أخبار البحرين
الشيخ عبدالله الحسيني:
الإجازة الصيفية يجب أن تكون في كل ما هو مفيد وحلال
تاريخ النشر : السبت ٩ يونيو ٢٠١٢
وجه الشيخ عبدالله الحسيني بجامع الحكمة بسند إلى ضرورة استثمار الإجازة الصيفية وقال: ها هي الإجازة الصيفية قد حلت بيننا ضيفًا عزيزًا بعد انتظار طويل، وجهود متواصلة في التحصيل، وعناء عام دراسي كامل، فالمشي على وتيرة واحدة يورث الإملال والرتابة، فتأتي الإجازة الصيفية للقضاء على هذا الروتين الممل وكسره، وتجديد الحياة بتجديد نوع النشاط.
لا يختلف اثنان على أهمية الإجازة الصيفية وفائدتها، ومناسبتها للفطرة الإنسانية؛ فالإنسان بطبعه يمل ويتوقف عن الإنتاج إذا كانت حياته تسير على نمط معين، لا تجديد فيه ولا ترويح، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وقال علي رضي الله عنه: إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة.
الجميع ينظر إلى الإجازة على أنها محطة راحة واستجمام، لمعاودة الجد والعمل والنشاط من جديد، والمسلم العاقل ينظر إليها نظرة خاصة، فهي عنده تجارة رابحة ولهو مباح ووقت ممتع يقضيه مع أولاده وجولة إيمانية وتربوية هادفة.
من هنا كانت الإجازة حاجة للبشرية، وضرورة جبلّية وحياتية، وبابًا من أبواب الرقي والتقدم نحو الأفضل، وهي ثقافة موروثة من قديم الزمان، وموجودة لدى جميع أمم العالم منذ قديم الأيام.
إن المقصود الأول من الإجازة هو الترويح عن النفس بالمباح المفيد، ولكن من المجرَّب أن الإجازة قد تتحول هي الأخرى إلى عبء ثقيل لا يطاق إن لم نُعمّل فيها عقلنا، ونخطط لها تخطيطاً جيداً.
وعندما نقول لا بد من التخطيط المسبق ووضع الأهداف للإجازة فلا يعني هذا تحويل الإجازة الى أيام عمل وجد، وحرمان النفس من أسباب الراحة والترفيه، بل المطلوب هو الحفاظ على رونق الإجازة وبهائها، والاستفادة القصوى منها لترفيهٍ أفضلَ مَشوبٍ بكُلِّ حلال نافع ومفيد، فكم من ترفيه يتعلم الإنسان معه ما لا يتعلمه مع غيره، فالتربية والتعليم بالترفيه هو منهج جديد يسلكه العالَم المتقدم؛ فيثمر ثماراً يانعة للفرد والمجتمع.
لذلك لابد من وقفة مع الإجازة التي هي مرحلة حرجة تمر بها أسرنا عمومًا، والشباب من الجنسين خصوصًا، فهي مفترق طرق، ونقطة تحول في حياة الكثير من الشباب، قوة أبدان، وصحة أجسام، ونضج غرائز، تجتمع هذه كلها مع فراغ وقت طويل، ووفرة في السيولة المالية لدى الكثير، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ).
وفي مثل هذه الحالات تشتد حاجة الشباب إلى آباء عقلاء، ومربين أمناء، لأن فيها يجتمع ثالوث الفساد والإفساد الذي عبر عنها الشاعر بقوله:
إنَّ الشَّبَابَ والفَراغَ والجِدَهْ *** مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيّ مَفْسَدَهْ
ولأهمية مرحلة الشباب ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه محذرًا من إضاعتها: (لاَ تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ)، فذكَر منها: (وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ).
فإن لم تجد هذه المرحلة وتلك الطاقات الشبابية عناية من الآباء والمربين، وتوجيهًا من الناصحين، فإنها ستكون عامل هدم، ومعول فساد في المجتمع، بحيث لا يؤويهم إلا الأرصفة والممرات، والشوارع والجلسات، فيزعجون ويضايقون، وربما تكون لهم لقاءات واستراحات كمدارس شيطانية تعلمهم كل أنواع الشهوات والشبهات، ويزداد الأمر علة، والطين بلة إذا اجتمعت تلك الطاقات الفارغة مع المثيرات للغرائز، المهيجة لها عبر مواقع مشبوهة، وأفلام ماجنة، ودعايات وشبهات مضللة، وتعظم البلية إذا صاحب ذلك جلساء سوء ومكر وفسق!
فليحرص الآباء والأبناء كل الحرص على أهمية استثمار هذه الأيام، فهي فرصة ثمينة لتنمية المهارات والهوايات، فرصة لمزيد من الإبداع فيما يحبه الشاب ويتشوق إليه ليختار هو بملء إرادته وحريته ما يسره وينفعه، مع الترفيه والتسلية.
إن التاريخ يشهد بأن الذين برزوا في ساحات الفكر والإبداع، وفي ميادين الابتكار والاختراع، جلُّهم تخرجوا من هذا النوع من المدارس، مع أهمية المدارس النظامية، ومن هنا فالأسرة الواعية الناضجة تولي عناية خاصة للإجازة الصيفية في تربية أبنائهم، وصقل مواهبهم، وكشف قدراتهم، وإبراز طاقاتهم، فالأسر الواعية بدورها هي من تُعِدُّ العُدة قبل حلول الإجازة أو في بدايتها، وترتب أوراقها: فترسم البرامج، وَتُخَطِّطُ لاستثمار الأوقات، وتجعل الإجازة فرصة للتميز والتفوق، ولتعليم المهارات وكشف القدرات، وتفجير الطاقات، وتفتح الباب بمصراعيه لأنشطة لا منهجية قد تتعذر إقامتها في الموسم الدراسي.
