عربية ودولية
غسان تويني عميد الصحافة اللبنانية والسياسي المترفع
تاريخ النشر : السبت ٩ يونيو ٢٠١٢
بيروت - (ا ف ب) لقب غسان تويني الذي توفي أمس الجمعة عن 86 عاما بـ «عملاق الصحافة العربية» بسبب عراقة صحيفة «النهار» التي تملكها عائلته والتي خرّجت اجيالا من الاعلاميين وأرّخت لعقود من احداث المنطقة. وغالبا ما فضل غسان تويني الصحافة على السياسة التي اتقنها وتميز فيها بتجرده وترفعه عن المصالح الخاصة الصغيرة.
مناضل كان غسان تويني لم ترحمه الدنيا، لكنها لم تنل منه. ولعل الضربة الاقسى التي تلقاها كانت عام 2005 عندما اغتيل نجله النائب والصحفي جبران تويني في تفجير سيارة مفخخة، فخسر بذلك آخر فرد من افراد عائلته الصغيرة.
ويروي صحفيون في النهار ان غسان تويني الذي كان في باريس يوم مقتل ابنه وعاد في الليلة نفسها إلى بيروت، اتصل بفريق التحرير ليملي عليهم عنوان الصفحة الاولى في اليوم التالي، وهو العنوان الذي صدرت فيه الصحيفة على ثمانية أعمدة «جبران لم يمت والنهار مستمرة».
بالقوة نفسها، وقف تويني في ماتم ابنه يدعو إلى التسامح والتعالي عن الاحقاد. وقال في الكنيسة «أحسست ان هذه الجريمة التي طالت ابني، ومزقت كامل جسده، هي تحديدا جريمة تطال صورة الله. الله الذي خلق الانسان على صورته تم الاعتداء عليه مباشرة».
وبعد ان كان سلم ادارة جريدة النهار إلى جبران تويني، لينصرف إلى مؤلفاته وتقاعده، عاد وتسلمها بحماس سنوات الشباب وبشغف المهنة ذاته. وبعد ان كان ابتعد عن السياسة، عاد وقبل، تحت ضغط محبيه والاوساط السياسية والشريحة الشعبية الواسعة الوفية لعائلته، بان يصبح نائبا في البرلمان للمدة المتبقية من ولاية ابنه والتي جاوزت الثلاث سنوات، وذلك ضمن فريق 14 الذي كان يشكل الاكثرية النيابية والوزارية في حينه.
ثم عاد وسلم الامانة مجددا في الجريدة والبرلمان إلى حفيدته نايلة تويني، ابنة جبران. عرف غسان تويني بسعة علمه وثقافته ودبلوماسيته ومواقفه المستقلة، وان كان شكل في بعض الحقبات جزءا من ائتلافات سياسية معينة.
هو ابن عائلة ارثوذكسية عريقة من الاشرفية شرق بيروت. ولد عام 1926. في عام 1945، تخرج في الجامعة الأمريكية ببيروت في الفلسفة. وحصل على ماجستير في العلوم السياسية من جامعة هارفرد في الولايات المتحدة.
دخل البرلمان وكان لم يبلغ الخامسة والعشرين. وشغل مناصب وزارية مهمة. وكان مندوب لبنان الدائم في الامم المتحدة في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات في اوقات عصيبة تخللها خصوصا اجتياحان اسرائيليان. وينظر اليه على نطاق واسع على انه «عراب» القرار 425 الصادر عن مجلس الامن الدولي في 1978 والذي دعا اسرائيل إلى الانسحاب من لبنان، الامر الذي لم ينفذ حتى عام 2000.
من ابرز مؤلفاته «اتركوا شعبي يعيش» في 1984، و«حرب من أجل الآخرين» عن الحرب الاهلية اللبنانية في 1985، و«سر المهنة وأسرار أخرى» في 1995. اما كتابه الاخير فحمل عنوان «لندفن الحقد والثأر، قدر لبناني». وقد صدر باللغة الفرنسية بالتعاون مع الكاتب الفرنسي جان فيليب دو توناك، وهو عبارة عن سيرة ذاتية تروي محطات مهمة من حياة الصحفي والسياسي والدبلوماسي والانسان.
كتب غسان تويني الاف الافتتاحيات في صحيفة النهار، وكلفه بعضها دخول السجن بسبب جرأته ومواجهته السلطات في عز نفوذ ما كان يعرف بـ «المكتب الثاني» (استخبارات الجيش) في الحياة السياسية على الدولة في حقبة الستينيات واوائل السبعينيات.
وسربت جريدة النهار بنود اتفاق القاهرة الشهير السري بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية، مما احدث هزة في الساحة اللبنانية، وتسبب بسجن مرة اخرى لرئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير غسان تويني عام 1973، بتهمة «إفشاء اسرار الدولة».
تركت السنوات آثارها على وجهه، إلا أنه ظل يطل عبر محاضرات او حلقات تلفزيونية خاصة او منتديات ثقافية، بشعره الابيض ونظارتيه الكبيرتين وسيجارته، وصوته الهادئ الواثق، يروي خبرات حقبة واسعة من تاريخ لبنان الحديث.
جاهر غسان تويني بإيمانه المسيحي. الا انه آمن، كما كتب، بان «جوهر لبنان الرسالة هو الديمقراطية التي يجب ان يكون عاصمتها... أي ألا يستوطنه الإرهاب، ولا تتخمر في أرضه الأصوليات أيا تكن، مسيحية كانت أم اسلامية لا تمييز». كما دعا إلى عروبة الحداثة والتجديد والانفتاح.
تزوج غسان تويني في الخمسينيات من الشاعرة ناديا تويني، متحديا وإياها كل التقاليد والاعراف، لكونها متحدرة من عائلة درزية عريقة من جبل لبنان. ورزق الزوجان بثلاثة اولاد: نايلة التي توفيت في السابعة اثر اصابتها بالسرطان، ومكرم الذي قضى في حادث سير في فرنسا وهو في ربيع العمر، وجبران الذي كان في الثامنة والاربعين عندما قتل.
اما ناديا، فقد توفيت بعد اربع سنوات من وفاة ابنتها بالمرض ذاته. وتزوج غسان تويني مرة ثانية من شادية الخازن عام 1996.