الجريدة اليومية الأولى في البحرين


الثقافي

قضايا ثقافية

تداخل المراحل الثقافية

تاريخ النشر : السبت ٩ يونيو ٢٠١٢



لعلنا لا نكتشف الأثر الذي يحدثه تداخل المراحل الثقافية في حياتنا الابداعية إلا بعد مرور فترة من الزمن حينما نبدأ بأول مرحلة تقييم فنية لما أعطينا وما أنجزنا من خطوات علمية في طريقنا الشاق والطويل في الحفر والتنقيب عن الجديد سواء على مسار الشكل أو المضمون أو الاستيعاب وردود الفعل العكسية.
والخطوة الأولى أن تكتشف أن الخبرة الثقافية التي جمعتها هي مجرد تراكمات أو شظايا من العلوم والأفكار حرصت على تتبعها من مصادرها الأساسية وأخذتها من منابعها الأصلية، لكنها مع مرور الوقت تصبح مرحلية ولابد من تجديدها أو تجاوزها أو البحث عن البديل الآني لها الذي يصلح إلى الزمان الذي تعيشه اليوم.
إن المثقف الذي ينتظر أن تأتيه هبات السماء هو لا يعرف قانون الثقافة الأزلي المتغير لاعتقاده أن الثقافة تتغير من تلقاء نفسها كأنها وجبة غذاء يقوم بطهيها محترفو الطبخ في الفنادق أو الأماكن العامة والخاصة في حين أن هناك من يؤجر جيوشا من المرتزقة يقومون بتحريف القواعد الأساسية التي تربط المراحل بهدف تفكيك الأسس وتخريبها من الداخل ليسهل معها الخلط الفكري الذي يكون إنتاجه البلبلة العامة في المفاهيم الخاصة وهي بدورها توسع دائرة الخلافات في النظرية الواحدة.
إن علماء الأرض يعلمون أن الخطر الداهم الذي يحدث التشققات داخل القشرة الأرضية هو تلك الشقوق الصغيرة التي سرعان ما يتسرب منها الهواء أو المياه الجوفية ومن الداخل يبدأ التخريب.
لدينا من يصر اليوم على أن الثقافة الماركسية (انتهى) دورها كواحدة من الإشعاعات الثقافية الإنسانية، وكانت قد حققت انجازات على مستوى العلم التطبيقي السياثقافي وعلى مستوى السيانظري وحان لها أن تتقاعد لأنها لا تصمد أمام العلم الحديث.
هذا كلام فارغ لأن المتشبثين بالثقافة الماركسية يؤكدون أنهم لايزالون في بداية المراحل المتداخلة والذين يئسوا من فهم هذه النظرية هم في الأساس من أرهقتهم النظرية ولم يكونوا قادرين على استيعابها من جذورها، والإنسان الذي لا يعي مفاهيم علوم الرياضيات هو أول من يكره هذه المادة ويظل كارها لها ويربطها حتى بالحساب العادي، ولو قلت له ماذا يعني 1+1؟ يعتقد أنك تجره إلى المسائل المعقدة.
لقد تقدم أبوالأسود الدؤلي من الإمام علي (عليه السلام) وسأله ببساطة شديدة كيف نفهم اللغة؟
فقال له: اللغة حرف وفعل واسم.
إن التعرف على الحروف والأفعال والاسماء ومن ثم التركيبات الخاصة والعامة والمعقدة بها كالتعرف على المجتمعات البشرية لأنها ذوات خواص والتداخل بينها يعمق الاطلاع، لكن بمجرد أن أقطع الصلة بين قاعدة (الألف) النحوية وشقيقتها (التاء) فكأنني قطعت شريان (الحروف الأبجدية) المرتبط بالقلب الذي يغذي الفكر ويقوي الدماغ.
في مسائل التزاحم البشري نحو النهوض إلى القمة لا يمكن أن نصنع سُلَّما من خشب ونتركه في الفضاء الرحب تُسيطر عليه القوى الخيالية ثم ننتظر نتائج هذه السيطرة، إذ ان التزاحم يؤدي في نهاية المطاف إلى الفوضى ومن ثم التقاتل اللاإرادي حتى في المجال الثقافي السلمي.
إن الثقافة التي تؤدي دورها في المجتمع الإنساني لا تذهب وراء الشمس ثم تحتضر وتقبر ذاتها بذاتها، بل هي تختبئ بعيدا عن التناول وسرعان ما تظهر بشكل مفاجئ وتلعب دورها بإتقان كأنها تلسع المرة الأولىئع