لماذا.. يخافون من الإسلام؟
 تاريخ النشر : الأحد ١٠ يونيو ٢٠١٢
بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح
الإسلام دعوة إلى السلام مع النفس، ومع الآخرين، ولن يتحقق هذا السلام إلا إذا عقد الإنسان صلحا مع خالقه سبحانه وتعالى الذي أوجده من عدم، وأمده بمقومات حياته من عُدْم، وسخر له الوجود كله ينفعل لحركته، ويستجيب لسعيه، ويعطيه مما قدره الله تعالى له من كل ما سأله إياه مصداقا لقوله سبحانه: } وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار{ إبراهيم/.٣٤
وقد جمع الصحابي ربعي بن عامر( رضي الله عنه) لرستم قائد الفرس الإسلام في كلمات قلائل حين سأله: ما الذي جاء بكم إلينا؟
فكان جواب ربعي حاسما وجامعا ومانعا، قال له: لقد ابتعثنا الله تعالى لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.
وحين أراد رسول الله( صلى الله عليه وسلم) أن يحدد الهدف من مجيء الإسلام، ومن بعثته (صلى الله عليه وسلم) قال: ]إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق[ الإمام مالك.
ولم يكن من أهداف الإسلام في يوم من أيامه الخالدات أن يحمل الناس بالقوة على الدخول فيه، بل على العكس من ذلك ترك لهم حرية الإرادة بعد أن يرفع عن كواهلهم الأثقال، ويفك عن أيديهم القيود التي كبلهم بها الحكام، وحالوا بينهم وبين رؤية الحق، لذلك جاء في القرآن الكريم:} لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم{ البقرة/.٢٥٦
ولأن حقائق الإسلام ساطعة، وبراهينه قاطعة، فهو لا يحتاج إلى إجبار الناس على الدخول فيه، ثم ما فائدة أن يؤمن الناس بالإسلام مجبرين خضوعا لقوة أو سلطان، فإذا رفعت تلك القوة، وخفت قبضة السلطان عادوا إلى ما كانوا عليه من أديان سابقة؟
إن الله تعالى يريد قلوبا تخشع، ولا يريد قوالب تخضع.
إذا، فلماذا يخافون الإسلام؟
ولماذا يصفونه ويصفون أتباعه بالإرهاب ليخوفوا الناس منه، ويستعدوا عليه الأنظمة الحاكمة في بلاده، وأعداءه خارج أرضه؟
لماذا يخافون من الإسلام وإلهه الذي يعبده المسلمون من أسمائه الحسنى (السلام)، وتحية المسلمين في الدنيا السلام، وتحيتهم يوم يلقون ربهم عز وجل في الجنة السلام؟
بل لا يستحق وصف المسلم إلا من سلم المسلمون من لسانه ويده كما ورد في الحديث الشريف، ولا يرقى إلى درجة الإيمان إلا من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم، قال صلى الله عليه وسلم عن الأولى:]المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه[ متفق عليه، أخرجه البخاري برقم ١٠، ومسلم برقم .٤٠
وقال عليه الصلاة والسلام عن الثانية:] المؤمن من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم[ رواه الإمام أحمد.
وإذا كان المسلم مطلوبا منه أن يتعامل مع غير المسلمين بالبر والقسط كما في قوله سبحانه: }لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين{ الممتحنة/.,٨
وإذا كان المشرك الذي لا يدين بدين الإسلام له من الحقوق على المسلم في أن يؤمنه على حياته، وان يوفر له ما يحتاج إليه من ضيافة، كما جاء في قوله تعالى:
}وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون{التوبة/.,٦
فمن أين لهم هذه الجرأة على اتهام الإسلام بالإرهاب، وتخويف الناس منه، ووصفه بأقبح الصفات، والواقع المعاش أكبر دليل على سعة صدر الإسلام مع مخالفيه من أصحاب الديانات الأخرى، بل إن في كتاب الله تعالى جاءت الدعوة إلى العناية بالأسرى، وتوفير ما يحتاجون إليه من طعام وشراب ومأوى، قال تعالى:}ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا(٨) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولاشكورا(٩){ سورة الإنسان.
