الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


هل هي ثوراتٌ أم غزوات؟

تاريخ النشر : الجمعة ٨ يونيو ٢٠١٢

عبدالله خليفة



لم يستطع العربُ إنتاجَ ثورةٍ تجديديةٍ في علاقاتِ الانتاج غير الثورة الإسلامية التأسيسية، لكونها صنعتْ برنامجاً تحويلياً في علاقات الانتاج، وعبرَ العامةِ والتجار فككتْ أنظمةَ العبودية السائدة في المنطقة.
لكن العربَ والمسلمين بعد ذلك عاشوا على منتجاتِ هذه الثورة وقد خلتْ من مضامينها فكرياً، وعلى الغزوات معيشة.
لم تقدر المدنُ على صناعةِ حراك سياسي تحولي، فقدراتُ الجماعاتِ الدينية والفكرية لم تصلْ لإنتاجِ مفاهيم وجماعات ديقراطية لكونها لم تقرأ أسلوبَ الإنتاج السائد ولم تكن نتاجَ أسلوبِ إنتاجٍ جديدٍ فأهترأتْ المدنُ من الداخل وغدتْ حصالات لاستنزافِ الأرياف والبوادي.
قوى التحول غدت من خارج المدن فكانت وبالاً جديداً على هذه المدن العربية الإسلامية الشوامخ.
وجاءت من الشعوب غيرِ العربية أو من المناطق العربية القاحلة من الثروة والوعي، ولكنها لم تحمل برامج تحول نوعية إن لم تكن جماعات غازية كالهلاليين وغيرهم من القبائل الصحراوية.
ولهذا فإن التحولات المعاصرة تراوحت بين تحولات داخلية من دواخل هذه المدن عبر تنامي التيارات التحديثية فيها، أو كغزواتٍ خارجية وبأدوات عسكرية.
تحولات البورقيبية التونسية كانت تحولات نهضوية ديمقراطية من داخل المدن وأسست تعددية، وديمقراطية لم تكن مكتملة ونهشها الاستبداد لكن تصحيحها جاء من المدن كذلك، فصُححَ الخطأُ الديمقراطي بصوابٍ ديمقراطي.
لكن تحولات دول عربية أخرى جاءتْ من الجيوش وهي تحملُ في دواخلها مضامينَ كثيرة حسب القيادات وبرامجها وتعبيرها عن القوى الاجتماعية السياسية، لكن الأجندة الشمولية عبرتْ عن قوى غيرِ مدنيةٍ وغير ديمقراطية، فالقادة القادمون من الأرياف والبوادي عبروا عن استمراريةٍ تراثية سابقة، وفرضوا أنظمةً شمولية عبر أتباعهم وربما عبر قبائلهم أو أبناء مناطقهم.
وإذ عبرت الثوراتُ العربية عن زخم شعبي وطني لكن الانتخابات عادت لهيمنةِ قوى المناطق المختلفة، ولتغلغل الأرياف وسكانها في المدن.
إن الهجرات الكثيفة السابقة للمدن العربية مراكز القرارات والثروات، لم تكن هي أساس الثورات الشبابية الناتجة من المثقفين والمتعلمين الذين راكموا الأدوات الديمقراطية والتقنية الغربية، وهي القياداتُ التي أُزيحتْ بسبب التدفق العامي الهائل المحدود المعرفة، وقد أخذها هذا لخريطته الاجتماعية التقليدية. وكان المسارُ بسبب القيادة التونسية، لكن كل بُنية عربيةٍ لها مستوياتها وقوانين تطورها الخاصة.
ولهذا فإن الهجوم قد بدأ لإعادة توزيع الثروات المدنية، كما كان يفعل الأجداد بعد أن ينزلوا في القصور وينزلوا عن جيادهم، فكل حزب له جماعة يريدها أن تقتسم الثروة معه، وإذا كان ثمة حزب واسع متغلغل في كل مكان فهو سوف يصنع شبكة كبيرة من المنتفعين من خلاله.
هي غزواتٌ جديدةٌ بأشكال حديثة، استُخدم فيها العنفُ العام السلمي، أي القوة العادية للسكان، وهي مرحلة متوسطة لحين الاستيلاء على وسائل العنف الرسمية من قبل الحزب الجديد.
طرح الثورات السلمية كان نتاج قهر طويل وعنف مستمر عبر القرون، فالناس بحثت عن تحولات دون دماء، ثم تفجرت الدماء بقوة، لأن القوى الجديدة لا تحملُ أسلوب إنتاج مختلف عن ما هو سائد. الطبقة البرجوازية التي يُفترض أن تقوم بذلك هي فئات مالية وصناعية صغيرة وعقارية لا تمتلك إمكانيات ثورات صناعية جماهيرية بعد أن حجمتها القطاعات العامة البيروقراطية.
الفئات البديلة المضطربة الوعي المتعددة التشكيلات الفكرية والسياسية هي فئات متصارعة ستعود لعقلية الغزو، عنفاً في السلطة، واستغلالاً للجمهور. والتجربتان التركية والتونسية سبقتها فتراتٌ سياسية علمانية ورأسمالية خاصة ممهِّدة ولهذا فإن مصر تدخلُ الآن مرحلةً هي بين الثورة والغزوة، فليست لها تقاليد قوية مثل التجربتين التركية والتونسية، وقد تدخل في صراعات داخلية وإقليمية، إذا لم تقبل مسارَ التجربتين السابقتي الذكر، ومشكلاتها ليست فقط مشكلاتها بل هي مشكلات المنطقة.
التباينُ بين شريحتي البرجوازية المصرية الحاكمة سياسةً ومذهباً، بين الحزب الوطني والإخوان، بين القوى الرأسمالية المنفتحة في المدن، والقوى الغنية المحافظة ذات الأصول الريفية، تباينٌ كبير وتاريخي معقد، ولم تنشأ مقاربةٌ بينهما، وهما يدخلان الآن صراعاً على كسر العظم، بدلاً من العمل المشترك في ظل الديمقراطية والحداثة والتنوع.