إن الأبناء بحاجة ماسَّةٍ الى خبرة وتجارب الآباء والأمهات، فقليل من أوقاتكم وتوجيهاتكم لأبنائكم تعني لهم والله الكثير، فلم لا نُربي فيهم أن من أكبر علامات المقت إضاعة الوقت؟ لِم لا نغرس فيهم حب استثمار الأوقات فيما ينفعهم؟ لم لا نذكرهم باستمرار أن الإجازة هي أسهل وأقصر طريق للتفوق والتميز وتنمية المهارات الحياتية، وتطوير القدرات الفردية؟
إن مهمتكم أيها الآباء والأمهات هي صناعة جيل يقود الأمة نحو عزها وكرامتها، ولا يكون ذلك إلا من خلال رسم أهداف نبيلة واضحة، فالإجازة من غير هدف تعني أن نعرّض أبناءنا وبناتنا للأفكار الهدامة والانحراف السلوكي والأخلاقي وتكون الإجازة مملة لهم وللبيت وللمجتمع.
إن الأبناء أمانة في أعناقنا، وسنسأل عنهم إن لم نقم بواجبنا تجاههم، وسنعاقَب إن أهملنا رعايتهم وتأديبهم وتربيتهم، قال الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
أيها المسلمون المباركون: لعل الكثير من الآباء والأمهات يتساءلون في مطلع كل إجازة عن البرامج والوسائل المناسبة لأبنائهم وبناتهم، فإليهم بعض الإرشادات والتوجيهات العامة:
أولاً: اجمع أبناءك وبناتك، واغرس فيهم أهمية الوقت، وضرورة الاستفادة من الإجازة، وأن هذا لا يعني حرمانهم من الترفيه والأنس، بل ليجعلوا أوقاتًا لهذا وأوقاتًا لذاك، من نفع وتطوير للنفس، وتنظيم للوقت، ومن المهم جداً أن تشاركهم بالرأي والتوجيه والتخطيط فيما يحبون ويرغبون، من دون أن تتولى أنت ذلك أو تأمرهم به، بل أرشد ووجه وسهِّل لهم العقبات والصعوبات، وحسّسهم بالاستقلالية وتحمل المسئولية.
ثانياً: ذكر أبناءك وبناتك دائمًا بأن هناك فرقاً شاسعاً بين مجرد ملء الفراغ وشغل الأوقات بأي شيء، وبين استغلال الأوقات في تنمية المواهب وتطوير القدرات، فشتان بين هذا وذاك، والإجازة فرصة ثمينة لبناء الذات، وتطوير القدرات عبر الدورات التدريبية المكثفة في أي فنّ ومهارة مباحة.
ثالثاً: حذر أبناءك وبناتك من خلال رسم خطة وبتنظيم ساعات اليوم من السهر الطويل وخاصة خارج المنزل، وبيِّن لهم خطورته، وأهمية نوم الليل وبركته، وأهمية صلاة الفجر مع الجماعة وفضلها العظيم، وَضِّحْ لهم ذلك، وكرره عليهم، وشجعهم على الحرص عليه، فإن سهر الليل بما لا ينفع ضياع للنهار والأعمار، ومن ثَم نوم وكسل، وفتور وملل.
رابعاً: هناك برامج عامة وبرامج خاصة، أما الخاصة فأنت من يخطط لها بالاشتراك مع أبنائك وبناتك بحسب الظروف والأحوال، فما أجمل تنظيم الوقت وتعويد الأبناء عليه، وتقسيم البرنامج اليومي بنومه وزياراته ومناسباته على الأوقات، فبرامج في الصباح وأخرى في الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
أما البرامج العامة فكثيرة جدًّا، فإن من فضل الله علينا في هذه البلاد المباركة وجود جمعيات ومراكز خيرية كثيرة، يرعاها رجال ونساء أفذاذ أخيار، يحملون همَّ الأجيال وتربيتهم، ويبذلون قصارى الجهد للإصلاح والنفع والتوجيه، فمراكز التحفيظ والجمعيات والنوادي الصيفية وميادين المعرفة والتدريب والتأهيل تفتح أبوابها في كل صيف لتكون عوناً للآباء والأمهات لقضاء إجازة نافعة ومفيدة، ليس مجرد ملء الفراغ، وقتل الأوقات، بل لتطوير النفس وتنمية المهارات والارتقاء بالقيم والأخلاق والمعارف.
فأين أهل الهمم والعزائم؟ أين الآباء والأمهات من توجيه أبنائهم وتسجيلهم في هذه المحاضن والمناشط ومتابعتهم؟!
وأختم حديثي بكلام تربوي نفيس للعلامة ابن القيم حيث يقول:
(من أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً) ا.هـ
فالله الله في أبنائنا وبناتنا بل في أنفسنا وأرواحنا وفلذات أكبادنا، نسأل الله أن يوفق أبناءنا وبناتنا لاستثمار هذه الإجازة فيما يحبه الله ويرضاه.