الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


مبادرات من أجل الوطن

تاريخ النشر : السبت ٩ يونيو ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



مرة أخرى تتحرك عجلة قاطرة المحاولات لتحريك المياه الوطنية الراكدة للحيلولة دون تحولها إلى مياه آسنة ضارة بالجميع، هذه المرة يأتي التحرك بدعم من صاحب السمو الملكي ولي العهد حيث من المقرر أن يعلن يوم الثلاثاء القادم الموافق الثاني عشر من شهر يونيو الحالي تشكيل «المؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار الوطني»، فهذه الخطوة بلا شك تشكل إضافة نوعية غاية في الأهمية للمحاولات السابقة التي بادرت إلى إطلاقها فعاليات وشخصيات وطنية من مختلف مكونات الشعب البحريني التي آلمها مشاهدة التصدع الذي يعيشه المجتمع البحريني وسعي البعض ـ وهم بالمناسبة قلة متمصلحة ـ إلى إطالة أمد هذا التصدع كونه يشكل المناخ الذي يتناسب مع أهداف ذاتية لا علاقة لها بمصلحة الوطن.
من حيث دعم سمو ولي العهد لهذه المبادرة الوطنية، فهي ليست بخطوة جديدة في سيرة ولي العهد الوطنية، ومن يتابع تصريحاته المتكررة في العديد من المناسبات وما يخص منها الشأن الوطني، يمكن له أن يقرأ فيها مواقفه الوطنية الداعمة للحفاظ على النسيج الوطني البحريني والعمل على ترميم خيوطه التي تهتكت بعد الأحداث المؤسفة التي ألمت بالوطن منذ شهر فبراير من العام الماضي وما تلاها من تداعيات انعكست سلبا على العلاقات المجتمعية لمختلف مكونات شعب البحرين.
الخطوة الجديدة هي بلا شك محاولة تضاف إلى المحاولات السابقة، والحكم على مدى ما تحققه من نجاح استنادا إلى ما حققته المحاولات السابقة، ليس حكما موضوعيا، فالمهمة التي تصدت لها تلك المحاولات والتي تأتي الخطوة الجديدة المدعومة من ولي العهد لمواصلة التصدي لها، ليست مهمة سهلة، وخاصة أن جميع هذه الخطوات والمبادرات تواجه موانع مصطنعة ومفتعلة، فهناك من يرى في التشتت الوطني، وسيلة للحفاظ على مصالحه الأنانية، وبالتالي فإنه سيعمل على إفشال مثل هذه المبادرات أو حتى التشكيك في جدواها.
فالتعارض بين المصالح الوطنية الجامعة والمصالح الذاتية، هو حالة طبيعية في جميع المجتمعات، فليس هناك مجتمع خال من «أبنائه» الانتهازيين، وليس كل مجتمع ينتمي إلى مدينة أفلاطون الفاضلة، ولكن طالما هناك من يؤمن ويضع مصالح الوطن فوق مصالحه الذاتية أو الحزبية والمذهبية والدينية، فإن الأمل يمكن أن يكبر ويترعرع مع كل قطرة ماء تدفق في تربة الوطن، فالخير دائما ينتصر على الشر مهما طال أمد عمر الأخير، والحق يعلو على الباطل، فمصالح الوطن تمثل الحق غير القابل للمساومة، وهذه المصالح هي التي تمثل الدافع وراء القائمين على مثل هذه المبادرات.
ثم ان استمرار عجلة قطار مبادرات المصالحة في الدوران، يشكل بحد ذاته دافعا وعملا مشروعين ومطلوبين في مثل هذه الظروف الصعبة، لإخراج شعبنا وبلادنا من الوضع غير الصحي وغير السليم الذي دخلت فيه بسبب الأحداث المتواصلة منذ ما يقارب ستة عشر شهرا التي تتسبب في إلحاق خسائر جسيمة بمصالحنا الوطنية، ليست المادية فحسب، بل الأضر منها، العلاقات المجتمعية التي تأثرت كثيرا، وهي ربما المحرك القوي الذي يدفع بالغيارى على وطنهم إلى عدم الاستكانة والتوقف عن محاولات معالجة هذه الآثار ووقف النزيف المجتمعي.
كما أن هذين الاستمرارية والإصرار على التصدي للآثار السلبية التي خلفتها الأحداث الجارية في بلادنا لابد لهما أن يأتيا بنتائج إيجابية مهما طال أمد المحاولات، ففي هذه الظروف العصيبة والتخريب المتعمد لمختلف المبادرات والمحاولات، سنحتاج إلى عملية تشذيب تدريجي، وربما طويل الأمد لجدار العزل الذي تسببت به تلك الأحداث وساعد على تقوية بنيانه أصحاب المصالح الأنانية، الذين لن يتركوا هذه المحاولات تأخذ طريقها للنجاح أو حتى الاستمرارية، فالمصالح الذاتية أو الطائفية لدى البعض تسمو على المصالح الوطنية.
لكن الإيمان بالعيش المشترك وبالتعددية الدينية والمذهبية والعرقية التي أعطت للفسيفساء البحرينية جمالها المميز، والتمسك بسمات التسامح والألفة التي جبل عليها وورثها أبناء البحرين عن جداتهم وأجدادهم وأمهاتهم وآبائهم، كلها عوامل مؤثرة وتقوم بالدور الحاسم في إنجاح مثل هذه المبادرات الوطنية، وهي كفيلة بأن تجمع أبناء البحرين المخلصين حول مصالح وطنهم رغم كل الصعاب التي يواجهونها، فليس أمام أبناء البحرين من خيار سوى العمل على بناء وطن «لا يرتجف فيه الأمل»، وطن يجمع تحت سقفه كل أبنائه، فالأوطان تبنيها سواعد الجميع، وأي خروج على هذه القاعدة سيدفع الوطن ثمنه الباهظ دون سواه.