البرلمان، لكن فوجئ الجميع بأن اللجنة التشريعية تعترض على هذا الاتفاق وتؤكد أن هذا وصاية على عمل البرلمان، ورغم أنها آراء شخصية داخل اللجنة فانها تنم عن اتجاه داخل حزب الحرية والعدالة للتنصل من هذا الاتفاق الذي لا يسمح له بالسيطرة على مجريات العمل والانفراد بوضع الدستور، وهذا المشهد سوف يستمر لتمسك الإخوان بمواقفهم وعدم اتجاههم للسير في الطريق الذي يؤدي إلى الحل.
ويرى عبدالمجيد أن الخيار الأفضل هو عودة دستور 1971 بعد إدخال التعديلات عليه التي تم الاستفتاء عليها بالإضافة إلى عدة مواد أخرى، وبذلك يكون صالحا للعمل عدة سنوات، حتى تنضج الأوضاع السياسية بحرية ديمقراطية سليمة وتنضج اتجاهات الناخب والشعور بالمسئولية يكون لدى جميع الأطراف بعد حالة الهدوء وتحكيم العقل والمصلحة العليا بدلاً من حالة اللغط التي لا تمكن من وضع دستور يرضى عنه الجميع في ظل حالة الاستقطاب السياسي التي يتعرض لها مختلف أفراد الشعب وجميع الناخبين، وكان - هذا رأيي - منذ التعديلات الدستورية وقبل صدور الإعلان الدستوري، وبعد نجاح هذه التجربة يمكن التفكير في تشكيل جمعية وطنية تأسيسية تعبر عن جميع أطياف الشعب بالتوافق.
د. يسري الغرباوي الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية يسير في الاتجاه نفسه، مطالباً بإعادة دستور 1971 بعد إزالة التشويهات التي فعلها النظام السابق للرئيس حسني مبارك أو استحداث مادة على الإعلان الدستوري الحالي تحدد رئيس الدولة والسيناريو الأصعب هو - من وجهة نظري - إرغام الحرية والعدالة على قبول ما تم الاتفاق عليه من قبل جميع القوى السياسية وإذا لم يتم التوافق على أي من تلك السيناريوهات فإنه ليس أمامنا سوى العودة إلى المربع رقم صفر ويتم تأجيل الانتخابات من قبل المجلس العسكري وهذا سيؤدي إلى ثورة في الشارع.
ويعتبر د. الغرباوي أن عمل دستور قبل الرئيس فكرة مستحيلة لأن الدستور لا يمكن عمله في الفترة القصيرة الباقية قبل انتخابات الرئاسية، وأن يتم تحديد نظام الدولة وصلاحيات الرئيس القادم فليس أمام القوى السياسية سوى التوافق على رأي محدد لا يتم رفضه من قبل طرف على حساب باقي الأطراف السياسية الناشئة.
وتؤكد مارجريت عازر عضو مجلس الشعب (الغرفة الاولى من البرلمان) أن فكرة عدم الاتفاق على رؤى محددة بين القوى السياسية المختلفة «مهزلة بحد ذاتها»، كما أن عدم إقرار الدستور قبل الرئيس ينذر بوجود أزمة حقيقية قادمة لأن حزب الحرية والعدالة كانوا من ضمن القوى السياسية التي حضرت الاجتماع وحدث بينهم توافق وشروط أقروها مع المجلس العسكري، لكن بعد أن خرجوا من الاجتماع وبعد عرض الشروط التي أقرتها القوى السياسية واللجنة التشريعية بمجلس الشعب رفضوا تلك الشروط، لأن الدستور يحتاج إلى مزيد من الوقت حتى نستطيع أن نتوافق وليكون الدستور ملائما لكل طوائف الشعب، معربةً عن أسفها لمحاولة بعضهم الاستحواذ على نصيب أكثر من القوى الأخرى رغم أن هذا يؤدي إلى عدم التوافق ونحن في حاجة إلى الدستور قبل الانتخابات حتى نرسم نظام الحكم في مصر وحتى يعرف الرئيس القادم إلى مصر صلاحياته ونظام الحكم الذي سيحكم به.
ويقول د.جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان: إن جماعة الإخوان تسيطر عليهم فكرة الأغلبية المسيطرة على أي توافق فالإخوان دائماً ما يقفون ضد أي قرار تجمع عليه القوى السياسية المختلفة، وبالتالي من الضروري على المحكمة الدستورية العليا أن تصدر تفسيراً وفتوى توضح عبرهما طبيعة المادة الـ60 من الإعلان الدستوري وتحاول الخروج بها من نطاق السلطة التشريعية وهذا الوضع هو الذي يكفل فقط تكوين التأسيسية والتوافق عليها.
وأضاف عودة أن دستور 1971 موجود وهو حي يرزق لأننا في الحقيقة نمتلك إعلانين دستوريين الأول أعلنه المجلس العسكري بوقف العمل بدستور 1971 والثاني الذي وافقنا عليه من خلال الانتخابات التي لم تقرر وقف العمل بالدستور مما أدى إلى ارجاع العمل بالدستور وأصبحت المرجعية الدستورية لدستورنا الدائم هي دستور 1971 ولا يمكن تغييره.