واعتُبر هذا الفعل محمودا عند الله تعالى، ويثاب عليه المسلم بجنة عرضها السماوات والأرض، ويعلق على صدره في مشهد عظيم أوسمة التكريم والفخار لأنه لم يسع إلى دنيا يصيبها، أو سمعة يتلمس الطريق إليها، بل هو يريد الأجر والمثوبة من الله تعالى دون سواه سبحانه، ولم يكلف هؤلاء الضعفاء مؤونة رد المعروف إليه بمثله حتى لو كان مجرد الشكر، كما قال تعالى:}... لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا{ الآية؟
ولقد أثبت التاريخ الصادق أن الإسلام عندما دخل البلاد التي وصل إليها حفظ لأهلها حقوقهم، ودافع عن بيعهم وكنائسهم وصوامعهم، ورفعت إلى أمراء المؤمنين وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم أجمعين) العديد من القضايا وقعت بين مسلمين وغير مسلمين، وكانت الأحكام الصادرة عن الفاروق (رضي الله عنه) في صالح أصحاب الديانات الأخرى كما حصل للقبطي المصري مع ابن والي مصر عمرو بن العاص (رضي الله عنه)، وكيف أنصف عمر القبطي وجعله يقتص من ابن عمرو بن العاص.
والمرأة التي كان خصمها الوالي على مصر عمرو بن العاص (رضي الله عنه) حين ضم بيتها إلى المسجد من أجل توسعته بسبب ازدياد عدد المسلمين، وكان ذلك من دون رضاها، فلما رفعت أمره إلى أمير المؤمنين عمر (رضي الله عنه) حكم لها، وأجبر واليه على أن يعيد إليها بيتها بعد أن يعيد بناء ما هدمه على أحسن حال، وأن يسترضيها، ففعل عمرو بن العاص ذلك، ونزل على حكم الإسلام.
وحين دخل قائد جيش المسلمين في عهد الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبدالعزير سمرقند عنوة، ومن دون أن يعرض عليهم الخيارات الثلاثة: الدخول في الإسلام، ويكون لهم ما للمسلمين من حقوق، وعليهم ما على المسلمين من واجبات، أو دفع الجزية مقابل البقاء على دينهم ويوفر لهم المسلمون الحماية والرعاية مقابل ذلك، أو الحرب لكف يد الحكام عنهم، ثم يتركون لهم الحرية في اختيار الدين الذي يريدون.
أرسل أهل سمرقند وفدا إلى أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز يشتكون ما حل بهم، بعد أن سمعوا عن عدله وإنصافه، فأرسل معهم قاضيا ليحكم بينهم وبين قائد الجيش، فحكم القاضي لهم، وأمر قائد الجيش بمغادرة المدينة، ثم يعرض عليهم الخيارات الثلاث، فلما بدأ الجيش بالتحرك تجاه أبواب المدينة وسط دهشة أهلها واستغرابهم، قالوا للقاضي: رضينا بالفتح الإسلامي، فكانت هذه الحادثة العظيمة عنوانا على سماحة الإسلام وعدله وإنصافه لغير المسلمين.
هذا هو ديدن الإسلام، فهو لا يسعى إلى الغزو والاستعلاء بل يقوم بتحرير الشعوب من سيطرة حكامهم الطغاة، ثم يترك لهم حرية الاختيار بدليل وجود من أطلق عليهم في ذلك الوقت بـ (أهل الذمة)، وهم الذين آثروا دفع الجزية والبقاء على دينهم، ولو كان انتشار الإسلام بالسيف كما يزعمون لما بقي في هذه البلاد المفتوحة غير المسلمين.
وموقف الإسلام من اليهود، ومن مثلهم في الأندلس موقف يقف له التاريخ إجلالا واحتراما، بينما لما استولى النصارى على الأندلس أعملوا القتل والمطاردة ونصبوا محاكم التفتيش لمن يخالفهم في عقيدتهم، ولم يسلم منهم حتى الذين تنصروا.
الإسلام دين السلام، وهو دين الأمان من كف يده ولسانه عنه عامله بأفضل ما يحب ويتمنى، وفي الإسلام لا تستوي الحسنة ولا السيئة، فهذه لها مقام، وتلك لها مقام، وصدق الله العظيم: } ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم { فصلت/.٣٤
وفي الإسلام:} هل جزاء الإحسان إلا الإحسان{ الرحمن/.٦٠
.