الجريدة اليومية الأولى في البحرين


زاوية غائمة


"بشار والجعجعة بلا طحين

تاريخ النشر : الجمعة ٨ يونيو ٢٠١٢

جعفر عباس



استمعت إلى خطاب الرئيس السوري بشار الأسد يوم الاثنين الماضي.. استغفر الله: حاولت الاستماع إليه... تابعته بكل حواسي مدة نصف ساعة، ثم استنتجت ان الرجل ينفث فقط ثاني أكسيد الكربون.. يعني «كلامه كان هوا»، مع أن ما يميز بشار عن معظم القادة العرب أنه يتقن اللغة العربية، ولا يخطئ أو يلحن أثناء إلقاء الخطب، ولكن ما قيمة خطبة سليمة المبنى إذا كانت خالية المعنى؟ وبعد متابعة دامت سنوات الرشد من عمري توصلت إلى استنتاج، بصحة المقولة الشعبية السودانية: «السواي مو حدّاث» وهي تعني ان الشخص القادر على أن يسوي «يفعل الشيء»، لا يكون «حدّاثاً» أي كثير الحديث، بعبارة أخرى فكلما أرغى أي زعيم وأزبد وأكثر من اللقلقة، كلما كان ما يقوله «كلام فارغ»، بلا محتوى، وهذه ممارسة عربية مجربة ومعروفة فزعماؤنا يحسبون أنهم يستطيعون أن «يخمونا» أي يستكردونا أي يستعبطونا أي يلحسوا عقولنا بطق الحنك.
حاولت في اليوم التالي قراءة ما فاتني من خطبة الأسد البتراء، واكتشفت ان الصحفيين أيضا لم يستطيعوا متابعته واكتفوا بتلخيص ما قاله، وكان ذلك أمرا سهلا لأن ما قاله يوم الاثنين سبق له أن قاله مرارا وبنفس المفردات عدة مرات خلال الأشهر القليلة الماضية: الذين يحملون السلاح ضد زبانيته أجانب وعملاء وبالتالي فإن كل ما هو حادث هو ان سوريا تتعرض لغزو خارجي.. طيب أنت ووالدك ظللتم تستعدون لأكثر من أربعين سنة لغزو خارجي من جهة محددة هي إسرائيل، وأعطيتم أنفسكم اسم دلع هو «الممانعة»، فكيف يقف جيشكم عاجزا أمام حفنة من «المرتزقة» الأجانب دخلوا عقر داركم؟ كيف تبرر يا بشار عجز جيش الممانعة الذي ظل يبتلع أكثر من ثلاثة أرباع دخل البلاد لتحرير الجولان ثم فلسطين، عن تحرير حلب وحماة وإدلب؟ وبعدين عيب يا ريس بشار إنك تردد نفس موال مبارك وزين العابدين وعبدالله صالح بأن خصومك هم تنظيم «القاعدة»، لأن ذلك يجعلك مدير العلاقات الإعلامية للقاعدة. ويا عموم حكامنا أطال الله أعماركم، لا تطيلوا علينا الحديث، فنحن لسنا أغبياء، ونستطيع ان نميز بين السح الدح أمبو والمامبو (السوداني والطلياني)، لا تحسبوا أننا طراطير من فصيلة الحمير لا نفهم إلا بالتكرار.. خطبكم معلبات محفوظة وتحسبون أنها ذات صلاحية سارية مفتوحة وهي في حقيقة الأمر مفضوحة.. لت وعجن ع الفاضي
لقد قلت في مقال قبل أيام إنني صرفت النظر عن الفوز بكرسي الرئاسة في السودان، رغم أنه «مضمون وفي جيبي»، وأحد الأسباب التي جعلتني اتخذ هذا القرار هو أنني لست على استعداد لإلقاء الخطب في الفاضي والمليان في كل ميدان.. ما عندي مانع أن أكتب وغيري يقرأ ولكن لو فعلت ذلك وأنا رئيس سيقول الناس إنني «شخشيخة» ومجرد ديكور.. في ذمتكم ماذا عندي لأقوله لأهلي في السودان لو فزت بالمنصب: الرفاهية؟ الصحة للجميع؟ إصلاح التعليم؟ مكافحة الفقر والبطالة والناموس؟ منين يا حسرة!! استطيع أن أكافح الفساد على مستوى الكبار ذوي الحال المفضوح ولكن الفساد عندما يتغلغل من أعلى إلى أسفل يصبح عصيا على الاستئصال.
واعود إلى الشبل بشار وأنصحه لوجه الله أن يستمع إلى ما قاله عميد في الجيش السوري ينتمي إلى الطائفة العلوية عندما سألوه لماذا انشق وانضم إلى المعارضة، فجاء رده: لأن سعة وحمولة الطائرة التي ستتجه إلى طهران محدودة!!



jafabbas19@gmail.com